وفقًا لتقديرات «مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية»، (أونكتاد)، فإن 80% من التجارة العالمية من حيث الحجم، تتم عبر الشحن البحري، حيث وصل نقل البضائع بالحاويات وحده إلى 11 مليار طن في عام 2021. ومع كون الشرق الأوسط، منطقة وسط جغرافيا بين شرق آسيا والغرب، والخليج العربي، ورائدا عالميا في تصدير منتجات الطاقة؛ فلا شك أن حماية هذه التجارة، تمثل «هدفا استراتيجيا رئيسيا»، لدول المنطقة، والقوى الخارجية على حد سواء.
وبحسب بيانات «البنك الدولي»، بلغ إجمالي حركة موانئ الحاويات في منطقة الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، أكثر من 62 مليون سفينة عام 2021، مع مرور أكثر من 19 مليونا عبر الإمارات، و10 ملايين من السعودية، وأكثر من 37 مليونا عبر دول مجلس التعاون الخليجي، وتأتي غالبية صادرات هذه الدول من عمليات نقل الطاقة المعتمدة على الهيدروكربونات.
ومع أكثر من 100 مليون برميل من النفط يستخدمها الاقتصاد العالمي يوميا؛ أشارت «إدارة معلومات الطاقة الأمريكية»، إلى مضيق هرمز –الممر الذي يمر من خلاله الشحن التجاري بين الخليج العربي، وبحر العرب – باعتباره «أهم ممر نفطي في العالم»، حيث إن أي تهديد لهذا الممر؛ من شأنه أن «يؤدي إلى تأخيرات كبيرة في الإمدادات»؛ وبالتالي التأثير في حركة النظام المالي الدولي.
وحتى في حالة تحول الطاقة إلى منتجات أكثر اخضرارًا؛ فإن قيادة السعودية، والإمارات، وقطر، وغيرها من دول الخليج، فيما يتعلق بإنتاج «الهيدروجين»، و«الأمونيا»، تعني أن مواصلة التصدير من الخليج عن طريق البحر، سوف تظل «عنصرًا أساسيًا»، في التجارة العالمية، وبالتالي، استمرار الحاجة إلى عمليات الأمن البحري متعددة الأطراف. وبالنظر إلى هذا الواقع، يعد التقييم والاستجابة لسلسلة من التهديدات والمخاطر البحرية، ليس فقط من قبل الدول الخليجية، ولكن أيضًا من قبل القوى الخارجية؛ «إجراءً ضروريا»، لتجنب احتمال حدوث عوائق للتجارة والإنتاج العالميين.
وفي المياه المحيطة بشبه الجزيرة العربية؛ هناك سلسلة من التهديدات البحرية الشائعة. وكما أوضحت «المفوضية الأوروبية»، عبر استراتيجيتها في مجال الأمن البحري؛ فإن هذه التهديدات والمخاطر؛ تشمل «الأنشطة غير المشروعة طويلة الأمد»، مثل (القرصنة، والسطو المسلح، وتهريب الأسلحة والمخدرات، والاتجار بالبشر والإرهاب)، فضلا عن التهديدات الجديدة والمتطورة، مثل (تزايد المنافسة الجيوسياسية، وتغير المناخ، والهجمات الهجينة والسيبرانية). وبشكل خاص، هناك مخاطر تتعلق بالهجمات المرتبطة بإيران ضد السفن التجارية، باستخدام الطائرات «المُسيرة»، وشحنها غير المشروع للأسلحة إلى وكلائها في المنطقة، والاتجار في المخدرات، عبر بحر العرب.
ووفقا لـ«يوناردو مازوكو»، من «معهد الشرق الأوسط»، فإن المياه المحيطة بشبه الجزيرة العربية، «مترابطة ومتشابكة بشكل وثيق»؛ ما يعني أن «تدهور الظروف الأمنية، والمتغيرات السياسية المتسارعة من شأنها أن تحمل عواقب بعيدة المدى». وبسبب هذا الترابط، ووجود عديد من التهديدات للشحن التجاري؛ أشار إلى أن حماية هذه الممرات المائية، «تتطلب جهات فاعلة حريصة على بناء نفوذ وإبراز القدرة»، على تطوير «موقف أمني بحري شامل»، للحفاظ على الاقتصاد العالمي.
وفي الوقت الحالي، يعد الوجود البحري للولايات المتحدة بالمنطقة، «أمرا لا مفر منه»، حيث تمتلك منشآت في بعض دول المنطقة، بالإضافة إلى عدد كبير من المنشآت البرية والجوية المنتشرة في المنطقة. وفي هذا الصدد، أشار «بليك هيرزينجر»، و«بين ليفكويتز»، من معهد «أمريكان إنتربرايز»، إلى «النفوذ البحري المتنامي للصين في الشرق الأوسط»، حيث تسعى إلى الحصول على «موطئ قدم في المحيط الهندي والخليج العربي»؛ للتكامل مع قاعدتها البحرية في «جيبوتي».
علاوة على ذلك، يُعد «الاتحاد الأوروبي»، أحد الفاعلين المهتمين بالأمن البحري في المنطقة خلال السنوات الأخيرة. وتحدد «استراتيجية الأمن البحري»، للتكتل لعام 2023، الرغبة المشتركة للدول الأعضاء في «تكثيف» أنشطتها الأمنية البحرية في جميع أنحاء العالم، بدءًا من الاعتراف بالمنطقة، باعتبارها «واحدة من أكثر مراكز النمو الاقتصادي ديناميكية في العالم»، وبها ممر مائي يمر عبره «8% من التجارة العالمية»، و«رابط رئيسي للتجارة بين الشرق الأوسط وإفريقيا وشرق آسيا وأوروبا»، وهو ما يترتب عليه الاهتمام الملحوظ، بتعزيز وجودها وتعاونها مع الشركاء الإقليميين لحماية الشحن البحري، جنبًا إلى جنب، مع جهود بناء العلاقات الاقتصادية والسياسية مع دول الخليج.
وفي حين يعي الأوروبيون، التهديدات الاستراتيجية للأمن البحري في الخليج، فقد أشار «مازوكو»، إلى أن التكتل، قد استخدم تقليديا «نهجًا على مراحل»، يتعامل مع الخليج العربي، والمحيط الهندي، والبحر الأحمر، «ككيانات منفصلة»، مع التركيز على التهديدات قبالة سواحل القرن الإفريقي، وهو أحد القيود التي يرى أن الاتحاد «كافح لقياس التفاعل الاقتصادي والسياسي بشكل صحيح بين هذه المساحات البحرية».
ومع حدوث قدر من «التغيير الاستراتيجي»، في السنوات الأخيرة في الشرق الأوسط؛ سجل «مازوكو»، أن الاتحاد الأوروبي يشرع الآن في «إعادة نظر شاملة في سياسته البحرية» بالمنطقة، مع وجود دليل على تحول جوهري «تدريجي لسياسته البحرية»، نحو عملية أكثر شمولية؛ بهدف أن يصبح «قوة أمنية أكثر حضورا في المياه قبالة شبه الجزيرة العربية». ومع نشاطه، بالفعل في عملية «أتالانتا» لمهمة مكافحة القرصنة قبالة القرن الإفريقي، وقيادة «فرنسا»، مهمة مراقبة في مضيق هرمز، تحت راية حملة التوعية البحرية بقيادة أوروبية، فقد أشار إلى أنه «من المتوقع أن يكون هذا في طليعة جهود الاتحاد لبناء قوة بحرية» في مياه المنطقة؛ بهدف «ضمان العبور الآمن، وحرية الملاحة».
وفي فبراير 2022، حدد «مجلس الاتحاد الأوروبي» – أحد الهيئات التشريعية للاتحاد – المنطقة الممتدة من مضيق هرمز، إلى الجنوب المداري، ومن شمال البحر الأحمر إلى وسط المحيط الهندي، أنها «منطقة ذات أهمية بحرية»، فيما يفكر التكتل في توسيع مفهوم الوجود البحري المنسق له، إلى شمال غرب المحيط الهندي والمنطقة لإظهار قدراته المتزايدة، «باعتباره شريكا موثوقا به، ومزودا لمتطلبات الأمن البحرية»، عبر «الوجود البحري الدائم»، وتعزيز «التعاون الدولي والشراكة في المهام البحرية».
وفي هذا السياق، أوضح «مازوكو»، أنه بينما تظل السفن – ضمن القوة البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي– «تحت إمرة قيادتها الوطنية»، فإن «منظمة الوجود البحري المنسق»، التابعة للاتحاد ذاته تهدف إلى «تعزيز المشاركة العملياتية بين القوات البحرية المختلفة»، وبالتالي، حماية مياه منطقة المحيط الهندي بشكل أفضل من التهديدات.
وبينما ترى «المنظمة»، أن توسيع نطاق مهامها بشمال غرب المحيط الهندي الآن، «يأتي لتصوير هذه المناطق البحرية»، باعتبارها «مساحة جيوسياسية متماسكة ككتلة واحدة»، وليست مساحات بحرية منفصلة ذات تهديدات مختلفة ومستويات متباينة من الاهتمامات المطلوبة؛ فقد أوضح أن تحول الاتحاد الأوروبي، نحو حماية الأمن البحري الإقليمي، يُقصد منه إدراك كم التهديدات الأمنية للبحر الأحمر ومضيق هرمز، وهو أمر «جديد حقًا».
ويتلاءم تركيز «الاتحاد»، المتجدد على قضايا الأمن البحري في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية، مع مقاربته السياسية الأخيرة لتوثيق العلاقات مع دول الخليج، وذلك على النحو المنصوص عليه في البيان المشترك للشراكة الاستراتيجية للمفوضية الأوروبية في مايو 2022، وهي الوثيقة التي وصفها «روبرت ماسون»، «معهد دول الخليج العربية»، بأنه «ينبغي اعتبارها كإعلان استقلالية أوروبا عن تبعيتها للريادة الأمريكية في إدارة الأمن الإقليمي، ورغبة واضحة في «نيل فرصة أكثر إيجابية لإدارة ملف أمن الخليج، بشكل أكثر فاعلية».
وعلى الرغم من طموحاتها، فقد أشار «مازوكو»، إلى أن افتقار أوروبا إلى «وجود بحري كامل»، في منطقة الشرق الأوسط؛ «يعيق طموحاتها»؛ لتوسيع عمليات الأمن البحري، ودعم شركائها، ناهيك عن أن أعضاء الاتحاد، «غير مجهزين حاليًا، للقيام بمهام بحرية طويلة الأمد على نطاق واسع» في المنطقة.
علاوة على ذلك، فإنه في أعقاب اقتراح قائد القوات البحرية الفرنسية في منطقة المحيط الهندي، الأدميرال «إيمانويل سلارز»، بأن يتم وضع مهمتي «مبادرة المراقبة البحرية الأوروبية»، في مضيق هرمز (إيماسوه)، وعملية أتالانتا – عملية عسكرية حالية تقوم بها القوة البحرية الأوروبية بهدف منع ومُكافحة أعمال القرصنة قبالة سواحل الصومال – تحت قيادة موحدة، فقد بدا الأمر يزيد من تعقيد الجهود الأمنية الأوروبية، في ظل أن دول الاتحاد، لها مصالحها وأهدافها المختلفة، كما أن عملية صنع القرار في «بروكسل»، تظل معقدة، وقابلة للتغيير بطريقة لا تفرضها أية إجراءات أحادية من قبل حكومة وطنية بعينها.
وعليه، أشار «مازوكو، إلى أنه في حين تشير «سلسلة من الوثائق، والإعلانات، والمبادرات» – بشأن العديد من الالتزامات الأوروبية بالأمن البحري في المنطقة – إلى «توافق حقيقي في الآراء حول المسار المستقبلي للجهود في هذا الصدد»؛ فإن التحدي الرئيسي أمام صانعي السياسات، سيكون «التنفيذ المناسب لما تم تحديده»، من شراكات واستراتيجيات، بالتزامن مع «دعم» آليات التنسيق الأمثل بين أعضاء الاتحاد الأوروبي».
ومع ذلك، فإنه مع وجود مهمتي الأمن البحري -المذكورتين أعلاه – في مياه المنطقة، والتي تُظهر «نقاط تقارب ملحوظة حول تلبية الأهداف المشتركة، المتمثلة في توفير الوعي بالأوضاع البحرية»، بالإضافة إلى وضع «بروكسل»، «إطارًا مؤسسيًا أكثر ملاءمة لتطوير التعاون البحري»؛ أوضح «مازوكو»، أنه من المتوقع أن يتحقق تعاون أفضل بين القوات البحرية الأوروبية قريبًا. ومن المهم أيضًا ملاحظة، كيف تعمل التهديدات الأمنية من خارج المنطقة، كدافع لتعزيز الحماية في المناطق المهمة استراتيجيًا مثل الخليج، لا سيما عند أخذ المنافسة بين القوى العالمية في الاعتبار، ولاحظ الباحث، أن «الطموحات الروسية»، قد أضافت المزيد من الضغوط على أوروبا، «لإعادة تركيز» اهتمامها على الاحتياجات الأمنية في «جنوب وشرق» القارة الأوروبية.
وبالنسبة إلى التأثير الاقتصادي المحتمل على دول الخليج، جراء المشاركة الأوروبية الموسعة في الأمن البحري الإقليمي؛ أوضحت «منال شهابي»، من «مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي»، أنه في عام 2021، «تراوحت مساهمة عائدات تصدير النفط في الناتج المحلي الإجمالي من 40%، إلى أكثر من «النصف»، في كل دولة من دول مجلس التعاون»؛ لتوفر بذلك أكثر من 60% من الإيرادات الحكومية في السعودية، والبحرين، وسلطنة عمان، وأكثر من 80% في الإمارات، وقطر، والكويت، وعليه، فإن إضافة المزيد من الحماية الدولية لممرات الشحن الحيوية سيعزز أمنها الاقتصادي.
وفي الوقت نفسه، فإنه رغم وجود اختلافات بين «الولايات المتحدة، و«دول الخليج»، حول التوقعات المتبادلة والمأمولة لتوفير الضمانات الأمنية والتعاون، ما أدى إلى تفاقم «فجوة التصورات» بين الشركاء الإقليميين؛ فقد أشار «مازوكو»، إلى أن الأخيرة ترى نفسها قوى صاعدة قادرة على اجتياز التدافعات العالمية عليها»، مضيفا أن الجهود الأوروبية لتعزيز مهام الأمن البحري في المنطقة، «محكوم عليها بالفشل»، إذا لم يتمكن الأوروبيون من «إقناع الشركاء الإقليميين»، بـ«جدية» ضماناتهم وأهدافهم، وإظهار «استعدادهم للتعامل معهم على قدم المساواة».
على العموم، خلص «مازوكو»، إلى أن قدرة «الاتحاد الأوروبي»، على أن يصبح «مزودًا موثوقًا» للأمن البحري في المياه المحيطة بشبه الجزيرة العربية، تمثل «تحديًا شاقًا». لكن في حين أن هذه القدرة قد تكون طويلة الأمد، وتتميز بتغيير الأولويات والتفاعل بين أعضاء الاتحاد لتنحية الخلافات؛ فإن «إعادة صياغة» السياسة الأمنية الأوروبية، هي العنصر الذي سيثبت رغبتهم في الاحتفاظ بأهميتهم الاستراتيجية في الوقت الراهن».
ومع تضاؤل حجم الدوريات البحرية، وأعمال المراقبة الأوروبية حاليًا، مقارنة بالولايات المتحدة؛ فإنه من أجل إقناع دول الخليج بالتزامهم، بالأمن البحري، فقد حثهم «مازوكو»، على «الاستماع إلى الشركاء الإقليميين، «بشأن التهديدات والمخاطر، وذلك لتجنب تكرار فجوة التوقعات المتزايدة بين هذه الدول، وواشنطن بشأن حماية الأمن الإقليمي».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك