في خضم الاستعدادات التي تشهدها الولايات المتحدة الأمريكية لإجراء انتخابات وطنية رئاسية حاسمة عام 2024، تم تكليف المعهد العربي الأمريكي بإجراء استطلاع للرأي، على غرار ما كان يحدث دائما على مدار الثلاثين عامًا الماضية، لفهم أفضل لكيفية تصويت الأمريكيين العرب في العام المقبل وما الذي سيتحكم في أصواتهم ويحدد طريقة تصويتهم.
ونظرًا إلى أن مجتمع العرب الأمريكيين يمتلك قوة كبيرة في عديد من الولايات الرئيسية التي تمثل ساحة معركة انتخابية بامتياز، فإن كيفية تصويتهم والقضايا التي تهمهم تعد اعتبارات مهمة وذات أولوية.
لقد أظهرت النتائج التي تمخض عنها الاستطلاع أن الأمريكيين العرب يؤيدون السياسات الليبرالية أكثر من تأييدهم للسياسات المحافظة، وبينما يفقد كلا الحزبين الدعم بين الأمريكيين من أصل عربي، فإنه يبدو أن غالبيتهم ستفضل التصويت للديمقراطيين على الجمهوريين عند اختيار الرئيس وأعضاء الكونجرس في الانتخابات القادمة.
قد تمثل هذه النتائج التي أفرزها استطلاع الرأي السياسة الأساسية لهذه الدراسة الأمريكية العربية الجديدة، فإن هذه المعطيات تظهر أيضًا أنه على الرغم من تعقيد المجتمع العربي الأمريكي وتنوعه، فإن هناك قواسم مشتركة توحدهم.
يتشارك العرب الأمريكيون المواقف من خلال التجمعات السكانية الرئيسية في مناطق متعددة عبر الولايات المتحدة الأمريكية. على سبيل المثال، على الرغم من أن غالبية الذين شملهم استطلاع الرأي قد ذكروا أنهم تعرضوا للتمييز بسبب تراثهم - وهذا صحيح بالنسبة إلى جميع المجموعات الفرعية من الأمريكيين العرب - فإن أربعة من كل خمسة من العرب الأمريكيين يعبرون عن فخرهم العميق بجذورهم العرقية وتراثهم. وعلى الرغم من أهمية انتماءاتهم الدينية ودولهم الأصلية، فإن الغالبية تعرف نفسها على أنها «جالية عربية أمريكية».
واستمرارًا لهذا الاتجاه الذي تمت ملاحظته منذ أن كان رد فعل العرب الأمريكيين سلبًا على السياسات الأمريكية التي انتهجتها إدارة جورج بوش الابن ما بعد 11 سبتمبر 2001، فإن النسبة المئوية لأفراد المجتمع الذين يعتبرون ديمقراطيين تقارب ضعف النسبة المئوية الذين يعتبرون جمهوريين (40% -24%).
لعل أكبر التغييرات التي تجلت من خلال النتائج التي أفرزها استطلاع هذا العام يتمثل في انخفاض نسبة الديمقراطيين من نطاق 50% في سنوات إدارة باراك أوباما والنمو المطرد للمستقلين، من 15% في 2014 إلى 28% هذا العام.
يمكن الوقوف على مزيد من الأدلة على هذا التحول في الانتماء الحزبي في ما يقرب من أربعة من كل خمسة من الأمريكيين العرب الذين أعربوا عن قلقهم من الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية اليوم، حيث يلقي نصفهم تقريبًا باللوم على كلا الطرفين في هذه المشكلة.
وفي حين أن الأمريكيين العرب يمنحون الرئيس جوزيف بايدن نسبة قبول منخفضة تصل إلى 31%، فإن 47% من الأمريكيين العرب الذين لديهم وجهة نظر إيجابية عن بايدن أعلى بكثير من 36% مع وجهة نظر إيجابية عن الرئيس السابق دونالد ترامب.
وعلى الرغم من قلقهم من الاستقطاب الحزبي، فإن العرب الأمريكيين يعتبرون بهامش 53% إلى 30%، إنهم يفضلون سيطرة الديمقراطيين على الكونجرس.
وعندما يتعلق الأمر بالقضايا المحلية، فإن العرب الأمريكيين، وعلى غرار معظم الجماعات العرقية الأمريكية الأخرى، يظهرون مزيجًا من الاهتمامات السياسية التي تتراوح ما بين الليبرالية والوسطية.
تمثل أعمال العنف المسلح المستشرية في المجتمع الأمريكي القضية الوحيدة الأكثر أهمية، تليها عدة قضايا أخرى نذكر منها على سبيل المثال معالجة عجز الميزانية والإنفاق الحكومي، وخلق فرص العمل وتنمية الاقتصاد، والمخاوف المتعلقة بالبيئة وتغير المناخ، فضلا عن مسألة تحسين الرعاية الصحية ومعالجة العلاقات العرقية وحماية الضمان الاجتماعي وتوفير الرعاية الطبية.
أما مخاوفهم الثلاثة الرئيسية التي تتعلق بالسياسة الخارجية، والتي استأثرت باهتمام أكثر من ثلاثة أرباع المشاركين في هذا الاستطلاع من العرب الأمريكيين فهي تشمل الأزمة في لبنان، والاحتياجات الإنسانية للشعب السوري، وتأمين العدالة للفلسطينيين.
طرح سؤالان اثنان على العرب الأمريكيين بخصوص مواقفهم من تقييد حرية التعبير. وعندما سئلوا عن مدى قلقهم من «قوانين الدولة أو الأوامر التنفيذية التي تعاقب الأفراد أو الجماعات أو الشركات على الانخراط في أنشطة تقاطع إسرائيل»، فقد قال أكثر من أربعة من كل خمسة إن مثل هذه الإجراءات تمثل مدعاة للقلق.
كما أن ثلاثة أرباع من شملهم سبر الآراء من العرب الأمريكيين مهتمون أيضًا بالجهود التي تبذلها مجالس المدارس التي تسعى إلى حظر الكتب التي تحتوي على تاريخ السود على سبيل المثال.
إن التمعن في تحليل مواقف العرب الأمريكيين يجعلنا ندرك أن هناك «مجتمعا عربيا أمريكيا» يعد إلى حد كبير بسبب تجاربه الخاصة في العقود الأخيرة أكثر ليبرالية وتسامحًا من عموم السكان الأمريكيين، كما أنهم يعتبرون في الوقت متوازنين ويعارضون وجهات النظر المتطرفة التي تقسم البلاد في الوقت الراهن.
من الأهمية بمكان أن هذه المواقف متسقة إلى حد كبير عبر عديد من المجموعات الديموغرافية المتنوعة التي تشكل المجتمع الأمريكي العربي والتي تشمل على وجه الخصوص عوامل العمر والجنس والانتماء الديني والمهاجر / المولود الأصلي والبلد الأصلي.
هذه الآراء والقيم وخبرات الحياة المشتركة هي السمات المميزة التي تحدد المجتمع وتجعله يتبوأ مكانته ضمن التيار الرئيسي للسياسة الأمريكية.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك