بعد حوار امتد ثلاثة أعوام منذ عام 2006، نشأت مجموعة «بريكس»، في 2009 بأربع دول؛ هي «البرازيل، وروسيا، والهند، والصين»، وبعد عام انضمت إليها جنوب إفريقيا، ويرجع هذا المسمى إلى «جيم أونل»، الخبير الاقتصادي بجولدمان ساكس، الذي أطلقه أول مرة عام 2001، معبرا عن أول حرف من كل دولة من هذه الدول الخمس، التي تشكل 41% من إجمالي سكان العالم، ومساحتها نحو 29% من مساحة العالم، وكل الدول المشكلة لها أعضاء في «مجموعة العشرين»، التي تتكون من أقوى اقتصادات العالم.
ومنذ نشأة المجموعة، كان ناتجها القومي الإجمالي نحو 10 تريليونات دولار؛ أي نحو 12% من الناتج القومي العالمي، أما اليوم فإن ناتجها يناهز 27 تريليون دولار، أي نحو 25% من الناتج القومي العالمي، وهو بذلك يقترب من الناتج القومي لمجموعة السبع، البالغ نحو 34 تريليون دولار. وتشير التوقعات إلى أنه خلال العقد القادم، سيزيد الناتج القومي لها إلى 50% من الناتج القومي العالمي، في حين لديها سوق يبلغ قوامه 3,2 مليارات نسمة، مقابل 987 مليون نسمة هم سكان الدول السبع.
ومن البداية، تسعى «بريكس»، لأن يكون لها «صوت مسموع»، في المجتمع الدولي، وتأثير الدول الغربية في «صندوق النقد»، و«البنك» الدوليين، وخاصة أن من بين أعضائها، ثاني وخامس اقتصاد في العالم، «الصين»، و«الهند» على التوالي. وعليه، سعت في بنائها المؤسسي، أن يكون لديها مؤسسات بديلة أو موازية لمؤسسات قائمة في النظام الاقتصادي العالمي.
وأثناء اجتماع زعمائها في مدينة «دوربان»، بجنوب إفريقيا في مارس 2013، وافقوا على إنشاء «صندوق طوارئ»، بقيمة 100 مليار دولار، لمحاربة الأزمات الناتجة عن ارتفاع أسعار العملات، والسياسات النقدية، التي تؤدي إلى حرب عملات. وتسهم «الصين»، في هذا الصندوق، بمبلغ 41 مليار دولار، فيما تسهم كل من روسيا والبرازيل والهند بـ18 مليار دولار، وجنوب إفريقيا بـ5 مليارات دولار. ويساعد هذا الصندوق الدول النامية، على تجنب ضغوط السيولة القصيرة الأجل، ودعم التعاون بين دول بريكس وتعزيز شبكة الأمان العالمية.
ودعما لهذه الخطوات، أنشأت قمتها السادسة في مدينة «فورتا ليزا البرازيلية»، في يوليو 2014، «بنك التنمية الجديد»، ومقره «شنغهاي»، موازيًا للبنك الدولي، برأسمال 100 مليار دولار، بحصص متساوية بين الدول الخمس؛ بهدف دعم مشاريع البنى التحتية في هذه الدول، ومشروعات التنمية المستدامة. وخلال سبع سنوات، دعم البنك 90 مشروعا، بأكثر من 32 مليار دولار، فيما يعد خطوة مؤسسية نحو إنشاء نظام عالمي جديد يحرر العالم من قيود المنظمات القائمة، وتأثيرها وتحكمها في السياسات الدولية، وقد حازت «الإمارات»، عضويته من سبتمبر 2021. وفي 22 مارس 2023 غدت «مصر»، عضوًا جديدًا فيه. وفي مارس 23 أيضًا انتخب مجلس محافظي البنك، رئيسة البرازيل السابقة «ديلما روسيف» رئيسة جديدة له.
ومن الملاحظ، أن «البريكس»، تعقد اجتماعاتها بالتزامن مع انعقاد اجتماعات «مجموعة السبع»، و«حلف الناتو»، لتأخذ مواقف مغايرة لهذه التجمعات، كالموقف من اعتبار «الصين»، تحديا أمنيا، والموقف من الحرب الروسية الأوكرانية. فيما استفادت المجموعة من العقوبات الغربية على روسيا، في حصولها على النفط الروسي بأسعار منخفضة. وفي اجتماعها في يونيو2023، ذكر الرئيس «بوتين»، أن تجارة روسيا مع دول التكتل، قد زادت بنسبة 38%.
وعلى الرغم من وجود بعض الخلافات القائمة بين أعضائها، خاصة بين «الصين»، و«الهند»، فإن وحدة التحديات التي تقابلها قد أضعفت تأثير هذه الخلافات، وبرغم وجود شرط الإجماع لقبول أي دولة عضوًا جديدًا، فإن دولاً كثيرة باتت تتطلع الى هذه العضوية. وفيما حصلت «الجزائر»، على موافقة روسيا والصين وجنوب إفريقيا، فإن الرئيس الجزائري أعلن في ديسمبر 2022، عن أمله بأن يتوج عام 2023، بدخول بلاده تلك المجموعة. وبالفعل تقدمت بلاده بطلب رسمي في نوفمبر 2022. وفي سبتمبر من العام الماضي، أعلنت الخارجية الروسية أن هناك 15 دولة مهتمة بالانضمام إلى «بريكس»، من بينها الجزائر ومصر.
من جهتها، تحاول «الصين»، توسيع هذا التكتل -الذي يبدو اقتصاديا في الأساس- عبر توجيه الدعوة في 25 مايو 2022، إلى عدة دول؛ من بينها «السعودية، والإمارات، ومصر»، لما سُمي «بريكس بلس»، وقد بدأ التحضير لمشاوراتها ممثلون عن الأرجنتين، ومصر، وإندونيسيا، وكازاخستان، ونيجيريا، والإمارات، والسعودية، والسنغال، وتايلاند، وهي الدول التي تعتبر أعضاء محتملين في بريكس.
وفيما أكدت «الصين»، أن هذا التوسع في العضوية «يدعم المساهمة والمنافع المشتركة والانفتاح والشمول في مقابل الانغلاق والإقصاء»، فقد دعت إلى «التمسك بقوة النظام الدولي، وفي مقدمته «الأمم المتحدة»، وأن توسيع عضوية «بريكس»، «يدعم التنمية العالمية، ويجعل إنجازاتها تعود بالنفع على أكبر عدد ممكن من الدول النامية». وفي اجتماعها 2، 3 يونيو القادم، تنظر المجموعة في توسيع نطاق العضوية، حيث تقدمت 13 دولة بطلب رسمي، منها «البحرين»، حيث تسعى بشكل مستمر لإقامة علاقات تجارية أوثق بين الأعضاء من خلال الاتفاقات بين بنوك التنمية، واتفاقات مبادلة العملات، وزيادة التجارة بينهم بالعملات المحلية لتقليل الاعتماد على الدولار.
وتتمثل الفوائد المحتملة لانضمام الدول الخليجية، في زيادة الفرص التجارية، حيث يمكن أن تصبح السعودية والإمارات، «لاعبين رئيسيين»، في تجارة الطاقة داخل الكتلة، التي تهيمن بالفعل على الاستهلاك العالمي للنفط والغاز، بنسبة 30% و22% من الإجمالي العالمي، كما يتيح انضمامها، فرصة تنويع علاقاتها الاقتصادية، وفتح أسواق جديدة، وزيادة الاستقرار الاقتصادي.
ويعزز انضمام دول الخليج لهذه الكتلة، مكانتها في سوق الطاقة؛ ما يفتح آفاقا كبيرة للتعاون الاستراتيجي في المشاريع المشتركة للتنقيب والإنتاج وآليات التداول، كما أن انضمامها إلى «بنك التنمية الجديد»، يوسع موارده، ويزيد من قوته، علمًا بأن عائد سنداته أصبح أعلى بنسبة 100 نقطة أساس عن مثيلاتها في البنك الدولي، كما يعزز الموقع الاستراتيجي للدول الخليجية والمشاريع التي تحويها رؤاها المستقبلية وضعها كوجهة مفضلة للاستثمار من قبل «بريكس»، فضلاً عن أن قوة العلاقة بين دول الخليج والمجموعة تدعم وصول الصادرات الخليجية غير النفطية إلى أكبر الأسواق العالمية سكانًا، ما يعزز من نمو هذه الصادرات.
ومن المعلوم، أن «السعودية»، انضمت في مارس 2023، كشريك حوار إلى «منظمة شنغهاي للتعاون» -وهي منظمة ذات طابع اقتصادي وأمني، تضم إلى جانب الصين، روسيا والهند وباكستان وكازاخستان ودول الاتحاد السوفيتي السابقة في وسط آسيا- وصفة شريك الحوار هي الممهدة للعضوية الكاملة. أما «الإمارات»، فإن حجم تجارتها السنوية غير النفطية مع دول المجموعة، يبلغ نحو 93 مليار دولار، أي نحو 20% من إجمالي هذه التجارة، كما تحتل مرتبة متقدمة في قائمة أكبر الشركاء التجاريين للمجموعة -التي تستأثر بنحو ثلث صادرات الإمارات النفطية- كما تعد «أبو ظبي»، «شريكًا تجاريا مهما»، في المجال غير النفطي لها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا -لاسيما بالنسبة للصين والهند وروسيا- إلى جانب التبادل السياحي مع هذه الدول والعدد الكبير لشركاتها لديها.
وبهذا المعنى، فإن انضمام دول الخليج إلى «بريكس»، يضيف قوة اقتصادية تدعم مسعى هذا التكتل لإحداث التوازن في الاقتصاد العالمي الذي يعاد تشكيله الآن، حيث تريد هذه المجموعة أن تكون حاضرة ولها صوتها في إعادة تشكيل التوازن الدولي، من دون أن تكون قيادته حكرًا على قوة معينة كما هو قائم حاليًا، ولا يكون الاقتصاد العالمي رهنًا بعملة واحدة، تديرها سياسات دولة واحدة، وتكون عملتها هي سيدة العملات.
وعليه، فإن قمة «بريكس»، المقبلة سيكون على طاولتها، موضوع إنشاء عملة موحدة لها، وقد يعجل التوسع في عضويتها إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، وما تبعها من عقوبات غربية على روسيا دفعتها إلى البحث عن آليات جديدة للتخلص من الهيمنة الغربية. وشجع تراجع دور «الولايات المتحدة»، إزاء المصالح العربية على إقبال هذه الدول على طلب الانضمام إلى المجموعة، مع تنامي المصالح المشتركة لكليهما، كما دفع إلى ذلك أيضًا زيادة التعامل الاقتصادي والتجاري الخليجي بشكل كبير مع التكتل.
من ناحية أخرى، تتقاطع العضوية المرتقبة للسعودية في «بريكس»، مع عضويتها في «مجموعة العشرين»، التي تأسست عام 1999، بمبادرة من مجموعة السبع الكبرى، لتضم مجموعة الدول الصناعية والدول الناشئة؛ بهدف مواجهة الأزمات المالية. وتمثل هذه المجموعة ثلثي سكان العالم و90% من إجمالي الناتج القومي العالمي، و80% من حجم التجارة العالمية، وقد سجل دخول «الرياض»، إليها «اعترافًا دوليا»، بقوة مكانتها في الاقتصاد الدولي، كما أن عضويتها فيها زادت قوة تأثيرها الاقتصادي والسياسي.
وتعد «بريكس»، أكبر مجموعة اتجه العرب إليها بعد الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، وقد أعاد هذا الاتجاه إلى السطح من جديد مشروع السوق العربية المشتركة، خلال اجتماع لجنة الشؤون الاقتصادية والمالية للبرلمان العربي في القاهرة في 29 أبريل 2023، والتي حال دونها ما تعرضت له المنطقة العربية من مشاكل عدم استقرار سياسي طالت علاقاتها الاقتصادية البينية، وربما كان الأقرب إلى ذلك والأيسر هو السوق الخليجية المشتركة.
ولا تعني قوة علاقات السعودية ودول الخليج بالولايات المتحدة والغرب عمومًا، سواء كانت اقتصادية أو أمنية، قيدًا على ولوج هذه الدول لتجمع بريكس، إذ إن من بين مؤسسي هذا التجمع «الهند»، ذات العلاقة القوية بواشنطن والغرب، كما أن هناك تجمعات أخرى تجمع هذه الدول بالغرب كمجموعة العشرين؛ لكن هذا التوجه الخليجي، يعكس توازن علاقاتها الخارجية، وتوسيع الفرص وتعزيز التحوط إزاء المخاطر، ومما هو جدير بالذكر أن الشريك الرئيسي الاقتصادي لأطراف بريكس، مازال هو الغرب إلى الآن، فحجم التجارة بين «الصين»، و«الولايات المتحدة»، يناهز 700 مليار دولار، مقابل 196 مليار دولار تجارة «بكين»، مع المجموعة، كما أن عدد الشركات الصينية المدرجة في الأسواق المالية الأمريكية، يبلغ نحو 252 شركة قيمتها السوقية أكثر من تريليون دولار، وتستحوذ الصين على أكبر احتياطات دولار في العالم، بقيمة تبلغ نحو 3,13 تريليونات دولار.
على العموم، فإن انضمام كل من السعودية، والإمارات، والبحرين، مع دول عربية أخرى في مقدمتها مصر، والجزائر، وتونس؛ يعني قراءة في المستقبل، وتعزيز مواطن القوة لدى هذه الدول، والسعي المبكر للاستفادة من الفرص، خاصة وأنها تسعى إلى تنويع اقتصاداتها وتقليل الفجوة بينها وبين العالم المتقدم.
وعلى وجه الخصوص، يعني انضمام دول الخليج تصاعد دورها في النظام الدولي، بعد أن بات حضورها ملموسًا في كثير من الملفات الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة، استنادًا إلى قوتها الاقتصادية والمالية، بإجمالي ناتج نحو 1,7 تريليون دولار في المرتبة 12 عالميًا، وشبكة علاقاتها الواسعة التي أقامتها، وما تتمتع به من توازن وحكمة في إدارة هذه العلاقات، واستضافتها للعديد من الفعاليات الإقليمية والدولية، وبروز دورها في ملفات مهمة كالحرب الروسية الأوكرانية، وقضية المناخ، وتنويع مصادر الطاقة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك