إن إعلان العراق توقيع اتفاق استراتيجي مع السعودية بإدخال شركة أرامكو النفطية والقيام بعمليات التطوير والاستثمار في حقل عكاز الغازي غربي العراق، يعد خطوة تاريخية وانتقالة نوعية في طبيعة التوجهات الاقتصادية، والانفتاح السياسي الخارجي من خلال بعد اقتصادي-استثماري جديد، تتبنى من ذلك حكومة محمد شياع السوداني الانتقال بالبلاد من حالة الركود إلى حالة الشراكة الثنائية، وبناء العلاقات الدولية الناجحة.
وقد كان من قبيل النصيحة لبغداد التأكيد أن الوضع الحالي محليا ودوليا هو الأنسب للتحرك، وإبرام الاتفاقات المتعلقة بالاستثمار في حقول الغاز، ومنها تحديدا حقل عكاز بمحافظة الأنبار، وبحسب وزير النفط العراقي حيان عبد الغني، قال «إن الهدف من استثمار وتطوير حقل عكاز الغازي هو الوصول إلى طاقة إنتاجية تصل إلى 400 مليون قدم مكعب قياسي يوميا»، وهذا الحقل الغازي الواقع جنوب مدينة القائم غربي العراق 500 كلم غرب بغداد، هو أكبر حقل غاز في البلاد، يحتوي على 5.3 تريليونات قدم مكعبة من الغاز الطبيعي بحسب التقديرات.
ومن المهم التعجيل بالعمل في هذا الحقل بالوقت الحاضر والدخول بمرحلة الإنعاش الاقتصادي وبناء المدن والمشاريع التنموية، بعد أن كان من أهم أسباب سقوط الأنبار والمحافظات الغربية بأيدي عناصر الإرهاب والعبث بالأمن العراقي عام 2014، بفعل تآمر دولي لمنع دخول العراق إلى «نادي منتجي الغاز»، إذ إن المخابرات الدولية هي من جاءت بالإرهابيين، كبديل فاعل للقوى الخارجية في تنفيذها مخططاتها وتحقيق أهدافها، ولا يمكن إغفال «الصراع الدولي بشان الغاز» بين منتجين مثل قطر وروسيا وبلدان أخرى، و لا شك أن العراق قد دخل ميدان هذا التنافس عندما وقعت وزارة النفط في يونيو 2011 مع شركة كوكاز الكورية العقد الأولي لتطوير حقل عكاز الغازي في محافظة الأنبار بعد انسحاب شركة كاز الكازاخستانية من الائتلاف قبل أن تنسحب أيضاً شركة كوكاز الكورية مع دخول «داعش» منطقة الأنبار مطلع 2014، فالكبار الفاعلون في صناعة الغاز لا يسعدهم دخول العراق إلى نادي منتجي الغاز.
ومن المتعارف عليه في الوقت الحالي، أن الكل منشغل وغائص في مشاكل كبيرة، إلى جانب دخول البلدان العربية مخاضا جديدا من النشاط السياسي بتفعيل عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، وعودة العلاقات السعودية - السورية والسعودية -الإيرانية، يمكن لهذا الفعل الجديد أن يجعل العراق يعيش أريحية مناسبة في هندسة وضعه بعد أن بدأ يتعافى تدريجيا.
ووفق مبدأ مصائب قوم عند قوم فوائد، فإن الإشكالية العراقية انتقلت من موقع الصدارة لعقود من الزمن إلى مرحلة ثالثة في الأدبيات السياسية والإعلامية، لكن بمجرد انتهاء الحرب الروسية-الأوكرانية سوف تتفرغ روسيا وحلفاء لها بالمنطقة لافتعال أزمات وعقبات جديدة أمام العراق، ربما بهدف تعطيل الاستثمار في مشروع عكاز الغازي، لذا فإن الفرصة تبدو مواتية حاليا للمضي قدما بالاتفاق مع أرامكو، ومن المؤكد سيسهم ذلك في تحقيق الاستدامة المجتمعية، وإنعاش مناطق غربي العراق بالأنبار التي تصنف من مدينة هيت حتى القائم والرطبة على حدود سوريا والأردن غربا، على أنها مناطق فقيرة للغاية، تنعدم فيها المشاريع الاستراتيجية التي من شأنها لو تحققت توفير فرص عمل كبيرة تقضي على مشكلة البطالة.
{ كاتب وأكاديمي عراقي
Faidel.albadrani@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك