العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

مقال رئيس التحرير

أنـــور عبدالرحمــــــن

ما بين الممكن والمأمول!

ليس‭ ‬بالعمل‭ ‬البرلماني‭ ‬نظرية‭ ‬الفوز‭ ‬بإسكات‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر،‭ ‬ولكن‭ ‬بمناقشات‭ ‬منطقية‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬العقل‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬الأبجديات‭ ‬الضرورية‭ ‬لفهم‭ ‬الحقائق‭ ‬هو‭ ‬الإحساس‭ ‬أولا‭ ‬بها،‭ ‬وأن‭ ‬يمتلك‭ ‬المرء‭ ‬القدرة‭ ‬المعرفية‭ ‬والحكمة‭ ‬في‭ ‬تنوير‭ ‬الموضوع‭ ‬للرأي‭ ‬العام‭.‬

وجاءت‭ ‬كلمات‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬المعظم‭ ‬خلال‭ ‬جلسة‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬أمس‭ ‬لتؤكد‭ ‬أن‭ ‬نجاحات‭ ‬المسيرة‭ ‬الوطنية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتحقق‭ ‬إلا‭ ‬بتعاون‭ ‬السلطتين‭ ‬التنفيذية‭ ‬والتشريعية،‭ ‬في‭ ‬رسالة‭ ‬واضحة‭ ‬للجانبين‭ ‬بأهمية‭ ‬استمرار‭ ‬العمل‭ ‬وبذل‭ ‬العطاء‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬الاستدامة‭ ‬المالية‭ ‬والنمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الذي‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬خلق‭ ‬الفرص‭ ‬النوعية‭ ‬للمواطنين‭.‬

اليوم‭ ‬أمام‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬الموقر‭ ‬قرار‭ ‬التصويت‭ ‬على‭ ‬التوافقات‭ ‬التي‭ ‬تمت‭ ‬بين‭ ‬السلطتين‭ ‬التنفيذية‭ ‬والتشريعية‭ ‬حول‭ ‬مشروع‭ ‬الميزانية‭ ‬الجديدة،‭ ‬التي‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬ترضي‭ ‬طموح‭ ‬كل‭ ‬مواطن،‭ ‬ولكن‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬صرحاء‭ ‬مع‭ ‬أنفسنا،‭ ‬وأن‭ ‬نوازن‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مأمول‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬ممكن‭.‬

الرسالة‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬الحكومة‭ ‬والنواب‭ ‬معا،‭ ‬فالنواب‭ ‬الذين‭ ‬يبالغون‭ ‬في‭ ‬مطالبهم‭ ‬ويستغلون‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لممارسة‭ ‬الضغوط‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الحكومي‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يدركوا‭ ‬حقائق‭ ‬الأمور،‭ ‬وهي‭ ‬مسؤولية‭ ‬كانت‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬المعنيين‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬التنفيذية،‭ ‬الذين‭ ‬يجب‭ ‬عليهم‭ ‬تقديم‭ ‬شروحات‭ ‬وافية‭ ‬عن‭ ‬الأوضاع‭ ‬المالية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬للمملكة،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬المحلي‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي،‭ ‬وما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬وتأثيرات‭ ‬على‭ ‬الشأن‭ ‬الداخلي‭.‬

الطرح‭ ‬الذي‭ ‬توصل‭ ‬إليه‭ ‬الجانبان‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬طياته‭ ‬بنودا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يدركها‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬فإذا‭ ‬كنا‭ ‬نبحث‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬زيادات‭ ‬في‭ ‬الرواتب‭ ‬والمعاشات،‭ ‬وهو‭ ‬حق‭ ‬مشروع‭ ‬للمواطن‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التحديات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الراهنة،‭ ‬فلا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة؛‭ ‬لأن‭ ‬مبالغ‭ ‬الزيادات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬إعلانها‭ ‬سوف‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬في‭ ‬عجز‭ ‬الميزانية‭ ‬بقيمة‭ ‬110‭ ‬ملايين‭ ‬دينار‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬عامي‭ ‬2023‭ ‬و2024‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬سقف‭ ‬الدين‭ ‬العام‭ ‬بقيمة‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬إضافية،‭ ‬والجميع‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬حجم‭ ‬الدين‭ ‬العام‭ ‬للبحرين‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬‮١٦‬٫‮٧‬‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬حاليا‭.‬

لذا‭ ‬فإنه‭ ‬مع‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬الميزانية‭ ‬الجديدة‭ ‬يجب‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬وسائل‭ ‬أخرى‭ ‬لتنمية‭ ‬إيرادات‭ ‬الدولة‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تبقى‭ ‬الإيرادات‭ ‬النفطية‭ ‬هي‭ ‬المورد‭ ‬الرئيسي‭ ‬لتمويل‭ ‬الميزانية‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الجهد‭ ‬المبذول‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬لتنويع‭ ‬مصادر‭ ‬الدخل،‭ ‬لكن‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نقر‭ ‬بضرورة‭ ‬بذل‭ ‬المزيد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه،‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬الحلول‭ ‬السهلة‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬الرسوم‭ ‬فحسب،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬جذب‭ ‬استثمارات‭ ‬حقيقية‭ ‬ونوعية‭ ‬تدر‭ ‬قيمة‭ ‬مضافة‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وتخلق‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬المنشودة‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭.‬

مجلس‭ ‬النواب‭ ‬مسؤول‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬مساعدة‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬تهيئة‭ ‬بيئة‭ ‬جاذبة‭ ‬للاستثمار‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تشريعات‭ ‬تشجع‭ ‬المستثمرين‭ ‬الحقيقيين‭ - ‬المنتجين‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مجالات‭ ‬الصناعة‭ ‬والزراعة‭ ‬وتكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ - ‬على‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬السوق‭ ‬البحريني،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬رسم‭ ‬خريطة‭ ‬استثمارية‭ ‬واضحة‭ ‬لمعالم‭ ‬ومجالات‭ ‬الاستثمار‭ ‬التي‭ ‬تؤهل‭ ‬المملكة‭ ‬للمنافسة‭ ‬الإقليمية‭ ‬والعالمية‭.‬

جميع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬تتنافس‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬جذب‭ ‬رؤوس‭ ‬الأموال‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬حدب‭ ‬وصوب،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يدفع‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يفضل‭ ‬سوقا‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬سوق‭ ‬آخر؟

كلمة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬أقولها،‭ ‬يا‭ ‬حضرات‭ ‬النواب‭ ‬الأفاضل؛‭ ‬عليكم‭ ‬أن‭ ‬تعلموا‭ ‬أن‭ ‬البيروقراطية‭ ‬الرسمية‭ ‬تفتقد‭ ‬المفكرين‭ ‬الذين‭ ‬يتحلون‭ ‬ببعد‭ ‬النظر‭ ‬والذين‭ ‬يرشدون‭ ‬رؤساءهم‭ ‬بالضروريات‭ ‬التي‭ ‬نحتاج‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مجتمع‭ ‬منتج،‭ ‬كما‭ ‬مرت‭ ‬مجتمعات‭ ‬أخرى‭ ‬بهذه‭ ‬التجارب‭ ‬ونجحت‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬ولنا‭ ‬في‭ ‬هونج‭ ‬كونج‭ ‬وسنغافورة‭ ‬مثلا‭ ‬جليا،‭ ‬فهما‭ ‬دولتان‭ ‬وصلتا‭ ‬إلى‭ ‬آفاق‭ ‬متطورة‭ ‬اقتصاديا‭ ‬رغم‭ ‬أنهما‭ ‬لا‭ ‬تمتلكان‭ ‬أيا‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬الخام،‭ ‬فهل‭ ‬فيكم‭ ‬أنتم‭ ‬يا‭ ‬حضرات‭ ‬النواب‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬علم‭ ‬بهذه‭ ‬الحقائق،‭ ‬وهل‭ ‬قدم‭ ‬النواب‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬الحوار‭ ‬مع‭ ‬الجانب‭ ‬الحكومي‭ ‬أي‭ ‬أفكار‭ ‬غير‭ ‬تقليدية‭ ‬لإرشاد‭ ‬المسؤولين‭ ‬بوسائل‭ ‬جديدة‭ ‬لترشيد‭ ‬الإنفاق‭ ‬الحكومي‭ ‬أو‭ ‬زيادة‭ ‬إيرادات‭ ‬الدولة‭ ‬غير‭ ‬النفطية؟

أقول‭ ‬هذا‭ ‬ونحن‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬عاصر‭ ‬بدايات‭ ‬نهضة‭ ‬البحرين،‭ ‬إذ‭ ‬حرص‭ ‬كل‭ ‬منا‭ ‬على‭ ‬سلك‭ ‬طرق‭ ‬مبتكرة‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬التجارة‭ ‬والصناعة‭ ‬ظلت‭ ‬باقية‭ ‬وشاهدة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬البدايات‭ ‬التي‭ ‬تميزت‭ ‬بها‭ ‬البحرين‭ ‬على‭ ‬أقرانها،‭ ‬وأهمس‭ ‬في‭ ‬آذان‭ ‬أبناء‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد؛‭ ‬عليكم‭ ‬بالإبداع‭ ‬والابتكار‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬القطاعات،‭ ‬وإدراك‭ ‬أن‭ ‬المستقبل‭ ‬محفوف‭ ‬بتحديات‭ ‬ليست‭ ‬باليسيرة،‭ ‬وأن‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتخلى‭ ‬عن‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الحلول‭ ‬التقليدية‭ ‬لمواجهتها‭.‬

إقرأ أيضا لـ"أنـــور عبدالرحمــــــن"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا