على الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال داعمًا قويا لإسرائيل، إلا أن هناك بعض المؤشرات على أن «العلاقة غير القابلة للكسر» المفترضة مع تل أبيب تتعثر، على الرغم من أنها تتجلى على مستوى اللغة أكثر مما تتجلى على مستوى الأعمال.
في أعقاب «مسيرة الأعلام» الاستفزازية في 18 مايو 2023، والتي ينفذها متطرفون يهود إسرائيليون سنويا في مدينة القدس الشرقية الفلسطينية المحتلة، انضمت الولايات المتحدة الأمريكية إلى دول أخرى حول العالم في إدانة العنصرية التي ظهرت في هذا الحدث.
كانت اللغة المستخدمة من قبل وزارة الخارجية الأمريكية حازمة، لكنها أيضًا محسوبة. كذلك لم يدن المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميللر المسيرة العنصرية والاستفزازية – التي شارك فيها مسؤولون إسرائيليون بارزون – ولكن اللغة المستخدمة من قبل الحشود الكبيرة، ومعظمهم من المؤيدين الأقوياء لحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة.
«تعترض الولايات المتحدة الأمريكية بشكل قاطع على اللغة العنصرية بأي شكل من الأشكال»، ذلك ما قاله، مضيفا قوله على موقع تويتر قائلا: «ندين الهتافات البغيضة مثل الموت للعرب خلال مسيرات اليوم في القدس».
تم التعبير عن موقف الولايات المتحدة الأمريكية بعناية بحيث لا يظهر على أنه إدانة لإسرائيل نفسها، ولا يزال موقف الولايات المتحدة الأمريكية أكثر «توازنًا» من المواقف السابقة، حيث كان الفلسطينيون غالبًا هم المرتبطون باستخدام الولايات المتحدة الأمريكية لكلمات مثل «الإدانة» و«التحريض» وما إلى ذلك.
من ناحية أخرى، خلال الحرب الإسرائيلية الدامية التي استمرت خمسة أيام على قطاع غزة، والتي بدأت في 9 مايو 2023، لجأت سلطات واشنطن إلى نفس السيناريو القديم، وهو أن «لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها»، وبالتالي تحريف الأحداث التي أدت إلى الحرب في المقام الأول.
هذا الموقف الأمريكي من حرب إسرائيل على غزة يوحي بأن نتنياهو هو «المدافع» عن إسرائيل ضد العنف والإرهاب الفلسطيني المفترض، لكن هذا المدافع المزعوم عن الحقوق الإسرائيلية لم تتم دعوته بعد إلى البيت الأبيض الأمريكي بعد خمسة أشهر من عودته إلى السلطة على رأس أكثر حكومة يمينية في إسرائيل في التاريخ.
يريد البعض الاعتقاد بأن قرار إدارة جو بايدن بالابتعاد عن نتنياهو كان قرارًا ينم عن روح الإيثار تمامًا. لكن هذا لا يمكن أن يكون هو الحال، حيث تستمر الولايات المتحدة الأمريكية في دعم إسرائيل عسكريًا وماليًا وسياسيًا وبكل الطرق الأخرى.
تكمن الإجابة في الحقيقة في سوء تقدير نتنياهو الكبير للماضي، عندما تجاوز خطاً خطيراً، من خلال الانقلاب على الحزب الديمقراطي وتحالف بلاده بالكامل مع الجمهوريين. أثمرت تلك السياسة التكتيكية خلال فترة حكم الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، لكنها جاءت بنتائج عكسية عندما غادر ترامب البيت الأبيض.
لا شك أن جو بايدن مؤيد لإسرائيل. ووفقًا لتصريحاته المتكررة، فإن دعمه لإسرائيل ليس سياسيا فحسب، بل وأيديولوجيًا أيضًا. «أنا صهيوني. لا يجب أن تكون يهوديًا لكي تكون صهيونيا»، كرر جو بايدن ذلك وبكل فخر في عديد من المناسبات.
لكن الرئيس الأمريكي جو بايدن أيضًا مناهض لنتنياهو، وهي كراهية سبقت علاقة الحب بين ترامب ونتنياهو. يعود ذلك في الغالب إلى فترتي ولاية الرئيس الأسبق باراك أوباما عندما كان بايدن نائب للرئيس.
تعلم جو بايدن خلال تلك الفترة التي أمضاها كنائب للرئيس من خلال خدع رئيس الوزراء الإسرائيلي السياسية وهجماته التي لا هوادة فيها على إدارة أوباما في ذلك الوقت أن بنيامين نتنياهو ببساطة لا يمكن الوثوق به.
ومع ذلك، لا يمكن لجو بايدن، الذي يتمتع بمعدلات منخفضة تاريخيًا بين الأمريكيين العاديين من حيث الشعبية، أن يتحدى بمفرده بنيامين نتنياهو ومعقل إسرائيل في العاصمة واشنطن من خلال لوبيها المؤثر (إيباك).
هناك أمر آخر ينعين التنويه إليه وهو يتعلق بالحزب الديمقراطي الذي حول ولاءاته من إسرائيل إلى فلسطين. كان هذا التأكيد غير وارد في الماضي، لكن التغيير الذي يحدث اليوم حقيقي، أكدته مرارًا وتكرارًا شركات استطلاعات الرأي الموثوقة وكان آخرها في مارس الماضي.
لقد خلص الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة جالوب إلى أنه «بعد عقد أظهر فيه الديمقراطيون تقاربًا متزايدًا تجاه الفلسطينيين، فإن تعاطفهم... الآن أكثر مع الفلسطينيين من الإسرائيليين، 49% مقابل 38%».
وفي الحقيقة فإن مثل هذا «التقارب» المتزايد مع فلسطين بدأت تظهر ملامحه منذ عقد على الأقل وهو يشير إلى أن موقف الديمقراطيين كان يتعلق بجيل بحاله وهو ليس ناتجا بالتالي عن حدث واحد غير مجرى الأمور.
في الواقع، تعمل عديد من المنظمات وعدد لا يحصى من الأفراد يوميًا لإنشاء رابط بين «التقارب» والسياسة. وفي خضم هذا التعاطف المتزايد مع فلسطين، فقد أعادت النائبة بيتي ماكولوم، المدافعة منذ فترة طويلة عن حقوق الفلسطينيين في الكونغرس الأمريكي، تقديم مشروع قانون «الدفاع عن حقوق الإنسان للأطفال والأسر الفلسطينيين الذين يعيشون في ظل الاحتلال العسكري الإسرائيلي».
ويطالب التشريع، الذي يحظى بدعم 16 عضوًا آخر في الكونغرس، بضرورة منع إسرائيل من استخدام «أموال دافعي الضرائب الأمريكيين في الضفة الغربية المحتلة للاحتجاز العسكري أو إساءة معاملة الأطفال الفلسطينيين».
قبل ذلك بعامين، ذكرت صحيفة إنترسيبت أن النائبة المذكورة بيتي ماكولوم وأنصارها كانوا يدفعون بهدف منع المساعدات الأمريكية لإسرائيل من «دعم مجموعة واسعة من تكتيكات الاحتلال الإسرائيلي».
كتب أليكس كين قائلا إن الأمر هو «مؤشر على المدى الذي وصل إليه الجدل حول المساعدة الأمريكية لإسرائيل في السنوات الست الماضية»، في إشارة إلى عام 2015، عندما قدمت بيتي ماكولوم التشريع الأول في هذا الشأن.
منذ ذلك الحين، تقدمت الأمور إلى الأمام بسرعة أكبر، حيث وصلت الجهود الرسمية إلى محاسبة إسرائيل الآن إلى مجلس ولاية نيويورك. في يوم 16 مايو، ذكرت صحيفة نيويورك بوست أن العديد من المشرعين الديمقراطيين قدموا تشريعات تهدف إلى منع الجمعيات الخيرية الأمريكية المسجلة من تحويل الأموال لتمويل المستوطنات اليهودية الإسرائيلية غير القانونية.
تدفعنا عدة أسباب للاعتقاد بأن التحول في سياسة الولايات المتحدة تجاه فلسطين وإسرائيل، على الرغم من بطئه وصعوبته ورمزيته في بعض الأحيان إلا أنه سيستمر على الأرجح وقد يكتسب المزيد من الزخم، خاصة وأن إسرائيل تنزلق نحو القومية اليمينية المتطرفة، والتي يصعب بشكل متزايد الدفاع عنها من قبل الحكومة الليبرالية ووسائل الإعلام الأمريكية.
لا ننسى أيضا صمود الفلسطينيين وقدرتهم على التغلب على قيود وسائل الإعلام الرئيسية والرقابة التي منعتهم من الحصول على أي تغطية عادلة للأحداث والتطورات، دون أن ننسى تفاني العديد من منظمات المجتمع المدني واتساع شبكة الدعم للفلسطينيين في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، ما سمح للمشرعين الشجعان بالضغط من أجل تغيير جوهري في السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل.
إن الزمن هو وحده الذي سيبين طبيعة الاتجاه الذي ستتخذه واشنطن في المستقبل، لكن بالنظر إلى الأدلة الحالية، فإن الدعم لإسرائيل يتضاءل بمعدلات غير مسبوقة. بالنسبة إلى أولئك الذين يدافعون عن سلام عادل في فلسطين، فهذا شيء جيد.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك