تصاعدت في الآونة الأخيرة حدة الصراع بين أفغانستان وإيران على مصادر المياه، حيث تعد هذه القضية من أكثر القضايا التي يٌستعصى حلها بينهما.
يمتد الصراع بين أفغانستان وإيران على المياه لأكثر من قرن ونصف، لكنه عاد مجدداً ليطفو على السطح بعد أن أعلنت الحكومة الأفغانية بناء سدود من أجل إدارة المياه التي تصب في الأراضي الإيرانية، وهو الأمر الذي قوبل برفض شديد من قبل إيران، التي سعت طوال الوقت إلى إثبات حقها في المياه الأفغانية بالرغم من معارضة الحكومات الأفغانية المتعاقبة لهذا الأمر.
تاريخ الصراع على المياه بين أفغانستان وإيران:
يعود الصراع بين أفغانستان وإيران على المياه إلى عام 1882، حيث طلب من لجنة تحكيم (جولد سميث) المكلفة بترسيم الحدود بينهما التدخل، بعد أن فشلا في التوصل إلى حل للنزاع بينهما على مياه نهر هلمند في جنوب أفغانستان، وقد فشلت اللجنة هي الأخرى في مهمتها تلك إلا أنها أوصت بضرورة عدم بناء سدود أو منشآت على طول النهر، وفي عام 1903 طُلب من العقيد هنري ماكماهون رسم حدود جديدة بين البلدين بسبب تغير مسار النهر، وقد ظهر انحيازه الشديد لإيران من خلال قراراته وهي:
- تقسيم المياه بالتساوي بين البلدين.
- حكم لطهران أن لها الحق في الاستفادة من ثلث مياه النهر في منطقة كوهك الحدودية.
- قام بتعيين ضابط بريطاني للإشراف على تنفيذ القرارات.
لكن المهم أن الأفغان رفضوا كل قرارات مكماهون في عهد الأمير حبيب الله خان، حيث تم اعتبارها منحازة للجانب الإيراني.
زادت حدة النزاع بين أفغانستان وإيران في عام 1934، ما حدا بالطرفين إلى اللجوء لتركيا من أجل التحكيم بينهما، وعليه قامت تركيا بإرسال محكم لحل النزاع لكنه فشل هو الآخر في التوصل الى حل مُرضٍ.
استمر الحال هكذا بين أفغانستان وإيران منذ ذلك الحين إلى عام 1972 حيث طُرحت مبادرة من قبل محمد موسى شفيق رئيس الوزراء الأفغاني المكلف من الملك محمد ظاهر شاه بتشكيل حكومة جديدة.
قام شفيق بإبرام اتفاقية مع إيران قبل أن يتم الإطاحة بحكومته وإعدامه، تبع ذلك الغزو السوفيتي لأفغانستان في عام 1979 وهو نفس العام الذي تم الإطاحة فيه بحكم شاه إيران، إلا أن أفغانستان في مايو 2023، أكدت على لسان (عباس استانكزي) مساعد وزير الخارجية في حركة طالبان أن الحكومة الأفغانية مازالت ملتزمة باتفاقية شفيق، شرط توافر مياه كافية في نهر (هلمند). لعلنا نأتي هنا إلى تساؤلات رئيسية في هذا المقال: ما هي مصادر المياه في أفغانستان؟ هل باتت تكفي احتياجات أفغانستان من المياه؟ هل ستؤول الأمور إلى حرب شاملة بين أفغانستان وإيران؟
توجد في أفغانستان عشرة أنهار منها ما هو داخلي والبعض الآخر مشترك مع دول مجاورة منها إيران، أوزبكستان، طاجيكستان، تركمانستان، وباكستان.
وبحسب (عباس استانكزي) فإنه بالرغم من قلة الأمطار في السنوات الماضية قامت إيران مستغلة الحرب في أفغانستان على مدى أكثر من أربعين عاماً، بأخذ أكثر من حصتها من نهر (هلمند)، والحقيقة التي يجب أن يعيها الجميع هي أن أفغانستان تستطيع التحكم بـ95% من مجمل مياه الأنهار المشتركة حيث إن المياه تتدفق داخل أراضيها.
الجدير بالذكر أن الأفغان يرفضون السماح للإيرانيين بفحص مجرى النهر عن قرب.
هل يمكن أن تؤدي أزمة المياه بين أفغانستان وإيران إلى حرب شاملة بينهما؟
في البداية تجدر الاشارة إلى أن الحدود المشتركة بين أفغانستان وإيران تبدأ من مضيق «ذو الفقار»، حيث يوجد مثلث حدودي يتمثل في أفغانستان، إيران وتركمانستان في الشمال، في حين يوجد مثلث حدودي آخر يتمثل في أفغانستان، إيران وباكستان في الجنوب.
ومؤخراً اعتبرت كابول تهديدات الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أنها غير مهذبة لذا كان الرد منهم بقدر الإساءة، فبالرغم من أن الرد الرسمي كان دبلوماسياً فإن بيان حكومة طالبان كان مذلا بشكل شديد، حيث ظهر جنرال من طالبان في فيديو وهو يملأ وعاء بماء من نهر هلمند ويقول للرئيس الإيراني: خذ هذا الوعاء وتوقف عن تهديدنا فنحن نخاف من تهديدك.
على الصعيد ذاته، ترى حكومة طالبان أن مطالبة إيران بحصتها من المياه والتصريحات المسيئة التي تصدر عنهم لن تجلب إلا الدمار على إيران.
الأمر المثير للدهشة هو الرقي الذي يظهر في البيانات الرسمية الأفغانية عكس البيانات الإيرانية التي يظهر فيها تذبذب الحكومة الإيرانية، حتى أن الحكومة الأفغانية طلبت من نظيرتها الإيرانية طرح مطالبها بألفاظ لائقة.
إلى ذلك تتهم إيران أفغانستان ببناء سدود على النهر وتغير مجراه، وتدعي إيران أنها تمتلك صوراً تم التقاطها عبر الأقمار الصناعية تثبت هذا الأمر إلا أن طهران كعادتها تلفق الأكاذيب حتى أصبح الكذب جزءا من شخصيتها السياسة.
تجدر الإشارة إلى أن وزير الموارد المائية العراقي مهدي الحمداني أكد في أبريل الماضي، أن مخزون مياه العراق انخفض بنسبة 50% مقارنة بعام 2021، حيث قامت إيران بقطع 90% من روافدها المائية المشتركة مع العراق.
حقيقة الاشتباكات المسلحة بين أفغانستان وإيران:
التوترات الحدودية بين أفغانستان وإيران حول توزيع مياه هلمند أسفرت عن وقوع قتلى وجرحي من الجانبين إلا أن أعداد القتلى الإيرانيين أكثر بكثير من الأفغانيين، ووقعت الاشتباكات بحسب وسائل الإعلام الإيرانية على طول الحدود الجنوبية الشرقية مع أفغانستان.
ويرى كثير من الخبراء في مجال الحرب أن إيران ستتجنب التصادم مع الأفغان لعدم قدرتها على المواجهة العسكرية مع طالبان، وبالفعل سارع العميد الإيراني في الحرس (أمير علي حاجي زاده) بالتأكيد على أن الاشتباكات الحدودية مع أفغانستان لن تتحول إلى حرب أبداً، الغريب أيضاً أنه قال (الأعداء يقفون وراء هذه الأحداث)!
كذلك الردود الإيرانية على الاشتباكات الحدودية في مجملها عبارة عن بيانات استهجان ورفض وتهديدات مثيرة للسخرية، في حين أن الرد الأفغاني يحمل في طياته عزة وإباء.
كذلك لم يعد يخفى على أحد أنه لولا الغرب لما بقي النظام الإيراني صامداً إلى الآن في ظل ثورة الشعب الفارسي والشعوب غير الفارسية المستمرة منذ عام 1979 وهو عام تعيين الخميني حاكماً على إيران من قبل الغرب.
أفغانستان بحاجة إلى المياه أكثر من أي وقت مضى:
تسعى أفغانستان لزيادة رقعتها الزراعية في إطار خطة للحد من الواردات الخارجية وتلبية احتياجات البلاد من الحبوب والأغذية.
وتعمل حكومة (طالبان) على زيادة الرقعة الزراعية البالغة مساحتها ثمانية ملايين هكتار من أراضي البلاد، حيث لا يُستغل منها سوى مليوني هكتار.
ويعد نهر هلمند أطول الأنهار في أفغانستان، وينبع من جبال هندكوش شمال شرقي البلاد، ويصب في بحيرة هامون في إيران، وتكمن أهميته لدى أفغانستان في اعتمادها عليه بشكل كبير في الري الزراعي، ويجري النهر مسافة أكثر من ألف كيلومتر حتى بلوغ بحيرة هامون عند الحدود بين البلدين.
وترغب أفغانستان في أن تضيف مواردها الزراعية إلى مواردها المعدنية التي تقدر بأكثر من 3 تريليونات دولار، وعلى رأسها المعادن النادرة التي تدخل في صناعة أشباه الموصلات.
ختاماً، ومن خلال ما ذكر أعلاه يتضح لنا أن إيران قامت بأخذ أكثر من حصتها من مياه نهر هلمند على مدى عقود من الزمان مُستغلة الحرب في أفغانستان، أما الآن فأفغانستان بحاجة إلى جميع مواردها من المياه من أجل خطتها التنموية، وتنويع مصادر الدخل.
{ باحث أكاديمي متخصص في الشأن الإيراني
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك