وفي ضوء التنسيق البديع لخلق الله سبحانه وتعالى للكون، أمرنا الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم وجميع الديانات السماوية بالاستخدام الصحيح لموارد البيئة ومقدراتها، وبذلك فإن الاهتمام بالبيئة وبأسباب إعمارها، هو الهدف الرئيسي من جعل الإنسان خليفة في الأرض، فقد جاءت نصوصها منظمة لكيفية استثمار موارد البيئة، ومنع الاعتداء على البيئة، كما ورد في القران الكريم بقوله تعالى: (وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ).
ومما لا شك فيه إن للإنسان دورًا فعًالا في نشوء المشكلات البيئية، بسبب ممارساته غير المسؤولة والمخلة بالتوازن البيئي سواء كان قاصدًا أو من دون قصد؛ لذا فقد أولت دول العالم جميعها، ومنها مملكة البحرين اهتمامًا كبيرًا بالمشروعات التنموية خلال القرن العشرين، باعتبارها الطريقة التي تعمل على نقل المجتمعات إلى حالة متقدمة من النمو والازدهار؛ لذا فقد ظهرت التنمية المستدامة، كوسيلة ورؤية جديدة للتغلب على المشكلات البيئية، وانطلاقًا من التوجيهات السامية للقيادة الرشيدة، ووفقًا للرؤية الاقتصادية للمملكة 2030، والتي تركز على مبدأ الاستدامة والعدالة والتنافسية، فقد توجهت إلى العمل بشكل مدروس لنشر أهداف التربية البيئية التي تعدُ جزءًا مهما من التنمية المستدامة، بهدف تعزيز الوعي والمعرفة والتفاعل الإيجابي مع البيئة، ومن هنا فإن المسؤولية تقع على عاتق كل فرد في المجتمع، والعمل جاهدًا للتغلب على تفاقم وزيادة المشكلات البيئية، خاصة مع بداية القرن الواحد والعشرين، وإعادة التوازن البيئي حتى يمكننا العيش بسلام وفي جو بيئي سليم ونظيف.
لقد أصبح نشر الوعي بأهمية التربية البيئية مطلبًا وطنيًّا، باعتباره الوسيلة الأفضل في إعداد جيل قادر على التعامل السليم مع البيئة، والتكيف مع المجتمع وتنميته، لذا فإن التربية البيئية تعدُ جزءًا مهما من التنمية المستدامة، والتي تهدف إلى تعزيز الوعي والمعرفة والتفاعل الإيجابي مع البيئة. ولا بد من تكاتف وتعاون مشترك بين جميع الجهات والمنظمات والمجتمع المدني والأفراد لنشر مفاهيم التربية البيئية، ويجب أن تكون هذه الجهود متكاملة ومستمرة لتحقيق الأهداف المرجوة في الحفاظ على البيئة والتنمية المستدامة. ومن أبرز هذه الجهود الوطنية التي لها دور فاعل ومؤثر بشكل مباشر في نشر أهداف التوعية البيئية في المجتمع البحريني الدور الرائد لوزارة التربية والتعليم، برعاية الدكتور محمد مبارك جمعة وزير التربية والتعليم، والذى جاءت توجيهاته واضحة حول ضرورة العمل على تعزيز الوعي البيئي لدى الطلبة وإشراكهم في حملات التشجير والتنظيف على مستوى المملكة، وتوعيتهم بالمخاطر البيئة الناتجة عن النفايات بأنواعها، وصوًلا إلى وضع خطة بيئية مستدامة تترجم الأهداف الوطنية من خلال المناهج البيئية والفعاليات والأنشطة الطلابية البارزة، إلى جانب تبني أهداف المبادرة الوطنية لتنمية القطاع الزراعي «دمت خضراء» تعزيزًا للشراكة المجتمعية؛ لذا فإن وزارة التربية والتعليم تعد شريكًا أساسيًا في نشر التربية البيئية وتنفيذ أهدافها في المملكة، وذلك من خلال مهامها في تهيئة البيئة المدرسية وجعلها منظومة متكاملة ومترابطة، والذي يتم فيها إعداد أجيالٍ متعلمةٍ وقادرةٍ على الاعتماد على ذاتها، والعمل على توجيه المناخ المدرسي العام وتكيفه، ويتعدى دورها تحقيق الأهداف التعليمية، نحو تنمية جوانب فكرية ووجدانية وغرس قيم اجتماعية وصحية، وترسيخ المبادئ الإيجابية لدى الناشئة من أبنائنا الطلبة، وتمكينهم من معارف شاملة وسلوكيات سليمة ومهارات نوعية، تجعل انفتاحهم على المجتمع فعالًا ومنتجًا، وتعايشهم مع الآخرين بنّاءً، وتكسبهم روح المواطنة الحقيقية الفاعلة. وقد جاء ذلك ضمن تأكيد وزارة التربية والتعليم بمملكة البحرين من خلال «إصدارها لائحة الانضباط الطلابي لجميع المراحل الدراسية في المدارس الحكومية والخاصة، وخاصة قرار رقم (99/ م ع ن/2017)، على ضبط البيئة المدرسية حتى تكون بيئة حاضنة وآمنة للجميع ومشجعة على التحصيل العلمي والتفاعل الثقافي والتضامن الاجتماعي».
وجميعنًا نتفق أن المجتمع المدرسي يعدُ أهم وأسرع المجتمعات المؤسسية في المملكة التي بواسطتها يتم نشر الوعي البيئي لدى الطلاب بكل فئاتهم وأنماطهم، وذلك بواسطة خطوات وممارسات نرى أن أغلبية مدارس مملكة البحرين في وقتنا الحاضر قد اتجهت إليها تحقيقًا للأهداف الوطنية والعالمية في مجال البيئة المستدامة،
وقد أصبحت مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية مقصدًا لعديد من مؤسسات المجتمع المدني لتنفيذ تطلعاتها وبرامجها البيئية في المجتمع المدرسي، وذلك لأهمية هذه الفئات العمرية للمجتمع البحريني، باعتبارهم قادة المستقبل الذين له دور في بناء المملكة وازدهارها، وبواسطتهم سوف تنتقل المعارف والمهارات الأساسية للتربية البيئية إلى الأجيال القادمة تحقيقًا للتنمية المستدامة وأهدافها العالمية، إن المؤسسات التعليمية بمختلف مراحلها تتسابق للعمل جاهدة على نشر الوعي البيئي، من خلال البرامج التعليمية المختلفة في المدارس والجامعات والمنظمات الشبابية، وإظهار أهم الممارسات التي تعنى بالبيئة وحمايتها من الإنتاجات الطلابية البارزة، والتي كان آخرها مشروع «إنتاج جهاز للطاقة المائية المتجددة» لطالبات مدرسة أم سلمة الإعدادية للبنات، والحائز المركز الثالث في معرض «مشروع ابتكار مستدام» لأفضل اختراع يحقق أهداف التنمية المستدامة، وفعًلا إننا نرى هذه الممارسات على أرض الواقع في أغلب مدارس مملكتنا الحبيبة، وحبذا لو يتم التوجه إلى وضع خطة موحدة لتأطير وتوحيد الرؤى والبرامج والفعاليات البيئية وفق برامج بيئية مدرسية معتمدة، ليتم تنفيذها في جميع المدارس والمؤسسات التعليمية، ودون استثناء حسب خطة المدرسة أو المؤسسة الاستراتيجية، وذلك حسب المحاور والمواضيع البيئية المدرجة في وثيقة «الاستراتيجية الوطنية»، وهي كالتالي:
- المياه.
- الهواء.
- استخدامات الأراضي والزراعة.
- البيئة البحرية والساحلية.
- صحة البيئة.
- النفط والصناعة والطاقة إدارة المخلفات والتدوير.
- التوعية البيئية السياحية.
- التنوع الحيوي.
ومن الأنشطة والممارسات التي نراها فعليًا على أرض الواقع، والمقترح اعتمادها كبرنامج بيئي مستدام، والتي يتم ترجمتها على شكل مبادرات ذات تأثير قوي وواضح، ويشارك فيها العديد من المؤسسات التعليمية وطلبة المدارس، وبدورها قد ساهمت في بناء شخصية الطالب وجعلته قادرًا على المشاركة الإيجابية في حل مشكلات البيئة والمساهمة في تطويرها هي:
- تصميم مبادرات بيئية مدرسية ذات رؤية موحدة ووفق خطة شاملة لمحاور «الاستراتيجية الوطنية».
- تكوين فرق لتدوير النفايات، ومشاركة الطلاب في عمليات التدوير عن طريق فصل النفايات القابلة للتدوير، وغير الخطرة، مثل الورق والبلاستيك والمعدن، وإعادة إنتاجها بأشكال فنية وإنتاجات قابلة للاستخدام.
- تشكيل لجان وجمعيات أصدقاء البيئة لتنظيم الفعاليات البيئية داخل المدرسة وخارجها، مثل حملات التنظيف البيئي، وحملات جمع النفايات، وزيارات ميدانية إلى المناطق الطبيعية، وورش عمل ومحاضرات حول الموضوعات البيئية المختلفة، والتواصل بفعالية مع المجتمع المحلي.
- التطوع في حملات تنظيف الشوارع والحدائق والشواطئ، وغرس الأشجار ورعايتها طوال فترة دراسته.
- الاحتفال بالمناسبات البيئية، وتنفيذ معارض فنية وتشكيلية للصور المرسومة أو الفوتوغرافية التي أنتجها الطلاب والتي تعكس ممارسات إيجابية أو تطويرية لتعامل الإنسان مع البيئة.
- المشاركة ضمن مسابقات حول موضوعات بيئية معينة عن طريق كتابة تقارير أو إعداد ألبوم بيئي يتضمن صورًا عن ممارسات إيجابية وتطويرية في بيئته.
- تفعيل الألعاب التربوية البيئية التي تصمم للتسلية، التلفازية وغير التلفازية، الفردية والجماعية.
- زيادة واستمرار تنظيم البرامج التوعوية وورش العمل للطلاب والمعلمين حول الموضوعات البيئية.
- إقامة مخيمات بيئية، يتعرف من خلالها الطلاب المشاركون على مكونات البيئة وطبيعة التوازن بينها.
- عقد ندوات حوارية مدرسية حول المواضيع البيئية، والمساهمة في حلها وفق الإمكانيات المتاحة.
لقد وضعت منظمة اليونسكو هدفًا جديدًا، ألا وهو جعْل التعليم البيئي عنصرًا أساسًا في المناهج الدراسية في جميع البلدان بحلول عام 2025. والفكرة وراء ذلك هي أن يكتسب كل شخص، منذ سن مبكرة، المعارف والمهارات والقيم الضرورية لإحداث تغييرات إيجابية لصالح سلامة وصحة الكوكب الذي نعيش عليه، حيثُ إنه لا توجد طُرق تدريس معينة لتعليم الاستدامة والتربية البيئية، ولكن هناك اتفاق واسع في تتبع أساليب التعلُّم النّشط والتشاركي، التي تُشْرك المتعلم وتُحْدث فرقا حقيقيا في الفهم، والتفكير، والقدرة على التصرف بشكل صحيح عند المتعلّم، ويتم تحقيق أهداف التعليم البيئي النظامي، وعلى وجه الخصوص، المدرسي، وتعليم التربية البيئية في المدرسة عبر استخدام مجموعة من الاستراتيجيات التعليمية، والتي تعدُ أداة تربوية فاعلة لتبني مواقف تتلاءم وبيئة سليمة ومتوازنة، ومن أهمها:
{ استراتيجية دراسة القضايا البيئية: وهذه الاستراتيجية وثيقة الصلة باستراتيجية إجراء البحوث. وتعد دراسة القضايا البيئية من الاستراتيجيات المفيدة في مساعدة الطلبة على تفهم عناصر القضية وأسباب ظهورها وأساليب المحافظة الواجب اتخاذها. ولا تتضمن القضايا البيئية مشكلات فقط، بل تتناول أيضاً إجراءات مستدامة وفعالة، مثل بناء فندق صديق للبيئة، أو مصنع، أو مزرعة مستدامة، أو إنشاء محمية طبيعية.
{ استراتيجية حل المشكلات: ويتم فيها إكساب الطلاب القدرة على اتخاذ القرارات الواعية والمسؤولة تجاه القضايا البيئية أحد أهداف التربية البيئية الذي يتطلب تحقيقه مشاركة هؤلاء الطلاب في مناقشة مشكلات بيئية واقتراح بدائل وحلول لها. وهذه المشكلات البيئية المطروحة للمناقشة يجب أن تكون واقعية ومناسبة لقدرات الطلبة واهتماماتهم، ومن الأساليب التي يمكن استخدامها، في مجال حل المشكلات، المناقشات الجماعية المفتوحة والموجهة، وتمثيل الأدوار، والألعاب والمحاكاة، والقيام بمشروعات واقعية وفق خطة مدروسة: مثل القيام بزراعة محمية، التغلب على انجراف التربة، زراعة قطعة أرض زراعية بالري بالتنقيط، خفض استهلاك الطاقة، وغيره.
{ استراتيجيات التدريس الخضراء: والتي تعزز انتشار نموذج «التعليم الأخضر»، وتتمثل الاستراتيجيات في التركيز على حل المشكلات البيئية، واستراتيجية المشروعات البيئية، والنزعة الاستهلاكية الخضراء المؤثرة في الحفاظ على البيئة، مثل الاستهلاك الأخضر، الذي يتطلب ترشيد استهلاك الطاقة، والنقل، وتجنب النفايات، وترشيد الاستهلاك اليومي، وإعادة التدوير.
وتعمل وزارة التربية والتعليم وكوادرها على التخطيط والتنفيذ القائم على دراسة واقع البيئة وتحدياتها في المملكة، والمتسارع لنشر أهداف ومبادئ التربية البيئية بشكل متكامل وسليم، لما تملكه من قيادات واعية وحريصة على إكساب طلابنا جميع المعارف والمهارات الضرورية لجعل البيئة المدرسية صحية وآمنة، ومما لا شك فيه أن التربية البيئية هي من المفاصل الحيوية التي يجب على النظام التعليمي أن يعمل على تحقيقها، وفي مختلف المراحل التعليمية، وإن احترام هذه المبادئ والتقيّد بها سيسهم في خلق جيل واعٍ لكل ما يحيط به من مخاطر بيئية، قادر على احترام الموارد البيئية والحفاظ عليها، وساعٍ إلى الحدّ من المخاطر والمشكلات البيئية التي تنعكس بدورها على سلامة المجتمع وصحة أفراده، كذلك فإن جهود مؤسسات التعليم وكوادرها في المملكة، تؤكد دور المجتمع والمتمثل في اللبنة الأولى للطالب وهي «الأسرة» في ضرورة المساهمة في الحفاظ على البيئة ونشر الوعي البيئي لدى جميع أفراد الأسرة لتحقيق أهداف التربية البيئية المنشودة، وهذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجه مستقبلنا، ولا يمكن من دون هذا التعاون المشترك حماية بيئتنا، وهذه الجهود الوطنية المشتركة، ما هي إلا خطوات أولية تحتاج إلى برامج وخطط تفصيلية تجعل من التنمية البيئية درعًا لمستقبل التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية. ومثل هذا الالتزام من قِبلنا مجتمعين أفرادًا ومؤسسات ومسؤولين سيكون المفتاح لمستقبل ومملكة صحية خالية من التلوث؛ لذا فإننا نجد أن هناك حاجة ماسة إلى ضرورة إكساب أفراد المجتمع، ومن بينهم أبناؤنا الطلاب، وتنمية شعورهم بالمسؤولية تجاه بيئتهم وإكسابهم الوعي البيئي اللازم ليكونوا قادرين على التعامل مع بيئتهم ومحيطهم الحيوي تعامًلا سليمًا، لحفظ مكونات البيئة واستدامتها، من خلال ما يمارسه من أنشطة تفوق طاقة البيئة ومواردها الطبيعية المتاحة. ولن نتمكن من ذلك إلا من خلال توعيتهم وتأهيلهم حول مفاهيم التوعية البيئية بشكل يجعلهم متمكنين من ترجمة هذه المفاهيم والمعارف المكتسبة الى منتجات ذات أثر وقيمة في مجتمعهم.
{ مختصة في فلسفة الدراسات
البيئية وآليات التنمية المستدامة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك