تزايدت في الآونة الأخيرة الأخبار حول الحرب على المخدرات ومروجيها التي تشنها دول المنطقة، وبالأخص المملكة العربية السعودية بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وتنوع أشكال المواجهة من جوانب أمنية وقانونية واجتماعية وحتى سياسية.
ويتفق الجميع على أن المخدرات إحدى أبشع الحروب التي تهدم المجتمعات وتحرق ريعان شبابها، وهي من أكثر التحديات التي تعاني منها كثير من دول العالم التي يتم استهدافها من قبل تنظيمات معادية تتخذ من هذه الآفة سلاحا فتاكا يفتك بالشعوب اقتصادياً وبشرياً يُغنيها عن السلاح التقليدي، والمخدرات هي كل مادة تدخل جسم الإنسان وتتسبب في تعطيل أي من وظائفه، ومنه جميع الأدوية والعقاقير المؤثرة في الحالة الجسمية والنفسية سواء كانت سائلة أو صلبة أو غازية أو الحقن بجميع أنواعها. ووقوع الفرد في براثن هذه الآفة يعني انهيار صحته، وبالتالي لن يقوى على العمل وتقل إنتاجيته وتسوء أخلاقه ويفقد احترام الآخرين له، فيفقد مصدر رزقه وقد تؤدي إلى دخوله أبوابا أخرى كالقمار وحتى القتل والتورط في انحطاط أخلاقي وديني، ويدخل في نوبات الحزن والإحباط والضياع والتفكير بالانتحار، وبما أن الفرد يشكل أحد أركان المجتمع، فإن فساده سيؤدي إلى انهيار البناء الاجتماعي، ومع انتشار هذه الآفة تزداد قضايا الفساد ويتدنى المستوى الحضاري والعلمي والثقافي للمجتمع.
من هذا المنطلق تنبهت كثير من الحكومات إلى هذا الخطر فعملت جاهدة على محاربته وتجفيف منابعه فوضعت كافة امكاناتها للحؤول دون انتشار هذه الآفة في مجتمعاتها، بل إن بعضها يخوض حرباً خارج حدوده الجغرافية للحد من توريد هذه الآفة اللعينة. وهذا ما شهدناه في الأسابيع القليلة الماضية من قيام الطيران الأردني بتنفيذ ضربة جوية على جنوب سوريا استهدفت مصنعاً للمخدرات وقتلت المدعو مرعي الرمثان المتهم بتنفيذ عمليات شحن كبيرة لمادة الشبو عبر حدود البلدين.
في العراق وبمشاركة السعودية، مصر، إيران، لبنان، الأردن، الكويت، تركيا، ومجلس وزراء الداخلية العرب، والمكتب العربي لشؤون المخدرات والجريمة ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، عُقد في العاصمة بغداد المؤتمر الدولي الأول لمكافحة المخدرات تحت شعار «بالتعاون ووحدة الهدف نقضي على المخدرات» وذلك في الفترة من 9-10مايو 2023 لبحث الجهود الدولية للحد من ظاهرة تعاطي المخدرات وترويجها والتصدي لها من خلال تنفيذ استراتيجيات وطنية ودولية للحد من الطلب والعرض غير المشروع لهذه الآفة.
وفي البيان الختامي اتفق المشاركون على ضرورة اتباع منهج تشاركي للتصدي للمخدرات، من خلال التعاون والتخطيط الاستراتيجي المشترك بين أجهزة مكافحة المخدرات إقليمياً وعالمياً لملاحقة المتورطين بجرائم الاتجار بالمخدرات وضرب خطوط التهريب العابرة للحدود، وتبادل الزيارات الميدانية لرؤساء أجهزة مكافحة المخدرات من خلال إنشاء مكاتب اتصال وتعيين ضباط ارتباط في هذا المجال بين الدول العربية والإقليمية لتسهيل وتسريع آلية جمع الأدلة وتبادل المعلومات المتعلقة بعصابات الاتجار بالمخدرات الإجرامية وتطوير إجراءات الملاحقة والمواجهة والتنسيق المشترك في عمليات التفتيش والتحري عن عمليات التهريب والجرائم المرتبطة بها، بالإضافة إلى ضرورة فرض رقابة مشددة على استيراد وتصدير وبيع السلائف والكيمياويات التي يكثر استخدامها في صنع المخدرات على المستوى الوطني والإقليمي وتعقب الأشخاص المتورطين في تسريب هذه السلائف وصنعها وملاحقتهم قضائياً لينالوا جزاءهم العادل. وفي خط موازٍ لا بد من تنفيذ برامج وحملات إعلامية هادفة، واستثمار وفرة القنوات الفضائية في مجال التوعية الإعلامية ومشاركة مشاهير التواصل الاجتماعي في توحيد الرسالة الإعلامية من أجل مكافحة المخدرات والحد من انتشارها وتعاطيها، ولعلي اركز على هذه الجزئية المهمة المتعلقة بدور الإعلام في محاربة الترويج لهذه السموم القاتلة، فهل تفلح الجهود العربية في محاربة المخدرات والاتجار بها؟!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك