السعادة مطلب عصي يسعى إليه كل إنسان، فمنهم من يهتدي إليها، وكثير منهم يضل الطريق إليها، وهذا بالنسبة إلى الأفراد وشروطهم في السعادة قليلة، فمنهم من يراها في المال، ومنهم من يراها في الجاه أو السلطة، ومنهم من يراها في راحة البال وحسن الحال، ومنهم من يراها في ابتسامة طفل بريء أو يتيم فقد والده فتسارع إلى كفكفة دموعه، وتمسح على رأسه.
وإذا كان هذا هو حال الأفراد، فما هو حال البيوت التي يبحث ساكنوها عن السعادة، وبعبارة موجزة، أين هو البيت السعيد؟ وإذا وجد، فما دعائمه؟
إن كثرة المشاكل في البيوت، ولجوء كل من الزوجة والزوج إلى الطلاق باعتباره عند البعض هو الحل الأمثل للتخلص من المشاكل الزوجية التي تملأ البيت صراخًا وعويلًا، وهذا الحل في تصور البعض هو بداية المشكلة حيث يفقد كلا الزوجين الثقة في الآخر، وفِي الزواج كسبيل شرعي لعلاقة سوية بين الرجل والمرأة، وقد يكون الطلاق سببًا في نفور الرجال والنساء من تكرار التجربة مرة ثانية من الزواج، ويتهيبون من الإقدام على الزواج حتى يمضي قطار العمر ولا يجدون محطة تستقبلهم وتمنحهم شيئًا من السعادة.
وإذا كانت فرصة الرجل في الزواج متوفرة لأنه هو المبادر، فإن المرأة يكون حظها في الزواج مرة أخرى قليلا لأنه من طبيعة المرأة، ومن فطرتها التي فطرت عليها ألا تبادر إلى طلب الزواج وتنتظر من يطرق بابها طلبًا للزواج منها، فيكون الطلاق بالنسبة إلى المرأة بداية لمشكلة جديدة في حياتها لا حلًا لمشكلة، لهذا فلابد من أن تكون البداية صحيحة في إنشاء هذه الخلية الأولى المكونة للأمة، وهذه الخلية هي تأسيس أسرة على دعائم سليمة، وهذا لن نجده إلا في الإسلام الذي يحرص أشد الحرص على إقامة المؤسسات، ومنها مؤسسة الأسرة على دعائم ثابتة راسخة يعتمد عليها الزوجان ويرجعان إليها في حل مشاكلهما قبل أن تستفحل هذه المشاكل وتبلغ الذروة بالطلاق، لهذا ومنذ البداية حذر الإسلام من التهاون في شروط تأسيس الأسرة، وأكد الالتزام بهذه الشروط، فتوجه بالنصيحة إلى أهل البنت، فقال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض» رواه الترمذي بسند صحيح.
ونلاحظ هنا أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يكتف بالدين، بل جعل معه الخلق، فقد يكون الشاب المتقدم لخطبة ابنتك صاحب دين والتزام بالمعنى الشائع للمتدين إلا أنه قاسي القلب، سيئ الطباع لذلك لا تنتظر منه الرحمة والرأفة لزوجه وبنيه.
والرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم) لم يستثن المرأة أو الفتاة من وجوب التحلي بالخلق الحسن، حتى يصدق فيها قول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم) أنه إذا نظر زوجها إليها سرته، وإذا غاب عنها حفظته في نفسها، وفي ماله وولده، وهذه الأمور لن تتأتى إلا من امرأة ذات دين وخلق، قال صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فعليك بذات الدين تربت يداك» رواه الإمام مسلم.
واشتراط الخلق مع الدين في الفتاة والفتى معناه توحيد المرجعية الشرعية التي عليهما أن يعودا إليها حين تثور المشاكل بينهما، وأن يخضعا لقول الله تعالى، وقول رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وليس لكلام البشر، قد يستأنس بتشريعات البشر حين لا يوجد حكم شرعي في المسألة على ألا يكون هذا الاحتكام فيه مخالفة صريحة لحكم شرعي.
إن الإسلام -وكما أسلفنا- حين يسعى إلى تأسيس المؤسسات، يؤسسها على القيم والمبادئ الثابتة الراسخة التي يزيدها الزمن ثباتًا وصلابة، يقول صلوات ربي وسلامه عليه: «من تزوج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذلًا، ومن تزوجها لمالها لم يزده الله إلا فقرًا ومن تزوجها لحسبها لم يزده الله إلا دناءة، ومن تزوج امرأة لم يرد بها إلا أن يغض بصره، ويحصن فرجه، أو يصل رحمه بارك الله له فيها، وبارك لها فيه» رواه الإمام البخاري.
إذًا، فالمال، والحسب، كلها دعائم ضعيفة واهنة وإن بدت في النظرة السطحية المتعجلة قوية، أما دعامة الدين والخلق، فهما الأقوى والأثبت، وغيرها زائل أو في أحسن الفروض آيلة للسقوط.
ومن أسباب السعادة المحافظة على مشاعر الزوجة وأحاسيسها، وأنه حتى يدوم الحب والمودة بين الزوجين، فعلى الزوج ألا يطرق زوجته ليلًا من دون أن يعلمها بموعد حضوره، ولا يتعلل بأنه يريد مفاجأتها، فقد يراها في حال لا تريد أن يراها فيه، وأيضًا قد تكون الزوجة غير مستعدة نفسيًّا، وقد تكثر هذه المفاجآت فتصنع جدارًا نفسيًّا يكون سببًا لنشوء كثير من المشاكل.
وكثير من الزوجات يشكون غياب السعادة عن بيوتهن، وقد يكون من أسباب ذلك أن هذه الزيجة لم يوافق عليها أهل الزوجين، لوجود موانع شرعية فتكون الزوجة مسلمة والزوج غير مسلم، فيتحايل الزوجان ويعقدا زواجهما في دولة توافق على مثل هذا الزواج رغم المحاذير الشرعية، وهذا الزواج حرام في الإسلام، وعند الاختلاف تنشأ المشاكل لاختلاف المرجعية التي يتحاكم إليها الزوجان والتي استهانا بها عند بداية عقد الزواج، وهذا من أسباب غياب السعادة، ونشوب الخلاف بين الزوجين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك