حسنا فعلت وزارة الثقافة المصرية بإقامة احتفال حب ووفاء لواحد من رواد الإعلام في مصر (هو الإذاعي الكبير محمد محمود شعبان الملقب (بابا شارو) وتكريمه لعطائه المميز إذاعيا وإعلاميا وتربويا، وقد تحدث عنه الدكتور حسن إمام العميد السابق لكلية الهندسة بجامعة القاهرة، ودور برنامج بابا شارو في تكوين رجال الغد والمستقبل، وفي حديث آخر للإذاعي الكبير (حمدي الكنيسي) قال: «كيف تتلمذ كل جيله على يديه علميا ونفسيا ومعنويا، حيث كانت تلك الزمالة مع معارفه من أنجح الأساليب للعمل» وتحدث أيضا الإذاعي فهمي عمر الذي كان رئيسَ الإذاعة عن دور (بابا شارو) في إيجاد الصور الإذاعية الغنائية الناجحة، كما تحدث عنه أيضا الإعلامي السيد الغضبان، مؤكدا استحقاقه للتكريم حيث كان رائدا إعلاميا مبدعا.
وتحدثت أيضا الكاتبة الصحفية (صافيناز كاظم) عن تأثير بابا شارو في طفولتها ونشأتها الثقافية والحياتية ومدى تأثر كل جيلها ببرامجه وقصصه وأغانيه ثم جاء دور الكاتبة الصحفية (نعم الباز) لتخبرنا عن الفترة من حياتها التي كانت تستمتع كل صباح ببابا شارو، بعد ذلك تحدثت الفنانة (كريمة مختار) عن ذكرياتها مع بابا شارو، كذلك تحدث الإعلامي الكبير (صلاح زكي) الذي شرح فلسفة تعامل بابا شارو مع مرؤوسيه من أبنائه الإذاعيين، حيث كان يعطي الكبار إرشاداته كما كان يعطيها للصغار، ثم تحدث الإذاعي (العسكري سعيد زايد) والكاتب المتخصص في أدب الطفولة (عبد التواب يوسف) كما تحدثت الإذاعية الكبيرة (صفية المهندس) عنه وذكرياتها في الإذاعة أثناء قيام (بابا شارو) بتسجيل برنامجه، كان لا يفارق الاستديو ويستمع إلى برنامجه عدة مرات حتى يطمئن بأنه راض عنه.
ولد الإذاعي الكبير محمد محمود شعبان (بابا شارو) في الإسكندرية بتاريخ 25 سبتمبر 1912، وعاش بها حتى التحق بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية بجامعة فؤاد الأول ثم تحول اسمها بعد ذلك إلى جامعة القاهرة، ثم تحوَّل إلى قسم جديد هو (قسم الدراسات القديمة) التي تخص الحضارات اللاتينية واليونانية، والتي أنشئت بناء على رغبة الدكتور طه حسين عميد كلية الآداب وفي عام 1939، تخرج في كلية الآداب، والتحق بناء على نصيحة من أستاذه الدكتور (طه حسين) للعمل مذيعا بالإذاعة المصرية ونجح في عمله، إلا أنه في بداية عمله اعتذر عن تقديم برنامج خاص للأطفال بسبب غياب مقدم البرنامج، ولما اقترب موعد إذاعة البرنامج قال محمد محمود شعبان مخاطبا زميله (عبد الوهاب يوسف) ليس هناك وقت لشغل المساحة الزمنية للبرنامج قال عبد الوهاب أنا سأقدم البرنامج بدلا من صاحبه الذي اعتذر وهنا دخل الاستديو عبد الوهاب ، ولما وجد نفسه أمام الأمر الواقع قال (هنا القاهرة) ثم قام بتقديم محمد محمود شعبان، إلى الأطفال المستمعين، وبصورة غريبة من عبد الوهاب حيث تسلل من الاستديو على أطراف أصابعه حتى لا يرى الفشل وهو يذاع تحت سمعه وبصره، ولكن المفاجأة أن مئات الخطابات وصلت إلى مبنى الإذاعة تثني على صاحب الصوت الحنون وأسلوبه الواعي في سرد القصص وبالطبع كان المقصود هو محمد محمود شعبان الذي شعر بمسؤولية أمام كل من كتبوا له بالأصالة عن أنفسهم وبالإنابة عن أولادهم، فشجعه هذا على أن يصبح (بابا شارو) الذي ظل يقدم برنامج الأطفال طوال خمسة وعشرين عاما كاملة إلى جانب وظائفه الإدارية.
وكان من تلاميذ البرنامج، سعاد حسني، نجاة الصغيرة، شريفة فاضل وكريمة مختار وفؤاد المهندس وغيرهم، وكانت صفاء أبو السعود هي آخر العنقود واستطاع من خلال مسيرته الإذاعية ومن ميكرفون الإذاعة تقديم روائع أثرت المكتبة الإذاعية، حيث قدم كمخرج مع (طاهر أبو فاشا) مؤلف حلقات ألف ليلة وليلة، سنوات طويلة، كما قدم أيضا برنامج (الأغاني لأبي فرج الأصفهاني، مخرجا مع الشاعر عبدالفتاح مصطفى سنوات طويلة، وقد ارتبط اسمه بأطفال مصر جميعا حيث كانت معظم الأمهات تستغل اسمه لأن الأطفال يحبونه، وقد اعتبر المجتمع المصري أن بابا شارو، أحد الأعمدة الرئيسية التي تشكل تربية الأطفال في مصر، فمعظم أبنائه من الأطفال قد حققوا أمانيه وأصبحوا أعلاما في مجالاتهم التعليمية والعملية، واشتهر محمد محمود شعبان بتمكنه الملموس من إخراج وتنفيذ الصور الغنائية من الدراما الغنائية والأوبرتات، وله كثير منها (ولد العم) ( والراعي الأسمر) وعذراء الربيع، وقمر 14 وأصل الحكاية وعيد الميلاد، وأبو الفصاد، وعرايس البحر، وجلنار، وعيد ميلاد نادية، وعندما سأل عن هواياته التي يحبها قال (إخراج الأوبرتات) أولا ثم الموسيقى ثم السباحة، وفي 22 نوفمبر 1950، تزوج محمد محمود شعبان من أول إذاعية مصرية وهي (صفية المهندس) وأنجبا ثلاثة أبناء، وفي عام 1956 كتب عنه الكاتب الصحفي (أحمد رجب) يقول: «إنه الرجل الأوحد الذي نبراته تتخذ طريقا إلى أذان الملايين من الأطفال إذا تكلم وينصتون إلى نصائحه، ويبكي الواحد منهم بحرقة إذا ما أعلن بابا شارو غضبه، وإنه الرجل الأوحد الذي يلجأ إليه الآباء والأمهات في كل مشكلات الطفولة، التي تحدث في البيت أو المدرسة».
في عام 1971 صدر قرار بتوليه رئاسة الإذاعة المصرية، واستمر رئيسا لها إلى عام 1976 كما عين أيضا رئيسا للتلفزيون مدة ستة أشهر، بداية من مايو 1971، فهو أول مصري وعربي يدرس التليفزيون في الولايات المتحدة الأمريكية ذلك عام 1956 وبعد انتهاء دراسته للإذاعة عين مدة عامين مستشارا لوزير الإعلام وبعد وصوله سن المعاش، أصبحت زوجته (صفية المهندس) رئيسا للإذاعة المصرية إلى سن التقاعد.
وقد اتجه بابا شارو إلى التدريس بإحدى الجامعات العربية وكانت جامعة الملك عبد العزيز بالسعودية ليساعد بعلمه وخبرته في تربية كوادر إذاعية على مستوى عال، وفي عام 1954 حصل على وسام الاستحقاق وشهادة تقدير من المركز الكاثوليكي لوسائل التعبير الاجتماعي عام 1980، وشهادة الجدارة من أكاديمية الفنون اعترافا بالعطاء الذي قدمه في الحياة الثقافية في مجال الإذاعة وجائزة العطاء الذهبية لأطفال مصر من المركز العربي للأفلام التسجيلية والقصيرة وشهادة تقدير من الإذاعة المصرية بمناسبة احتفالها بيوبيلها الذهبي عام 1984، باعتباره من روادها الأوائل، وفي عام 1985، قرر المجلس القومي للثقافة للطفل التاسع لوزارة الثقافة في مهرجانها الرابع لدورة الريادي في مجال ثقافة الطفل إتاحة الفرصة لعدد من الفنانين والفنانات الذين ساهموا في برامجه بشكل ملموس في سماء الفن ولجميع أجيال الإذاعيين اللامعين الذين عملوا معه وتتلمذوا عليه، هذه سيرة هذا الإعلامي الكبير محمد محمود شعبان (بابا شارو) حقا لقد كان إعلاميا قولا وفعلا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك