في منتصف أبريل 2023، شهدت العاصمة السودانية «الخرطوم»، مواجهات عنيفة بين الفصائل المسلحة المتناحرة، والتي سبقتها فترة من عدم الاستقرار السياسي، أعقبت الإطاحة بالرئيس عمر البشير من السلطة عام 2019. وشبّه «أليكس دي وال»، من «جامعة تافتس»، هذا الصراع المتصاعد بـ«تبادل إطلاق النار بين عصابات»، مشيرا إلى أن معظم الحكومات في العالم، «تنأى بنفسها عنه»، بدلا من السعي إلى وقف التصعيد.
وفي حين، أقر «دي وال»، بعدم «وجود قوة دولية تريد اندلاع هذه الحرب؛ فإن الدور الذي لعبته المنافسة بين القوى الخارجية، بما في ذلك «الولايات المتحدة»، و«روسيا»، في زيادة عدم الاستقرار السياسي بالسودان في السنوات الأخيرة؛ أشار إليه المراقبون، كعامل رئيسي لعدم الاستقرار. وتعرضت «الولايات المتحدة»، بالإضافة إلى دول غربية أخرى، مثل «المملكة المتحدة»، و«فرنسا»، لانتقادات بسبب رد فعلها اللاحق على اندلاع العنف، لا سيما فيما يتعلق بمدى الاهتمام الفوري بعمليات إجلاء محدودة لرعاياها، ومواطني دول حليفة، بدلاً من بذل جهود دبلوماسية عاجلة للتوصل إلى حل سلمي لإنهاء الصراع.
ومع تعثر الجهود الغربية نحو السلام، برزت «دول الخليج»، وعلى الأخص، «السعودية»، و«الإمارات»، كقوى إقليمية ودولية من خلال جهود دبلوماسية لمحاولة دفع الجانبين إلى «تسوية تفاوضية». وكتب «جورجيو كافيرو»، من شركة «جلف ستيت أناليتيكس»، أن «المكانة الفريدة للرياض في العالم العربي»، تمنحها «دورًا دبلوماسيًا خاصًا تلعبه» في السودان.
وبالفعل، استضافت المملكة المفاوضات بين المسؤولين في جدة. وبينما لا يزال التوصل إلى حل رسمي للصراع «بعيد المنال»، بحسب عديد من المحللين؛ فإن «الرياض»، تبدو الوسيط الأفضل، الذي يمكن من خلاله تحقيق السلام. وإذا حدث ذلك، فمن المؤكد أنه سيصقل سمعتها كداعم إقليمي لخفض التصعيد، والتعاون والمشاركة الدبلوماسية.
ويدور الخلاف في السودان حاليا بين فصيلين، الأول بقيادة «عبد الفتاح البرهان»، قائد الجيش السوداني والثاني بقيادة «محمد حمدان دقلو»، قائد قوات الدعم السريع. وإلى جانب الاختلافات حول مستقبل الدولة؛ رأت «زينب ريبوا»، من «معهد هدسون»، أن التنافس بينهما يرجع إلى انحدارهما من مناطق متباينة جغرافيا وثقافيا.
ومع استشهاد «المجلس الأطلسي»، بكيفية قيام القائدين «بإدارة السودان معًا منذ انقلاب2021، الذي حل الحكومة الانتقالية التي تم تشكيلها بعد الاحتجاجات السلمية المؤيدة للديمقراطية»، فليس من المفاجئ أن يسعى الآن كلا الطرفين إلى «بسط سيطرته الكاملة» على البلاد، في منافسة عنيفة أسفرت عن مقتل مئات المدنيين، ودفعت البلاد نحو حافة أزمة إنسانية هائلة».
ووفقًا لـ«بول ديلون»، من «المنظمة الدولية للهجرة»، التابعة للأمم المتحدة، فإن أكثر من 700.000 نزحوا داخليًا، بسبب الصراع حتى الآن، إضافة إلى وجود 3.7 ملايين نازح داخليًا قبل القتال. وفي حين أن «منظمة الصحة العالمية»، قد تحدثت عن وجود ما لا يقل عن 600 حالة وفاة، وأكثر من 5000 إصابة، فقد أقرت «الأمم المتحدة»، بأن الأرقام الحقيقية من المرجح أن تكون أفدح بكثير. ومع دعم كل من «البرهان»، و«دقلو»، من قبل مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة الخارجية في إفريقيا والشرق الأوسط؛ حذرت «ريبوا»، من أن الوضع في السودان «يهدد بأن يصبح ليبيا أخرى؛ وحربا أهلية، لا نهاية لها بين الفصائل المدعومة من الخارج».
وعند النظر في كيفية التوسط لإنهاء هذا العنف والتوصل إلى حل سلمي، من المهم تسليط الضوء على كيف تم الاستشهاد بمنافسات القوى العظمى في إفريقيا، كأسباب لعدم الاستقرار الحالي، وبالتالي، فإن توقع مشاركة جادة من قبل «واشنطن»، و«موسكو»، و«بكين»، لحل هذه الأزمة، يعد «احتمالا غير مرجح»، ما يستلزم مشاركة الجهات الفاعلة الأخرى.
وفي حالة «الولايات المتحدة»، تم انتقاد سعيها منذ فترة طويلة لإحداث تغيير سياسي في السودان. وأبرز «دي وال»، كيف سعت إدارة «جورج بوش الابن»، إلى «إزاحة البشير من السلطة». وفي حين أن الإطاحة به في نهاية المطاف «بدت وكأنها فرصة نادرة»، لتحقيق تغيير سياسي غير عنيف؛ فقد ثبت أن الدعم الغربي اللاحق لمناصري الديمقراطية في البلاد كان «غير صادق»، حيث وقفت «واشنطن»، وحلفاؤها الأوروبيون «إلى حد كبير موقف المتفرج»، فيما أعاد الجنرالات المتنافسون الحكم العسكري إلى البلاد.
وعلى الرغم من أن «ميشيل جافين»، من «مجلس العلاقات الخارجية»، أصرت على أن المسؤولية عن تصاعد العنف والدمار في السودان؛ تقع بشكل مباشر على عاتق الفصائل المتناحرة، وليس على عاتق الحكومات الغربية «التي حاولت إقناعهم» بالمضي إلى حكم مدني، وإن كان غير فعال»؛ فقد أشار «روبي جرامر»، و«جاك ديتش»، في مجلة «فورين بوليسي»، إلى فشل الجهود الدبلوماسية الغربية لحل الخلاف على السلطة بين «البرهان» و«دقلو»، حيث اجتمع الوسطاء الأمريكيون والبريطانيون مع كلا القائدين للتوصل إلى اتفاق سياسي بشأن حكومة جديدة لإعادة البلاد إلى مسار التحول الديمقراطي».
علاوة على ذلك، تم انتقاد طريقة تعامل «إدارة بايدن»، مع الأزمة منذ اندلاع العنف. وسلط «جرامر»، و«ديتش»، الضوء على كيف أدى إجلاء الموظفين والدبلوماسيين الأمريكيين في أواخر أبريل، إلى ترك حوالي 16.000 أمريكي في البلاد في وقت وصل فيه العنف إلى ذروته في الخرطوم». وبالتالي، أثار تساؤلات، حول «ما إذا كان مسؤولو البيت الأبيض، قد استجابوا بشكل صحيح للتحذيرات واسعة النطاق من احتمال اندلاع القتال في الأسابيع السابقة».
في غضون ذلك، أشارت «ريبوا»، إلى أن «الرأي السائد» في «واشنطن»، يميل الآن نحو «معاقبة السودان لفرض انتقال ديمقراطي»، بدلاً من استخدام الدبلوماسية الحذرة لإغراء كلا الجانبين على طاولة المفاوضات». من جانبه، حث السناتور الجمهوري بالكونجرس «جيم ريش»، «إدارة بايدن»، على معاقبة كل من «البرهان»، و«دقلو»، وكذلك «الحد من تأثير الجهات الخارجية»، التي تقدم الدعم للجانبين، كما هدد الرئيس الأمريكي، «جو بايدن»، بفرض عقوبات ضد أولئك الذين يعتبرهم البيت الأبيض «يهددون السلام والأمن والاستقرار في السودان»، وكذلك «يقوضون التحول الديمقراطي» في البلاد.
ومع ذلك، انتقدت «ريبوا»، هذا الحماس من جانب «الولايات المتحدة»، لاستخدام العقوبات لإكراه الآخرين على اتباع إرادتها. ورأت بدلاً من ذلك أن «الطريقة الوحيدة لرفع مكانتها في بؤرة الصراع»، هي العمل مباشرةً، جنبًا إلى جنب مع الحلفاء الذين يمكنهم «التفاوض بشأن وقف إطلاق النار»، الذي لا تستطيع هي نفسها القيام به. وعليه، أوضحت أنه يمكن لشركاء «واشنطن»، في الشرق الأوسط «المساعدة في منع السودان من أن يصبح ليبيا أخرى»، من خلال إصدار عقوبات ضد دول في المنطقة اعتبرها «البيت الأبيض»، متورطة في دعم منافسيه في السودان، ولكن قد يؤدي ذلك إلى «عزلة» دول، قد يكون تعاونها «ضروريًا للتعامل مع الأزمة وتقليل التوترات».
من ناحية أخرى، تعمل «روسيا»، إلى جانب «الصين»، في إفريقيا؛ «لتقويض النظام الذي تقوده واشنطن» من خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية «سيرجي لافروف»، في فبراير 2023 للخرطوم؛ ولكون التدخل في السودان «يوفر بوابة»، لبوتين لتعزيز العلاقات الروسية في القارة الإفريقية، عبر «دعمه بذكاء كلا الجانبين» في الصراع الحالي.
وعلى الرغم من التعقيدات المرتبطة بأيديولوجيات القوى العظمى، ومصالحها الخاصة، والمنافسة التي تعيق احتمالية المشاركة الدبلوماسية الهادفة للولايات المتحدة أو روسيا؛ فقد شكلت كل من «السعودية»، و«الإمارات»، و«مصر»، «جبهة موحدة»، قادرة على دفع المفاوضات الدبلوماسية، لحل الصراع على السلطة بين «البرهان» و«دقلو»، قدمًا. وأوضحت شبكة «رويترز»، أن المحادثات المستأنفة في منتصف شهر مايو الجاري، التي استضافتها جدة، من المقرر أن تناقش «سبل تنفيذ الاتفاق الحالي»، ثم الانتقال إلى «وقف إطلاق نار دائم، يمكن أن يمهد الطريق لحكومة مدنية. في حين، تُظهر استضافة «الرياض» لهذه المحادثات -التي أقرتها الأمم المتحدة أيضًا- بشكل متزايد قدرتها على لعب دور دبلوماسي رائد في العالم العربي».
من جانبه، أشار «جيسون بيرك»، في صحيفة «الجارديان»، إلى أنه على الرغم من الاتفاق على سلسلة من الهدنات منذ اندلاع القتال، فإنه «لم يتم الالتزام بأي منها» فترة طويلة من الزمن، واستمر القتال فيما بعد وتصاعد. ومع فشل جميع الجهود المبذولة لدمج الجيش السوداني مع قوات الدعم السريع؛ بسبب الخلافات السياسية، قبل الوصول إلى حرب أهلية، هناك «نافذة صغيرة» من الفرص المتاحة للولايات المتحدة والسعودية للضغط من أجل «هدنة أكثر جوهرية، مستندة على أسس إنسانية»، والتي يمكن أن تكون بمثابة أساس للحوار.
وعليه، دعا «توماس واريك»، من «المجلس الأطلسي»، كلا من «السعودية»، و«الإمارات»، إلى جانب «الولايات المتحدة»، و«المملكة المتحدة»، إلى ممارسة «ضغوط مستمرة» على الدول التي تدعم الفصائل المتناحرة في السودان، «من أجل التوصل إلى حل سلمي يعود بالنفع على السودانيين، ويوقف القتال».
ووفقا لعديد من المحللين، فإن توقعات حدوث أمن واستقرار على المدى القريب والمتوسط في السودان، تعد «بعيدة المنال» في الوقت الحالي. وفي حين، قدرت «المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين»، نزوح 860 ألف شخص من السودان، أوضحت أن ما يزيد على 445 مليون دولار من التمويل ستكون مطلوبة لدعم الإغاثة الإنسانية حتى أكتوبر من العام الحالي.
وفي تعليقه، أكد «كلارك كوبر»، من «المجلس الأطلسي»، أن «انهيار» الأمن في السودان، سيكون له «آثار واسعة تتجاوز حدود الدول الإقليمية المجاورة»، مشيرًا إلى أن وجود صراع طويل الأمد، سيوفر «بيئة أكثر تساهلاً للجريمة المنظمة عبر الحدود»، و«الاتجار غير المشروع»، و«الإرهاب». ولعل عدم الاستقرار عبر منطقة البحر الأحمر، لا يقدم أي مكسب لدول الخليج؛ حيث إن الخرطوم وجهة مهمة للاستثمارات السعودية.
وأوضح «حسين إيبش»، من «معهد دول الخليج العربية»، أن نهاية الحرب «ستطلب مهارات دبلوماسية قوية» من كل الأطراف الدولية، بالإضافة إلى وجود «إطار عمل متعدد الأطراف يضم الأمم المتحدة، وعددا من الأفارقة لحل الأزمة السودانية». ومع إشارة «رويترز»، إلى أن أيا من جانبي الصراع، لم يُظهر «علامة على استعداده لتقديم تنازلات»؛ فإن «الأحداث على الأرض سوف تحدد نتيجة الصراع المسلح بين قوات «البرهان» و«دقلو».
على العموم، وكما أشار «رايان بوهل»، من مجموعة «ران» لاستخبارات المخاطر، فإنه «نظرًا إلى عدم تحرك أي قوى أجنبية حاليًا إلى السودان لتغيير ميزان القوى»، فمن المحتمل أن «يستمر الطرفان في القتال حتى يتم استنفادهما، أو تحقيق اختراق عسكري لأحدهما». ومع ذلك، ينبغي الإشارة إلى الجهود الدبلوماسية السعودية والخليجية الأوسع، وقدرتها على توصيل المساعدات الإنسانية، وتقليل نطاق النزاع المسلح بالمقارنة بالعديد من الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والتي فشلت حتى الآن في تأمين رعاياها بأنفسها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك