اهتمام ملحوظ بمجالي إدارة الأزمات والكوارث شهدته بعض دول الخليج العربي خلال مايو 2023 وهو ما عكسه مؤشران الأول: مشاركة مملكة البحرين يومي 18 و19 مايو في اجتماع الأمم المتحدة رفيع المستوى لاستعراض منتصف المدة لتنفيذ إطار سينداي للحد من مخاطر الكوارث 2015-2030، والثاني: استضافة العاصمة الإماراتية أبوظبي قمة الطوارئ والأزمات خلال يومي 8و9 مايو والتي شهدت مشاركة ممثلي 11 دولة من أصحاب التجارب العملية والأكاديميين المختصين في إدارة الأزمات والكوارث وتضمنت جلسات متنوعة وثرية.
الحدثان مؤشران مهمان على زيادة اهتمام دول الخليج العربي بمجالي إدارة الأزمات والكوارث وهو المجال الذي تخصص فيه كاتب المقال سنوات عديدة من خلال تقديم العديد من المحاضرات والدورات وورش العمل، لن أكرر ما أشرت إليه في مقالات سابقة حول الموضوع ولكن دول الخليج العربي في حاجة إلى تطوير استراتيجيات متكاملة للتعامل مع مخاطر الأزمات والكوارث وهذا هو جل المقال.
دول الخليج العربي كغيرها من الدول العربية حديثة العهد بالاهتمام بموضوع الأزمات والكوارث على الرغم من أن هناك العديد من الأزمات التي كانت تستدعي صياغة خطط استراتيجية للتعامل مع الأزمات والكوارث ومنها الغزو العراقي لدولة الكويت عام 1990 والذي كان تحولاً مهماً ليس فقط بسبب طبيعة الأزمة بل لما سببيته من كارثة تلوث بحري غير مسبوقة، أي إنها أزمة حملت في طياتها كوارث في الوقت ذاته، فضلاً عن انفجار مرفأ بيروت عام 2020 والذي آثار الجدل في عديد من الدول بشأن أماكن تخزين المواد شديدة الانفجار وغيرها من التداعيات التي رتبتها الأزمات المزمنة ضمن المحيط الإقليمي لدول الخليج العربي ليس أقلها الأزمة في السودان وما فرضته من تحديات من بينها إجلاء الرعايا الأجانب من خلال القوات البحرية السعودية.
تلك الأحداث جميعها وغيرها تعني أمراً مفاده أن دول الخليج العربي على الرغم من مؤشرات اهتمامها بمجال إدارة الأزمات والكوارث فإن تلك الجهود بحاجة إلى مزيد من التطوير والتكامل بين تلك الدول في ظل زيادة وتيرة تلك الأزمات وتداعياتها، ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال خمسة أطر أساسية الأول: تطوير مركز إدارة حالات الطوارئ بمجلس التعاون ليشمل الأزمات بل إنه يمكن أن يكون داخل ذلك المركز قطاعات ومنها الكوارث البحرية وذات الصلة بالبيئة وكذلك الأزمات الأمنية مثل تهديد الملاحة البحرية وغيرها من المجالات الأخرى مثل الأعمال الإرهابية والجوانب الاجتماعية مثل الشائعات وجميعها مجالات تحتاج إلى عمل خليجي جماعي وعدم الاقتصار على مسألة الطوارئ، والثاني: الجانب الأكاديمي، بأن يكون منهج إدارة الأزمات والكوارث مقرراً رئيسياً في كل الكليات الدفاعية والأمنية في دول الخليج العربي من خلال التنسيق بين تلك المؤسسات، ويمكن أن تلعب الأكاديمية الخليجية للدراسات الاستراتيجية والأمنية دوراً مهماً في هذا الشأن لتكون مظلة للتنسيق بين دول الخليج العربي في مجال إدارة الأزمات والكوارث، واستحداث مقرر دراسي في تلك الكليات حول تاريخ الأزمات التي شهدتها المنطقة حيث يلاحظ أن عديدا من الدراسات التي تصدر حول الأزمات تكرار للمضامين ذاتها من حيث التعريف بالأزمات وتصنيفها من منظور نظري ولكن من دون الحديث بشكل كاف عن الأزمات وما بها من دروس مستفادة نظراً إلى تشابه الأحداث وإمكانية تكرارها مجدداً ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر إثارة الجدل خلال عامي 2019 و2020 في أعقاب الاعتداءات على ناقلات النفط الخليجية بأن منطقة الخليج العربي ربما تشهد حرب ناقلات جديدة على غرار التي شهدتها خلال حقبة الثمانينيات إبان الحرب العراقية- الإيرانية، والثالث: زيادة الوعي المجتمعي بالتوازي مع الجهود الرسمية، بمعنى آخر أن موضوع إدارة الأزمات والكوارث لا يعني الجهات الرسمية فحسب، صحيح أنها تضطلع بالدور الأساسي وخاصة إذا كانت الأزمة أو الكارثة تتطلب تدخل القوات المسلحة أو الأمنية على غرار ما تشهده بعض الدول من كوارث هائلة مثل الفيضانات أو السيول ولكن يبقى الوعي المجتمعي وترسيخ ثقافة التعامل مع الأزمات مهماً ومن ذلك تدريب طلاب المدارس ومنتسبي المؤسسات والشركات والقطاعات الحيوية على التعامل مع حوادث طارئة وتحديث برامج التدريب ذات الصلة بحيث تكون بشكل دوري خلال العام، والرابع: حفز الاهتمام الأكاديمي عموماً بموضوع الأزمات والكوارث، حيث يلاحظ أن كل دول الخليج العربي بها جوائز للبحث العلمي تقدم من جهات حكومية وخاصة، ومع الأخذ بالاعتبار أن مجالات الجوائز تشهد تغيراً وفقاً لرؤية القائمين عليها إلا أنه يجب أن يكون للأزمات والكوارث أولوية ثابتة ضمن مجالات تلك الجوائز لسبب بسيط مؤداه أن الأزمات والكوارث أضحت مجالاً عابراً لكل القطاعات، صحيح أنه ليس بالإمكان منع الأزمة أو الكارثة إلا أن وجود درجة من الوعي المجتمعي والمؤسسي بكيفية التعامل معها يحد من آثارها ويمكن استثمار التجارب الناجحة في التعامل مع جائحة كورونا وهي الأزمة الكارثية التي طالت كل قطاعات المجتمع وتطلبت توظيف كل مجالات آليات الأزمات في وقت متزامن على الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية بل والبيئية، والخامس: الاهتمام بتمرينات المحاكاة بشأن الأزمات والكوارث وهي التي توليها الكليات الدفاعية والأمنية المرموقة في العالم أهمية بالغة من خلال تخصيص برامج دراسية ونماذج عملية حول تلك البرامج لأنها تحاكي الواقع الخاص بكل دولة وظروفها وتتمثل الأهمية الاستراتيجية لتلك البرامج في أنها تحدد المخاطر والموارد المتاحة لدى الدولة وبالتالي تحديد الفجوات والعمل عليها بما يعني وجود سيناريوهات مسبقة لدى الدول للتعامل مع الأزمات والكوارث، وليس مستغرباً أن نجد مشروعات بحثية لدى مراكز الدراسات الغربية بشأن عرقلة الملاحة في مضيق هرمز مستقبلاً أو شن هجوم كيماوي من جانب مجموعات إرهابية وغيرها من القضايا التي تمس الأمن القومي للدول وتحتاج لإجراءات احترازية، بل إن الأمر اللافت في الأزمة السودانية هو مسألة حرب المدن وهي التي كانت مثار اهتمام حلف شمال الأطلسي «الناتو» على سبيل المثال الذي بلور خططاً للتعامل مع حروب المدن بالاستفادة من الأحداث التي شهدتها المدن العراقية في السنوات التي تلت الغزو الأمريكي عام 2003، وأخيراً أهمية تطوير قدرات منتسبي القوات العسكرية والأمنية في ذلك المجال من خلال المشاركة في الدورات التدريبية المتخصصة التي تعقدها الكليات الدفاعية في العالم نظراً إلى ما تحتويه تلك الدورات من نماذج للتفكير الاستراتيجي بشكل متكامل.
ومجمل ما سبق أنه مع أهمية جهود دول الخليج العربي في مجالي إدارة الأزمات والكوارث فإن ثمة حاجة إلى تكون أكثر تكاملا وشمولا.
{ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز «دراسات»
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك