شهدت مملكة البحرين خاصة بعد انعقاد المنتدى السنوي لجمعية مصارف البحرين في 30/ أكتوبر 2018 والذي حمل عنوان: «التكنولوجيا المالية.. الفرص والتحديات»، اندفاعا غير مسبوق من المصارف والمؤسسات المالية لتحظى بالفوز بالفرص الواعدة للتكنولوجيا المالية ولتتواءم مع التغيرات العميقة في بيئة وأنماط العمل المالي والمصرفي التي ظهرت بوادرها على الصعيد العالمي، حيث أصبح العالم أمام تشكيل مشهد مالي ومصرفي عالمي جديد من ناحية، ومن ناحية أخرى استجابة لتوجهات حكومة البحرين ومصرفها المركزي، فضلا عن إدراكها أهمية الاستجابة السريعة لمتطلبات عملاء البنوك وتطلعاتهم في الحصول على خدمات مصرفية أسرع وأسهل وأقل كلفة وأكثر شمولية وأكثر أمانا. وأصبحت تسعى إلى التعاون مع شركات التكنولوجيا المالية، متيقنة بأن التعاون بينهما (المصارف وشركات التكنولوجيا المالية الناشئة) أمر حتمي وهو يحقق فوائد استراتيجية فضلا عن الأرباح المالية لكلا الطرفين. الأمر الذي جعل من السوق البحرينية فائقة الأهمية في استراتيجية التوسع الإقليمي ـلعديد من شركات التكنولوجيا المالية العالمية، خاصة أنها تمتلك إمكانات واعدة وبنية تنظيمية ومؤسسية مستقرة وجاذبة، وبنية تحتية لوجستية متطورة ذات جاهزية عالية، فضلا عن منظومة حديثة من التشريعات والقوانين والمؤسسات المنظمة لعملية توطينها واتساعها، والتي تخضع إلى متابعة مستمرة من قيادة البلاد الرشيدة، لأجل التأكد من أنها مواتية ومواكبة لما يحدث في العالم، وفي إطار اعتماد سياسة الباب المفتوح، وتشجيع المبادرات الخلاقة، والعمل مع مختلف الجهات والتوجهات التقنية العالمية المعاصرة، حيث تمتلك المملكة علاقات تفاعلية مميزة مع الدول والشركات ذات القدم الراسخة في ميادين التكنولوجيا المختلفة، وقاعدة متينة من الموارد البشرية المواطنة الماهرة، ومؤسسات تمويلية عريقة ترحب بخدمات التكنولوجيا المالية وتعتمد الكثير من منتجاتها وهندستها المعاصرة. وقد حرص مصرف البحرين المركزي على متابعة المتغيرات المتسارعة في مجال التكنولوجيا المالية وتوقع ماهية تلكم المتغيرات والاستعداد لمواجهة آثارها ودعم وتحصين القطاع المالي والمصرفي ليكون قادرا على مواكبتها والإسهام في حماية وتنمية أصول المصارف والمستثمرين على حد سواء، وذلك من خلال تقديم مبادرات نوعية معززة للاستقرار المالي ومحفزة لقطاع الاستثمار ليواصل نموه الإيجابي من جانب، ومن جانب آخر احتضان شركات التكنولوجيا المالية ومعاونتها على مواجهة التحديات التي تعترض طريقها مثل ارتفاع كلفة العمل في مجال التكنولوجيا المالية، حيث إن أغلب المستثمرين يفضلّون توجيه رؤوس الأموال إلى الشركات ذات النماذج التجارية الأقلّ خطورة. كما قام مصرف البحرين المركزي بتشجيع قيام التحالفات بين الشركات الناشئة محليا والشركات العالمية المعروفة في هذا المجال، وكذلك تشجيع البنوك المحلية على اتخاذ مبادرات عديدة بهدف خلق النظام البيئي الملائم لنجاح وازدهار هذه الصناعة. وسعى المصرف إلى تطوير القدرات المهنية وتأهيل الموارد البشرية البحرينية في مجال صناعة التكنولوجيا المالية، وتوفير منصات تدريبية ومهنية وتعليمية رفيعة المستوى تدعم نمو وتطوير الموارد البشرية.
كما وفر مصرف البحرين المركزي البيئة الملائمة لتطبيق تكنولوجيا بلوك تشين، لتكون مملكة البحرين أول دولة في المنطقة تطبق هذه التكنولوجيا، وذلك في إطار سعيها لاستنبات وتوطين التكنولوجيا المالية، وقد انعكس ذلك في ما شهدته المملكة من تحول سريع نحو القنوات الرقمية والتطبيقات الافتراضية في الخدمات المصرفية وهو آخذ في الزيادة والتوسع أفقيا وعموديا، ويتضح ذلك بجلاء ليس في التغيير بالطريقة التي تتعامل بها المصارف مع العملاء فحسب، بل بتغيير نطاق الخيارات المصرفية المتاحة والتي من المرجح أن يأخذها المستهلك في الاعتبار. وذلك انسجاما مع توجهات شركات التكنولوجيا المالية الناشئة والشركات التقنية الكبيرة، التي تعمل على إنشاء حلول غير مسبوقة موجهة إلى جمهور الخدمات المصرفية الرقمية المتنامي. بالإضافة إلى إصداره التوجيهات الخاصة بتعزيز الإطار الرقابي للأصول المشفرة، بما ينسجم مع هدفه المتمثل في وضع توجيهات شاملة لنظام التكنولوجيا المالية والنظام الإيكولوجي (البيئي) الذي يدعم وضع البحرين كمركز مالي رائد في منطقة الشرق الأوسط، ومواكبة الابتكارات الجارية في المراكز المالية الرئيسية في جميع أنحاء العالم، وتضمنت التوجيهات الخاصة بالأصول المشفرة متطلبات الترخيص، والحوكمة، والحد الأدنى لرأس المال، وبيئة الرقابة، وإدارة المخاطر، ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ومبادئ وأخلاقيات العمل، وتجنب تضارب المصالح، والإبلاغ، والأمن الإلكتروني.
ومما ينبغي الإشارة إليه أن مصرف البحرين المركزي أصدر في الخامس عشر من شهر أغسطس 2019 التوجيهات النهائية الخاصة بوسطاء التأمين عبر المنصات الإلكترونية والتي تهدف إلى تطوير تكنولوجيا التأمين «Insure-Tech» وبذلك يكون مصرف البحرين المركزي ضمن البنوك المركزية القليلة على الصعيد العالمي التي أصدرت توجيهات تتعلق بوسطاء التأمين عبر المنصات الإلكترونية، ما عزز من مكانة البحرين كمركز إقليمي رائد للتكنولوجيا المالية.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك