تحدثنا في الأسبوع الماضي عن ندوة ضريبة الشركات في مجلس الدكتور محمد الكويتي، وانتهى المقال بأن تأثير هذه الضريبة المباشر على المواطن سوف يكون محدودا جدا، بل يستفيد من تحسين الخدمات وإمكانية رفع مستوى المعيشة بالنسبة إلى محدودي الدخل. يهتم النواب والشوريون والجمعيات السياسية والمثقفون بمختلف توجهاتهم والمجتمع بالمحافظة على مستوى معيشة المواطن.
وهذا الاهتمام مرتبط بالمحافظة على حد أدنى من الدخل يحقق حياة كريمة للمواطن. يرى المحاضران أن أي تراجع في مستوى المعيشة يقود إلى قلق المواطن، كما أن رفع مستوى المعيشة لا يتحقق إلا من خلال رفع دخل المواطن وتحسين المعاشات التقاعدية، لذلك فإن هذه الضرائب وغيرها من التي تؤخذ من الطبقات الأقوى في المجتمع هي أداة سياسية فعالة للحفاظ على المستوى المعيشي والاستقرار الاجتماعي وهو ما يتفق عليها السلطات والمجتمع.
أكد المتداخلين أهمية التوقيت لهذه الضريبة، والحاجة إلى دراسة متأنية لتلافي أي تأثيرات سلبية. يقول أحد المتداخلين إن التغييرات التي تحدث في الهيكل المالي للسلطة مثل القيمة المضافة والآن ضريبة الشركات تفرضها المتغيرات. بينما ينادي المختصون والمهتمون بأن تنبع هذه التغيرات، بما فيها الضرائب، من خلال الاحتياجات الذاتية وطبيعة الهيكل المالي البحريني وليس استجابة لاحتياجات أخرى، فالضريبة على أرباح الشركات غير محصنة من التهرب الضريبي مما يصعب إدارتها. ويرى أن يكون النظام الضريبي يتناسب والوضع الاقتصادي والمالي ويلبي احتياجاتنا، لذلك فإن ضريبة مجمل الدخل أسهل في التطبيق والمراقبة إداريا من ضريبة الأرباح، وخصوصا إذا كانت قليلة (1%) يصعب أن ينتج عنها تهرب بطرق محاسبية أو تنظيمية. في هذه الحالة قد تصل العائدات وفق أحد المتداخلين إلى 1.5 مليار دينار.
يرى المتداخلون ألا ينظر إلى الضرائب بمعزل عن السياسة الضريبية التي تعكس السياسة الاجتماعية الاقتصادية بما يتناسب مع المنظور الاقتصادي الاجتماعي لقضية التنمية بحيث تخدم التنمية المستدامة من جهة والاستقرار الاجتماعي من جهة أخرى.
كانت الضرائب في المنطقة شديدة الحساسية، وبحكم طبيعة الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية لم تكن الضرائب محبذة أو محبوبة من قبل المسؤولين ومن الناس ومن الشركات، ولم يتشجع أحد على تبني طرحها كأداة لتمويل الدولة، بل رأى المسؤولون حينها أن كلفة جبايتها وإدارتها أعلى من إيراداتها. الآن وقد أصبحت الضرائب واقعا، فإنه من الضروري تقوية جانب التخطيط في إدارة الاقتصاد والتنمية بشكل عام. وهذا قد يتطلب إنشاء جهاز تخطيط على مستوى وزارة المالية أو مجلس التنمية الاقتصادي يحدد توجه الاقتصاد بشكل أكثر شمولية وعمق ووضع معالجات لمستوى المعيشة والنمو الاقتصادي.
الضرائب نوعان، نوع يفرض على الجانب الاستهلاكي ومنها ضريبة القيمة المضافة وضريبة الاستهلاك ونوع يفرض على الجانب الإنتاجي ومنها ضريبة الشركات وهي الأفضل بين النوعين. هذا يعني أن الشركات المنتجة هي التي تدفع ضرائب على عائداتها من الإنتاج وتغذي الميزانية العامة لكي تتحقق العلاقة بين الميزانية العامة والنشاط الاقتصادي بذلك تستفيد الميزانية من مساهمة الاستثمارات (الإنتاجية) الأجنبية ونمو الشركات المحلية. أما الضرائب الاستهلاكية فما هي إلا إعادة تدوير ما سبق أن وزعته الدولة في صيغة رواتب وأجور ودعم اجتماعي.
أيا كانت الضرائب، ينبغي أن تكون بنسب متدرجة تصاعديا لتحقيق العدالة بين الشركات، ذلك أن الشركات الكبيرة ذات الدخل المرتفع قادرة أن تسهم بنسبة أكبر من الشركات الصغيرة.
وفي هذا السياق نوه المتداخلون إلى الحاجة إلى إعادة النظر في نظام الدعم وضرورة توجيهه إلى مستحقيه، فليس من العدل أن يشمل الجميع، هناك فئات ميسورة لا تحتاج مثلا إلى دعم الكهرباء ودعم الغذاء وغيره من أوجه الدعم.
يختتم المتداخلون مناقشتهم ببيان أسس الضريبة السليمة: أولها أن تكون واسعة تشمل قطاعا واسعا من الشركات ولا تركز على قطاع دون آخر؛ وأن تكون هامشية بحيث لا تؤثر على القوة الشرائية ولا تُحدث خللا في ميزان العرض والطلب؛ أن تكون مناسبة ونابعة من متطلبات الهيكل الاقتصادي المحلي والسياسة الاجتماعية الاقتصادية. كذلك ينبغي أن تضع في الاعتبار مستوى وطبيعة التدفقات المالية في البلد. فالمضاربات المالية قادرة على سرعة الانتقال وخروجها من المنطقة وتنتقل من وإلى الاقتصاد، على عكس الاستثمارات الإنتاجية الصناعية التي تسهم في الاقتصاد ويصعب نقلها بنفس السرعة.
من ناحية أخرى، فإن المؤسسات المالية عادة ما توزع معظم أرباحها، مما يقلل نسبة الاستثمارات والتوسع لمصلحة الاقتصاد المحلي. لذلك فإن السؤال الذي طرحه المنتدون يتعلق بالتوقيت: هل التوقيت مناسب لفرض مثل هذه الضريبة؟ وماذا عن تأثير معدل النمو السكاني مقارنة بالنمو الاقتصادي على مستوى المعيشة؟
يشير أحد المتداخلين إلى أن هذه قضايا تتطلب دراسة متأنية وتقييما ووضع السيناريوهات لمعرفة تأثير الضريبة على الأداء الاقتصادي من حيث توافر السيولة ومن حيث تأثيرها على المواطن. ويرى المتداخلون أن الضريبة الاكثر ملاءمة والتي لها تأثير أقل على الاقتصاد والقوى المحركة له هي ضريبة على فوائد الإيداعات وضريبة على أرباح العوائد الرأسمالية، وضريبة الثروة، وضريبة على العقار والأراضي البيضاء. مثل هذه الضرائب أقل تأثيرا على السوق وتدعم تصحيح التدفقات النقدية.
يخلص المتداخلون إلى أن فرض ضرائب في حد ذاته مطلوب، ولكن كذلك مطلوب التأني والدراسة المعمقة والشاملة، واتخاذ الإجراءات الداعمة مثل التخطيط والحوار، وهذا ما وعدت به هيئات الدولة. ويتساءل المنتدون متى ستنتهي الدراسة ويبدأ التطبيق. والسؤال الآخر الذي لم يتطرق إليه المنتدون: ما الإجراءات والإصلاحات المطلوب وضعها لتقوية أسس الحوكمة وتدفق المعلومات لإدارة نظام ضريبي بهذه الشمولية والحجم؟
drmekuwaiti@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك