ليس ضروريا أن يكون هناك رئيس للجمهورية اللبنانية. منذ متى لم يكن هناك رئيس. يسمي اللبنانيون ضيف قصر بعبدا رئيسا غير أن من الصعب الحكم على ذلك الشخص فيما إذا كان رئيسا أو لم يكن. قائمة رؤساء لبنان طويلة. بينهم على سبيل المثال بشير الجميل الذي عُين في ظل الاحتلال الإسرائيلي عام 1982 وقُتل قبل أن يباشر وظيفته. وبينهم أيضا العميد ميشال عون الذي سبق له أن قاد حربه الشخصية استرسالا مع الحرب الأهلية وانتهى لاجئا في فرنسا إلى أن أعاده «حزب الله» رئيسا.
قد لا يتذكر اللبنانيون متى خرجوا من دوامة ميشال عون ليدخلوا في متاهة رئيس لا يزال مجهولا. فاللعبة البرلمانية غالبا ما تنتهي بالفشل. ولا أحد من اللبنانيين ينام على الرصيف القريب من مجلس النواب في انتظار الخبر السار.
يعرف اللبنانيون أن الملف سيكون جاهزا يوما ما وما على الرئيس الأزلي نبيه بري سوى أن يطلب من النواب رفع أيديهم التي تنتظر أن تُستعمل للتصفيق انتصارا للأمة التي يعرفون أنها تغط في النوم. فالخبر السعيد هو من أكثر الأخبار مدعاة للضجر والملل. الموضوع لا يتعلق برئيس حالي بل بكل رئيس سيجري اعتقاله في قصر بعبدا.
لم تعد مسألة الرئاسة عقدة يقضي اللبنانيون نهاراتهم ولياليهم في تفكيك ألغازها واكتشاف شفراتها. لم يكن عون هو الأسوأ بين الرؤساء غير أنه كان رمزا لهيمنة حزب الله على الدولة. فالرجل الذي شن حرب التحرير على الهيمنة السورية رضي أن يكون مندوبا للهيمنة الإيرانية من خلال قبوله بمنصب أراد «حزب الله» من خلاله أن يعلن قدرته على قهر الجميع.
كان وجود ميشال عون في قصر بعبدا درسا في اليأس تعلم منه اللبنانيون الكثير. لقد تعلموا ألا يُهزموا في الصغائر وهم يكابدون آثار هزيمتهم.
أما سياسيو لبنان فإنهم لا يلتفتون إلى ذلك الدرس. لو أنهم فعلوا لاعتزلوا عالم السياسة وذهب كل واحد منهم إلى بيته مكللا بهالة الوطنية. يوهم سياسيو لبنان أنفسهم بأنه لا يزال في إمكانهم أن يمارسوا لعبتهم من موقع المقتدر بعد أن نجوا حتى الآن من المساءلة في ما يتعلق بانفجار مرفأ بيروت وسرقة أموال المودعين في المصارف اللبنانية.
هناك أحزاب في لبنان يعتقد زعماؤها أنهم من خلال مناورات الخروج بحل مقبول من متاهة رئاسة الجمهورية سيمكنون لبنان من الخروج من الزجاجة التي استقر في قاعها. لا أحد يفكر في الخروج من عنق الزجاجة. الكل يعرف أن لبنان ليس دولة فاشلة وليست مفلسة فقط، بل وأيضا دولة غرقت وليس هناك من أمل كبير حاليا في إنقاذها.
بغض النظر عن شخصية الرئيس فإنه لا يصلح أن يكون قائدا لمركب غريق تسربت المياه إليه عبر ثقوب لم يحفرها «حزب الله» وحده. ما يحدث هو استحقاق تاريخي آلت إليه الأوضاع التي بدأت قبل الحرب الأهلية عام 1975 ولم تعالج إلا بطريقة غلب عليها الترقيع من خلال المسكنات والمهدئات التي لم تمنع الانهيار الذي حدث يوم قررت المقاومة عام 2000 أن تتحول إلى مليشيا مسلحة برعاية إيرانية وأن يكون قرار الحرب بيدها وهو ما حصل عام 2006. لم يكن في إمكانية رئيس الجمهورية اللبنانية أن يمنع وقوع تلك الحرب، بل إنه لم يكن يعلم بها قبل وقوعها.
يفكر بعض اللبنانيين في تسجيل هدف في مرمى «حزب الله» من خلال اختيار رئيس لا يميل إليه الحزب. فكرة فيها الكثير من الفكاهة. فذلك الرئيس لن يكون في مكانه إلا لأسباب كيدية وهو سيكون عاجزا عن القيام بأي شيء يتعارض مع الهيمنة الإيرانية من خلال وكيلها الرسمي الذي هو «حزب الله» بعد أن أصبح انهيار الدولة واقعا.
كان هناك مَن يطالب بنزع سلاح «حزب الله» وهو مطلب وطني خالص. غير أن أحدا اليوم لا يتوقع ألا يكون رئيس لبنان دمية بيد «حزب الله» كما كان حال الرئيس عون.
عاش لبنان سلسلة مدمرة من الانهيارات، لم يعد في إمكانه بسببها أن يرى قيمة لمنصب رئيس جمهوريته، لا على مستوى دستوري داخلي ولا على مستوى رمزي خارجي.
فالخراب الذي ضرب كل مفاصل الحياة سلب الكثير من المفاهيم قوة تأثيرها في الحياة.
هل أصبح اللبنانيون يائسين من لبنانهم؟
{ كاتب عراقي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك