منذ نشأة المنبر الديني في تاريخنا الإسلامي الحنيف كان الهدف منه هو الدعوة إلى دين الله سبحانه وتعالى وتوجيه المؤمنين نحو التعريف بدينهم وقيمه الفاضلة وإرشاد الناس وتوجيههم إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم.
وعندما أنشئت دور العبادة في تاريخنا الإسلامي كانت تحمل بالدرجة الأولى رسالة الدين وممارسة العبادات ولتكون مكانا لالتقاء المسلمين وتعاضدهم وتعاونهم من أجل الرفع من شأن الإسلام والمسلمين، وهذا أمر معلوم في جميع البلاد الإسلامية وكذلك في البلاد غير الإسلامية التي فيها مساجد والتي رسالتها حصريا رسالة دينية صرفة رسالة محبة وأخوة وتسامح وعيش مشترك.
إلا أنه وخلال السنوات الماضية نمت وتطورت ممارسات خارجة عن منطق الدين الحنيف وخارجة عما درج المسلمون على فعله في دور العبادة، حيث سعى بعض المسيسين إلى استغلال المنبر الديني ودور العبادة إلى بث خطاب سياسي وطائفي في كثير من الأحيان ما كان له نتائج سلبية على دور المنبر والمسجد ونتائج سلبية على المؤمنين لما يؤدي إليه الخطاب السياسي والطائفي من فرقة واختلاف وتنازع وصراع.
وهذا الاستغلال المتصاعد عندنا خلال الفترة الأخيرة هو خطوة سلبية في حياتنا لأنه يسهل تحشيد الناس وتحريضهم سياسيا وطائفيا باسم الدين الحنيف الذي هو بريء منها جميعا وقد عانينا من هذا الأمر سنوات طويلة خاصة خلال الأزمات حيث يقفز البعض إلى المنبر الديني ليتحول إلى خطب سياسية بدلا من أداء خطبة ممنهجة في الوعظ والإرشاد والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
والخطير في هذا الأمر أنه يعكس انقلابا حقيقيا على دور المسجد ودور المنبر الديني حيث إن المساجد التي هي لله وحده ويصبح المنبر الديني الذي هو في خدمة الدين الحنيف مجرد فضاء للاستغلال السياسي وهذا طبعا عشناه ورأينا آثاره الكارثية على مجتمعاتنا العربية والإسلامية على حد سواء ولا يجب أن يتكرر هذا الأمر لأنه في الغالب يقود إلى تعزيز الفرقة والخلاف بين أبناء الدين الواحد والوطن الواحد لذا فإنه يتوجب علينا أن نذكر ثلاث نقاط مهمة لمحاصرة هذا التوجه لما يحمله من أخطار على وحدة مجتمعاتنا:
أولا: تعزيز مدنية الدولة في الثقافة والإعلام والتربية والأسرة بحيث ينظر إلى الناس جميعا باعتبارهم مواطنين متساويين في الحقوق والواجبات لا فرق بين دين وآخر أو بين مذهب وآخر أو بين عرق وآخر وهذا في الحقيقة مكرس في القوانين وفي الإدارة في مملكة البحرين والحمد لله فالنظر إلى الإنسان باعتباره إنسانا مواطنا فقط مع حرية اعتقاده ودينه وفكره.
ثانيا: ضرورة ترسيخ مبدأ الفصل بين الدين والدولة بحيث يكون ما لله لله وما لقيصر لقيصر كما يقول المثل فالدين مجاله واسع يرتبط بالإيمان والقيم والعبادات والوعظ والإرشاد والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى بأسلوب حضاري بعيدا عن العنف والصراع والتحريض. والسياسة لها مجالها وممارساتها حيث توجد جمعيات وأحزاب تمثل الاتجاهات والأفكار السياسية المختلفة من يسار ويمين ووسط فمن أراد أن يمارس السياسة فعليه أن ينضم إلى أحد هذه الجمعيات التي تناسب أفكاره وتوجهاته واعتقاداته السياسية، ومن يرد أن يتعلم عن دينه وأوامره ونواهيه فإن دور العبادة بمختلف أنواعها وأشكالها هي المكان المناسب لذلك.
ثالثا: التشديد التشريعي الذي يجعل استغلال المنبر الديني للتحريض وبث الأفكار السياسية والطائفية التي تقسم المجتمع جريمة يعاقب عليها القانون حيث لا يجوز ترك الباب مفتوحا أمام الذين يمارسون السياسة من فوق المنبر الديني الذي خصص بالأساس للدعوة لله وحده والتأليف بين قلوب المسلمين وتعليمهم أسس دينهم وقيم الإسلام العظيم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك