في ختام زيارة بعثة خبراء «صندوق النقد الدولي»، للبحرين في مايو 2022، بقيادة السيدة «عصماء الجنايني»، صرحت في بيان لها، أن المملكة قد اتخذت في مواجهة جائحة كورونا، إجراءات جديرة بالثناء على صعيد السياسات، نجحت في التخفيف من الأثار الصحية والاقتصادية لتلك الأزمة، حيث وفرت حملة لتقديم اللقاحات للمواطنين والمقيمين على حد سواء، وكانت من أسرع الحملات في العالم، كما سمحت بإعادة فتح الاقتصاد على نطاق واسع في صيف عام 2021، وأدت حزمة الدعم المقدمة إلى إعانة القطاعين الخاص والمصرفي؛ ما ساعد على احتواء خسائر الوظائف التي فرضتها الأزمة على الشركات.
علاوة على ذلك، فقد أدت عودة زخم إصلاحات المالية العامة، وارتفاع أسعار النفط إلى تحقيق الاقتصاد البحريني «نموًا»، بلغ 2.2% في عام 2021، مدفوعًا بنمو 2.8% في القطاع غير النفطي، في مقابل انكماش القطاع النفطي –0.3%، وكان الأداء القوي لقطاعات الصناعة وتجارة التجزئة والضيافة، بينما تقلص عجز الموازنة إلى -6.8% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2021، وتقلص عجز المالية العامة الكلي إلى -11.1%، بعد أن كان -17.9% في 2020، وسجل الحساب الجاري فائضا بنسبة 6.7% في مقابل عجز –9.3% في السنة السابقة.
وانعكاسًا لهذا النهج، توقع «البيان»، ارتفاع معدل النمو الاقتصادي إلى 3.4% في 2022، مدفوعًا بنمو قطاع الضيافة وإعادة فتح الاقتصاد بشكل كامل، فيما تحرص السلطات على التزامها القوي بجدول أعمال الإصلاحات الذي وضعته والواضح في خطة التعافي الاقتصادي وبرنامج التوازن المالي، بما في ذلك الإصلاحات الطموحة لخفض عجز المالية العامة والدين العام.
وفي تأييد لهذا، أكد أن استمرار زخم إصلاح المالية العامة، وارتفاع أسعار النفط، قد أديا إلى نمو الاقتصاد البحريني بنسبة 4.9% في 2022، مدفوعًا بنمو 6.2% للقطاع غير النفطي، فيما سجل القطاع النفطي «انكماشا»، بنسبة 1.4%، وكانت الخدمات العامة والمالية والضيافة والصناعة هي الأبرز في النمو. وفي ظل إصلاحات المالية العامة المستمرة، تراجع عجز الميزانية العامة، بشكل ملحوظ من 6.8% في 2021 إلى 1.7% من الناتج المحلي الإجمالي في 2022، وتراجع عجز المالية العامة الكلي من 11.6% إلى 6.1%، وحقق الحساب الجاري أعلى فائض منذ عقود، فبلغ 15.4% من الناتج المحلي الإجمالي في 2022، مقابل فائض 6.8% في 2021، فيما تحرص السلطات على التزامها القائم ضمن خطة الإصلاحات الموضحة في خطة التعافي الاقتصادي، واسترشدت ميزانية 2023–2024 بأهداف برنامج التوازن المالي لتخفيض عجز المالية العامة والدين الحكومي، بما في ذلك تقييد الإنفاق العام، ورفع مستويات الكفاءة وزيادة قاعدة الإيرادات غير النفطية.
وفيما أوصى «البيان»، بوضع الدين على مسار تنازلي ثابت -مع ما يؤدي إليه ذلك من تعزيز نمو احتياطات النقد الأجنبي، ويساعد في تثبيت سعر الصرف، الذي لا يزال يمثل ركيزة ملائمة للسياسة النقدية- فإن هذه التوصية ينبغي ربطها بالإجراءات التي اتخذتها «المملكة»، أثناء جائحة كورونا، والتي أدت إلى ارتفاع هذا الدين وارتفاع خدمته، وهو نفس الظرف الذي تعرضت له العديد من بلدان العالم، ما يقتضي من «صندوق النقد»، السعي إلى تفعيل مبادرة دولية، بشأن الديون وفوائدها خلال فترة مواجهة الجائحة.
وفي مارس 2020، أطلقت الحكومة البحرينية، حزمة دعم بلغت 4.3 مليار دينار بحريني، رفعتها إلى 4.5 مليارات دينار في أبريل 2021، أي ما يزيد على ثلث الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، شملت التكفل برواتب البحرينيين المؤمن عليهم في القطاع الخاص، ودفع فواتير الكهرباء والماء، والإعفاء من الرسوم البلدية، ومضاعفة حجم صندوق السيولة ليصل إلى 200 مليون دينار.
ودعما لهذه الخطوات، أطلق «مصرف البحرين المركزي»، حزمة من القرارات بشأن الديون وفوائد الديون المستحقة على الأفراد والشركات للمصارف، وإطلاق برنامج صندوق العمل لدعم استمرارية الأعمال، ودعم سائقي الأجرة والنقل والحافلات، ودفع رواتب العاملات في رياض الأطفال ودور الحضانة، فضلا عن إعفاءات رسوم هيئة تنظيم سوق العمل، وإعفاءات المنشآت السياحية من دفع رسوم السياحة، وتأجيل الأقساط الشهرية للخدمات الإسكانية، وتأجيل تحصيل الإيجارات الشهرية من المحلات التجارية، فيما حرصت الحكومة على شمول الاستفادة من هذه الحزم أكبر عدد من الأفراد والشركات في الفترة من أبريل إلى يونيو 2020، واستمرت قطاعات تستفيد من هذا الدعم من يوليو إلى سبتمبر، ومن أكتوبر إلى ديسمبر.
وفي ظل هذا الوضع، مددت «البحرين»، تاريخ هدف تحقيق التوازن المالي إلى عام 2024، بدلاً من 2022. وفي بيان مشترك «سعودي كويتي إماراتي»، جاء تأكيد دعم جهود برنامج التوازن المالي. ووفق بيانات «هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية»، فإنه خلال الربع الأول لعام 2020 انكمش الناتج المحلي الإجمالي من 3.13 مليارات دينار إلى 3.06 مليارات دينار، وفي الربع الأول لعام 2021، انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.11% بسبب تداعيات كورونا.
ومن المعلوم، أن ما حدث في البحرين حدث في عديد من دول العالم، حيث أدى الركود العالمي، وتدابير الاستجابة على مستوى السياسات الاقتصادية، إلى إحداث طفرة في ديون اقتصادات الأسواق الناشئة والصاعدة والنامية. وبالفعل، توقفت عدة بلدان عن سداد ديونها، كما واجهت بلدان أخرى منخفضة الدخل احتمال ارتفاع خطر المديونية الحرجة، وقفزت مستويات الدين العام في اقتصادات الأسواق الصاعدة إلى أعلى مستوياتها في 50 عاما، وتزايد لجوء كثير من البلدان النامية إلى الاستدانة بشروط غير ميسرة من القطاع الخاص. وبسبب تداعيات كورونا، سجل الدين العالمي، مستوى قياسيا، بلغ 281 تريليون دولار في 2020 ما يعادل 355% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، مع توسع الحكومات في الإنفاق لمواجهة هذ الآثار. وكان هذا الدين 257 تريليون دولار في 2019، أي إنه زاد بسبب الوباء، بمقدار 24 تريليون دولار وفقًا لتقارير «معهد التمويل الدولي».
وفيما يحتاج الأمر إلى «مبادرات دولية»، مع إعلان «صندوق النقد الدولي»، برنامج التمويل الطارئ بقيمة 100 مليار دولار، استفاد منه أكثر من 20 بلدًا، ومنح تخفيف عبء الدين، استفاد منها نحو 25 بلدًا؛ فقد دعا مع «البنك الدولي»، الدائنين الثنائيين لتخفيض مدفوعات خدمة الدين المستحقة على أفقر البلدان، وأنشأ خطا جديدا لتعزيز السيولة وتعديل ترتيبات الإقراض القائمة. وفي أبريل عام 2020، قررت «مجموعة العشرين»، تعليق ديون الدول الأكثر فقرًا مدة عام واحد؛ لمنح هذه الدول مساحة للتنفس وسط هذه الجائحة المستجدة. وفي نوفمبر من نفس العام اتفقت المجموعة، للمرة الأولى على إطار عمل جديد مشترك لإعادة هيكلة الديون الحكومية، بموجبه تتفاوض الدول الدائنة بشكل جماعي مع الدولة المدينة.
تأتي هذه الإجراءات، فيما يحتاج الاقتصاد العالمي إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث يحتاج إلى شطب الفوائد المستحقة على ديون فترة كورونا، بل وإمكانية شطب بعض هذه الديون نفسها من خلال مبادرة عالمية، تتبناها الأمم المتحدة، تدخل في إطار إنقاذ الاقتصاد العالمي.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، «أنطونيو غوتيريش»، سبق أن حذر في مارس 2021، من تفاقم أزمة ديون الدول النامية؛ بسبب الجائحة، بعد أن زاد عدد الدول المتخلفة عن السداد. وفي سبتمبر 2022، أكدت نائبته للتنمية المستدامة، «أمينة محمد»، أن أكثر من 15 دولة إفريقية معرضة لمواجهة ضغوط تتعلق بالدين العام والخارجي نتيجة أزمة مواجهة كورونا. وقبل يومين من اجتماع «مجموعة العشرين»، بالهند في فبراير 2023، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، إلى خفض ديون 52 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل.
وتشكل الدول المثقلة بالديون أكثر من 40% من شعوب العالم الأكثر فقرًا، ولديها مشاكل في توفير الخدمات الضرورية في ظل مواجهة أعباء خدمة الديون، فيما دعا برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى تخفيض بنسبة 30% من أرصدة الديون الخارجية القائمة لهذه الدول في عام 2021، وهو ما يمكن أن يساعد في توفير ما يقرب من 148 مليار دولار من مدفوعات خدمة الدين على مدار 8 سنوات.
وفي ظل الوضع الحالي، ومع تراكم أزمات الديون، الذي قد يعيق عددًا كبيرًا من بلدان العالم عن تحقيق الأهداف الأممية للتنمية المستدامة في مواعيدها2030؛ برزت الحاجة إلى العودة إلى طلب الأمين العام للأمم المتحدة في سبتمبر 2020، ودعوته إلى إعفاء الدول النامية ومتوسطة الدخل من الديون بسبب كورونا، وأن هذا الإعفاء يجب أن يُقدم إلى الدول التي تطلب إرجاء سداد مدفوعات الديون مع فقدها القدرة على الوصول إلى الأسواق المالية في ظل الجائحة. وبسبب الركود العالمي، فإن تخفيف الديون الهائلة لا يمكن أن يقتصر على الدول الأقل نموًا. وفي فبراير 2023، طلب «غوتيريش»، من الدول الأكثر تقدمًا، «تمويلا إضافيا»، بمقدار 500 مليار دولار سنويًا لتلبية أجندة 2030 للتنمية المستدامة، وذلك بسبب التكلفة المالية العالية للديون، والمخاطر الماثلة لتفاقم المديونية، وتحويل الإقراض قصير الأجل، إلى ديون طويلة الأجل بأسعار فائدة منخفضة.
على العموم، فإن مطالب الأمين العام للأمم المتحدة، ينبغي وضعها في إطار التحذير، الذي قدمه «صندوق النقد الدولي»، في تقريره «الراصد المالي» لعام 2022، وأشار فيه إلى ارتفاع معدلات الدين، وتأثير ذلك في تباطؤ معدلات النمو، وتزايد الفقر، وارتفاع معدلات العجز، حيث كانت نسبة الدين إلى الناتج العالمي 256%، مثّل الدين الحكومي منها أكثر من 50%، فيما فجرت أزمة ديون «الولايات المتحدة»، والخوف من عدم قدرتها على السداد؛ النقاش مجددًا عن أزمة الديون العالمية، ومن ثمّ، فإن وقوع «واشنطن» في هذه الأزمة، ينبئ بأن هذه المطالب، قد تكون هي محور اهتمام المنظمة الأممية، والوصول إلى قرار بشأنها في وقت قريب.
ومع مواجهة «الولايات المتحدة» في الوقت الحالي، أزمة التخلف عن سداد ديونها، بما يمس مكانتها في النظام الدولي، ويؤدي إلى تبعات خطيرة على الاقتصاد العالمي -في ظل أن إجمالي الإنفاق الفيدرالي فيها لمواجهة كورونا حتى مارس 2021، بلغ نحو 6 تريليونات دولار- فإن العلاقة واضحة بين هذا المبلغ، والأزمة الراهنة لسقف الدين الأمريكي، ما يعني أنه يمكن أن نجد العالم قريبا أمام توافق، بشأن أزمة الديون العالمية التي فاقمتها كورونا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك