تعد مشاركة أصحاب المصلحة جانبًا حاسمًا في تطوير السياسات يمكن أن يكون له تأثيرات كبيرة على نمو الاقتصاد وتنميته. وتدرك الحكومات في جميع أنحاء العالم بشكل متزايد أهمية إشراك أصحاب المصلحة في وضع السياسات لضمان التنفيذ الفعال وتحقيق نتائج مستدامة. وأصبحت سنغافورة رائدة في عملية إشراك أصحاب المصلحة في إطلاق السياسات الناجحة بالإضافة إلى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، علما أن هذه الدول أنتجت عديدا من الدراسات حول هذا الموضوع وتعتقد حكومات هذه المنظمة أن عدم إشراك أصحاب المصلحة يمكن أن يؤدي إلى مدخلات ومخرجات ضعيفة في صنع القرار. وفي هذا المقال، سوف نتطرق إلى قصة نجاح سنغافورة في إشراك أصحاب المصلحة والتي تعد دراسة حالة ممتازة للتعلم منها.
أصحاب المصلحة هم أفراد أو منظمات غير حكومية أو شركات في القطاع الخاص أو أكاديميين أو منظمات المجتمع المدني أو غيرهم ممن لديهم مصلحة في نتائج السياسة التي سيتم تطبيقها على المستوى الوطني ومشاركتهم هو عملية تأخذ بها احتياجاتهم ووجهات نظرهم حول سياسة معينة، ما قد يؤدي إلى نتائج أفضل وزيادة الشرعية والنجاح في السياسات المتخذة من قبل الهيئات الحكومية. وهناك عديد من الحالات التي يتم فيها أخذ رأي أصحاب المصلحة في سنغافورة لتطوير السياسات على المستوى الوطني.
في سنغافورة، تقوم شعبة سياسات التعليم العالي الخاضعة لوزارة التعليم بصياغة وتنفيذ ومراجعة السياسات المتعلقة بالجامعات والمعاهد الفنية ومؤسسات الفنون ومؤسسات التعليم الخاص. ومن أحد البرامج التي تم فيها إشراك أصحاب المصلحة هو برنامج المهارات المستقبلية (SkillsFuture) في سنغافورة والذي يعد مثالاً على المشاركة الناجحة لأصحاب المصلحة. يشرك البرنامج أصحاب العمل والأكاديميين والجمعيات الصناعية ومقدمي التدريب لتصميم وتنفيذ برامج تدريبية تلبي احتياجات سوق العمل.
يضمن هذا النهج أن المهارات التي يتم تدريسها ذات صلة ومطلوبة، ما يؤدي إلى تطابق أفضل بين مهارات العمال واحتياجات سوق العمل. كما يوجد في هذه الشعبة مختصون وأكاديميون ذو خبرة طويلة في القطاع التعليمي يمكنهم فهم رؤى أصحاب المصلحة بموضوعية قبل إطلاق السياسات أو اللوائح أو البرامج الجديدة.
وتشرك حكومة سنغافورة أصحاب المصلحة من خلال الاتصال الاستباقي والاجتماعات التشاورية أو عبر إرسال تعليقات عبر مواقعها الرسمية، وهو أمر بالغ الأهمية لوضع السياسات الفعالة وزيادة الثقة في الحكومة.
على سبيل المثال، في سوق العمل، أشركت الحكومة السنغافورية أصحاب المصلحة في تطوير برنامج التعاون الإقليمي للعمال المهاجرين خلال جائحة كوفيد-19. وفي إطار تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، تقود وزارة التجارة والصناعة عملية وضع استراتيجيات لتنمية المشاريع، بما في ذلك استراتيجيات المشاريع الناشئة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتعمل مع المجالس وممثلي قطاع الصناعة والتجارة والأفراد، كما يتم طلب تعليقات القطاع الخاص لتصميم وتشغيل سياسات وبرامج المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
بالإضافة إلى ذلك، توفر الحكومة أدوات مشاركة رقمية مبتكرة عبر مواقعها الرسمية وتدعو المشاركين إلى تحديد الفرص والتحديات في تشكيل مستقبل سنغافورة. تهدف هذه الجهود إلى زيادة قبول أصحاب المصلحة والثقة والابتكار وسياسات أكثر فعالية تسهم في الوصول إلى أهداف التنمية المستدامة وإلى أهداف المستقبل بشكل أفضل.
علاوة على ذلك، يعد قانون حماية البيانات الشخصية في سنغافورة مثالا آخر على المشاركة الناجحة لأصحاب المصلحة. تم تطوير القانون من خلال التشاور المكثف مع أصحاب المصلحة، بما في ذلك الشركات والمنظمات الأهلية والوكالات الحكومية. وقد كفل هذا النهج أن يكون القانون قويا وفعالا ومتوازنا مع احتياجات جميع الأطراف.
فوائد مشاركة أصحاب المصلحة في وضع السياسات عديدة في سنغافورة.
أولاً، تؤدي إلى سياسات أكثر فعالية يمكن تنفيذها بنجاح. تضمن مشاركة أصحاب المصلحة في أن تكون السياسات مصممة وفقا لاحتياجات ومتطلبات الأفراد والقطاعات على المستوى الوطني، ما يزيد من شرعيتها وقبولها.
ثانياً، يمكن أن تؤدي مشاركة أصحاب المصلحة إلى زيادة الابتكار والإبداع في وضع السياسات على المدى البعيد. يمكن لإشراك مجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة أن يجلب وجهات نظر وأفكارا جديدة ربما لم ينظر فيها بخلاف ذلك، ما يؤدي إلى سياسات أكثر ابتكارا وفعالية ومستدامة على المدى البعيد.
ثالثاً، يمكن أن تؤدي مشاركة أصحاب المصلحة إلى زيادة الثقة وقبول القوانين واللوائح. عندما يشارك أصحاب المصلحة في وضع السياسات، فإنهم يشعرون بأن أصواتهم مسموعة وأن احتياجاتهم تؤخذ في الاعتبار. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة الثقة والقبول لهذه اللوائح وقدرتها على تنفيذ سياسات فعالة.
من ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي عدم مشاركة أصحاب المصلحة لعواقب وخيمة على المنظمات والحكومات والهيئات التنظيمية. يمكن لعدم إشراك أصحاب المصلحة أن يؤدي إلى إهدار للوقت والموارد بسبب ضعف السياسات السابقة.
في الختام، فإن إدراك سنغافورة أهمية إشراك أصحاب المصلحة أتى بعد بحث طويل وعميق لكيفية جعل السياسات ناجحة ومستدامة على المدى البعيد. واليوم، تقوم الحكومة السنغافورية بالتواصل مع جميع أصحاب المصلحة من القطاع العام، القطاع الخاص، القطاع الأكاديمي، جمعيات المجتمع المدني، وغيرهم من أصحاب المصلحة للوصول إلى أهداف التنمية المستدامة، وأسهم هذا التواصل في النجاحات المتتابعة للسياسات التي تم تطبيقها على مدى العشرين سنة السابقة.
{ مركز البحرين للدراسات
الاستراتيجية والدولية والطاقة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك