العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

التنمية المستدامة والمنهج الإسلامي

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ٢٨ مايو ٢٠٢٣ - 02:00

إن‭ ‬لم‭ ‬تخن‭ ‬الذاكرة،‭ ‬فإنه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1994‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬1995،‭ ‬وذلك‭ ‬قبل‭ ‬صدور‭ ‬الأهداف‭ ‬الـ17‭ ‬لأهداف‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬التي‭ ‬نتكلم‭ ‬عنها‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬الموضوع‭ ‬في‭ ‬بدايته،‭ ‬إذ‭ ‬انطلقت‭ ‬الفكرة‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬الأرض‭ (‬ريو‭ ‬1992‭)‬،‭ ‬تمت‭ ‬دعوتي‭ ‬إلى‭ ‬ندوة‭ ‬أقيمت‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬صديقة،‭ ‬وكان‭ ‬الحضور‭ ‬‭ ‬تقريبًا‭ ‬‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الخبراء‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬البيئة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬وأيضًا‭ ‬خبراء‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للبيئة،‭ ‬وكان‭ ‬الهدف‭ ‬هو‭ ‬الترويج‭ ‬والتسويق‭ ‬لمفهوم‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭.‬

في‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬والثاني‭ ‬تحدث‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الخبراء،‭ ‬عن‭ ‬الفقر،‭ ‬والجوع،‭ ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تتعلق‭ ‬بالتنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬وأتذكر‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬المحاضرات،‭ ‬طلبتُ‭ ‬أن‭ ‬أسأل‭ ‬المتحدث،‭ ‬فسُمح‭ ‬لي‭ ‬بالتحدث‭ ‬وطرح‭ ‬السؤال،‭ ‬فقلت‭: ‬‮«‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬الذي‭ ‬تقولونه‭ ‬منذ‭ ‬الأمس،‭ ‬موجود‭ ‬لدينا‭ ‬في‭ ‬ديننا‭ ‬الإسلامي،‭ ‬فأنتم‭ ‬لم‭ ‬تأتوا‭ ‬بالجديد‮»‬‭.‬

فطلب‭ ‬مني‭ ‬المتحدث‭ ‬أن‭ ‬أشرح‭ ‬فكرتي،‭ ‬بالفعل‭ ‬ذهبت‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬النقاط‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬عنها‭ ‬وموقف‭ ‬الإسلام‭ ‬منها،‭ ‬وكالعادة‭ ‬شكرني،‭ ‬ثم‭ ‬واصل‭ ‬حديثه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يعلق‭ ‬على‭ ‬حديثي‭.‬

وفي‭ ‬فترة‭ ‬الاستراحة،‭ ‬تقدم‭ ‬مني‭ ‬المحاضر،‭ ‬وقال‭ ‬لي‭: ‬‮«‬أتسمح‭ ‬لي‭ ‬بالتحدث‭ ‬معك؟‮»‬‭.‬

قلت‭: ‬‮«‬تفضل‮»‬‭.‬

قال‭ ‬بعد‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المقدمات‭: ‬‮«‬أنتم‭ ‬لديكم‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬دينكم،‭ ‬فدينكم‭ ‬رائع،‭ ‬ولكنكم‭ ‬قوم‭ ‬تجهلون‭ ‬ما‭ ‬لديكم،‭ ‬فذهبتم‭ ‬تبحثون‭ ‬وتنظرون‭ ‬إلى‭ ‬الحضارات‭ ‬الأخرى‭ ‬وخاصة‭ ‬الغربية،‭ ‬لتأخذوا‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬تعتقدون‭ ‬أنه‭ ‬ناقص‭ ‬لديكم،‭ ‬فنصيحتي‭ ‬لكم‭: ‬ابحثوا‭ ‬في‭ ‬دينكم‭ ‬وهذا‭ ‬أفضل‭ ‬لكم‮»‬‭. ‬ثم‭ ‬ذهب‭.‬

تذكرت‭ ‬هذا‭ ‬الحادث‭ ‬والحديث‭ ‬قبل‭ ‬عدة‭ ‬أشهر‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬شقيقة‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬التدريب‭ ‬والتنمية‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬موضوعات‭ ‬متعلقة،‭ ‬فعندما‭ ‬طرحت‭ ‬فكرة‭ ‬ارتباط‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬والمنهج‭ ‬الإسلامي‭ ‬اعترض‭ ‬أحد‭ ‬الأخوة‭ ‬الحضور،‭ ‬إذ‭ ‬قال‭: ‬‮«‬إننا‭ ‬نحاول‭ ‬أن‭ ‬نحشر‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأمور‭ ‬الحديثة‭ ‬والقديمة‭ ‬وكل‭ ‬شيء،‭ ‬فقال‭ ‬إن‭ ‬الإسلام‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬منهج‭ ‬أخلاقي،‭ ‬ديني،‭ ‬عبادات،‭ ‬وعقوبات‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬فقط،‭ ‬أما‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬فهذا‭ ‬فكر‭ ‬بشري‭ ‬حديث،‭ ‬وليس‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بما‭ ‬تقول‮»‬‭.‬

فنظرت‭ ‬إلى‭ ‬الأخوة‭ ‬المنظمين‭ ‬للاستئذان‭ ‬في‭ ‬الرد،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬وقت‭ ‬تقديم‭ ‬الورقة‭ ‬قصير،‭ ‬فمنحني‭ ‬رئيس‭ ‬الجلسة‭ ‬5‭ ‬دقائق‭ ‬فقط،‭ ‬للتوضيح،‭ ‬لذلك‭ ‬قلت‭:‬

ماذا‭ ‬تعني‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة؟‭ ‬أليست‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬تعني‭ ‬أنها‭ ‬تلبي‭ ‬احتياجات‭ ‬الحاضر‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬المساس‭ ‬بمقدرات‭ ‬الأجيال‭ ‬المقبلة‭ ‬على‭ ‬تلبية‭ ‬احتياجاتها؟‭ ‬وألا‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬3‭ ‬محاور‭ ‬رئيسية‭ ‬وهي‭: ‬الجانب‭ ‬البيئي،‭ ‬والاقتصادي،‭ ‬والاجتماعي؟

فقال‭: ‬نعم‭.‬

قلت‭: ‬لنأخذ‭ ‬مثالا‭ ‬واحدا،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬نواصل‭ ‬بعد‭ ‬الجلسة‭ ‬إن‭ ‬شئت‭.‬

قال‭: ‬هات‭ ‬ما‭ ‬عندك‭.‬

قلت‭: ‬أتذكر‭ ‬قصة‭ ‬سيدنا‭ ‬يوسف‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬وحلم‭ ‬الملك‭ ‬وكيف‭ ‬فسر‭ ‬الحلم‭ ‬وماذا‭ ‬طلب‭ ‬لتنفيذ‭ ‬وتطبيق‭ ‬حلم‭ ‬الملك؟

قال‭: ‬نعم‭.‬

قلت‭: ‬حسنٌ،‭ ‬ماذا‭ ‬فعل‭ ‬نبي‭ ‬الله‭ ‬يوسف،‭ ‬قام‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭ ‬بتنفيذ‭ ‬الخطوات‭ ‬التالية‭:‬

1-‭ ‬زراعة‭ ‬المحاصيل‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬مثل‭ ‬القمح‭ ‬والذرة‭ ‬والأرز‭ ‬والشعير‭ ‬وغيرها‭ ‬‭ ‬وهي‭ ‬المحاصيل‭ ‬ذات‭ ‬غلاف‭ ‬خارجي،‭ ‬وهذه‭ ‬الأغلفة‭ ‬تحميها‭ ‬من‭ ‬الحشرات‭ ‬والكائنات‭ ‬الدقيقة‭ ‬‭ ‬مدة‭ ‬سبع‭ ‬سنوات،‭ ‬وأعتبر‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬هي‭ ‬سنوات‭ ‬الوفرة،‭ ‬وهذه‭ ‬المحاصيل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتناولها‭ ‬الإنسان‭ ‬والحيوانات‭. ‬

2-‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬‭ ‬السنوات‭ ‬السبع‭ ‬الأولى‭ ‬‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تقسم‭ ‬هذه‭ ‬الغلال‭ ‬‭ ‬وهذه‭ ‬يعرفها‭ ‬الفلاح‭ ‬قبل‭ ‬غيره‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬أقسام،‭ ‬القسم‭ ‬الأول‭ ‬وهي‭ ‬الكمية‭ ‬الأكبر‭: ‬تخزن،‭ ‬والقسم‭ ‬الثاني‭: ‬تحفظ‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬زراعتها‭ ‬في‭ ‬الموسم‭ ‬التالي،‭ ‬أما‭ ‬القسم‭ ‬الثالث؛‭ ‬فإنه‭ ‬يستهلك،‭ ‬ولكن‭ ‬بكميات‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬العيش‭ ‬والحياة‭.‬

3-‭ ‬ثم‭ ‬سوف‭ ‬تأتي‭ ‬بعد‭ ‬تلك‭ ‬السنوات‭ ‬السبع‭ ‬‭ ‬سنوات‭ ‬الوفرة‭ ‬سنوات‭ ‬عجاف،‭ ‬وخلال‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬يمكن‭ ‬استهلاك‭ ‬المحاصيل‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تخزينها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الاستهلاك‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بحذر‭ ‬شديد‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تنفد‭ ‬كل‭ ‬المحاصيل‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تخزينها‭.‬

4-‭ ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬ستعود‭ ‬سنوات‭ ‬الوفرة‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يشعر‭ ‬البشر‭ ‬بأي‭ ‬مجهود‭ ‬أو‭ ‬تعسر‭.‬

لاحظ‭ ‬أخي‭ ‬الفاضل‭ ‬أن‭ ‬سيدنا‭ ‬يوسف‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬نفذ‭ ‬فكرة‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬قبل‭ ‬قرون‭ ‬كثيرة‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد،‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬تسمى‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬قام‭ ‬بالزراعة،‭ ‬والحفظ،‭ ‬والتخزين،‭ ‬والتوفير،‭ ‬والتنظيم،‭ ‬وحساب‭ ‬سنوات‭ ‬الوفرة‭ ‬وسنوات‭ ‬الشدة،‭ ‬ليس‭ ‬ذلك‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬فكر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الجوانب‭ ‬البيئية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬هل‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬سيدنا‭ ‬يوسف‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬جاء‭ ‬بالفكرة‭ ‬من‭ ‬عنده؟‭ ‬أليست‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى؟

أما‭ ‬إن‭ ‬كنا‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬استدامة‭ ‬الأعمال‭ ‬واستمراريتها،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬قليلة‭ ‬وبسيطة،‭ ‬فإليك‭ ‬الحديث‭ ‬النبوي‭ ‬الشريف‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭ ‬فيه‭ ‬المصطفى‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭: ‬‮«‬سَدِّدوا‭ ‬وقارِبوا‭ (‬وهذا‭ ‬الجانب‭ ‬الأخلاقي‭ ‬في‭ ‬الموضوع،‭ ‬وربما‭ ‬تشمل‭ ‬عديدا‭ ‬من‭ ‬الجوانب‭ ‬الأخرى‭ ‬أيضًا‭) ‬واعلموا‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يُدخِلَ‭ ‬أحدَكم‭ ‬عملُه‭ ‬الجنَّةَ‭ (‬وهذا‭ ‬الإحسان‭) ‬وأنَّ‭ ‬أحبَّ‭ ‬الأعمالِ‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬أدومُها‭ ‬وإن‭ ‬قَلَّ‭ (‬أليست‭ ‬هذه‭ ‬تعني‭ ‬استدامة‭ ‬الأعمال؟‭)‬‮»‬‭ ‬أخرجه‭ ‬البخاري‭ ‬ومسلم‭.‬

انتهى‭ ‬الوقت‭ ‬المتاح،‭ ‬وفي‭ ‬فترة‭ ‬الاستراحة‭ ‬جاء‭ ‬يحدثني،‭ ‬ويكمل‭ ‬الموضوع،‭ ‬ودعونا‭ ‬نواصل‭ ‬لنستوضح‭ ‬موضوع‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬في‭ ‬المنهج‭ ‬الإسلامي،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حديثنا‭ ‬مع‭ ‬الأخ‭ ‬أو‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭.‬

في‭ ‬الفتوحات‭ ‬الإسلامية‭ ‬وخاصة‭ ‬فتح‭ ‬العراق‭ ‬والشام،‭ ‬وفي‭ ‬عهد‭ ‬الفاروق‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬وكان‭ ‬الناس‭ ‬يتوقعون‭ ‬أنه‭ ‬سوف‭ ‬يقسم‭ ‬الأراضي‭ ‬وخاصة‭ ‬الزراعية‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬المجاهدين‭ ‬على‭ ‬اعتبارها‭ ‬من‭ ‬غنائم‭ ‬الحرب،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬وكان‭ ‬له‭ ‬رأي‭ ‬آخر‭ ‬وذلك‭ ‬قياسًا‭ ‬على‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭ ‬التي‭ ‬تقول‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬الأنفال‭ ‬‭ ‬الآية‭ ‬41‭:(‬وَاعْلَمُواْ‭ ‬أَنَّمَا‭ ‬غَنِمْتُم‭ ‬مِّن‭ ‬شَيْءٍ‭ ‬فَأَنَّ‭ ‬لِلَّهِ‭ ‬خُمُسَهُ‭ ‬وَلِلرَّسُولِ‭ ‬وَلِذِي‭ ‬الْقُرْبَى‭ ‬وَالْيَتَامَى‭ ‬وَالْمَسَاكِينِ‭ ‬وَابْنِ‭ ‬السَّبِيلِ‭). ‬فكان‭ ‬رأي‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬عمر‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ (‬كيف‭ ‬بمن‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬المسلمين،‭ ‬فيجدون‭ ‬الأرض‭ ‬بعلوجها‭ ‬قد‭ ‬اقتسمت،‭ ‬وورثت‭ ‬عن‭ ‬الآباء‭ ‬وحيزت،‭ ‬ما‭ ‬هذا‭ ‬برأي‭).‬

لنلاحظ‭ ‬هذه‭ ‬الجملة‭ (‬كيف‭ ‬بمن‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭)‬،‭ ‬أليس‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التفكير‭ ‬المستقبلي‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬ويعني‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالأجيال‭ ‬القادمة؟‭ ‬لذلك‭ ‬تم‭ ‬احتساب‭ ‬هذه‭ ‬الجزئية‭ ‬من‭ ‬الغنائم‭ ‬من‭ ‬الخمس‭ ‬الخاصة‭ ‬لبيت‭ ‬مال‭ ‬المسلمين،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬المسلمين،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭.‬

ولننظر‭ ‬إلى‭ ‬المنهج‭ ‬الإسلامي،‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬وفي‭ ‬البيئة،‭ ‬والقضايا‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬فمنذ‭ ‬دخول‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬وهو‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الجوانب‭ ‬بطريقة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى،‭ ‬فموضوع‭ ‬الإخاء‭ ‬بين‭ ‬المهاجرين‭ ‬والأنصار‭ ‬كانت‭ ‬أعظم‭ ‬فكرة‭ ‬لتوحيد‭ ‬الصف‭ ‬الداخلي،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬الجوانب‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والأمن‭ ‬الداخلي،‭ ‬ويمكن‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬في‭ ‬صفحات‭ ‬كثيرة‭.‬

وفي‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬البيئة؛‭ ‬فقد‭ ‬تحدثنا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬مرارًا‭ ‬وتكرارًا،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬الحيوانات‭ ‬والأشجار‭ ‬أو‭ ‬الأرض،‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬من‭ ‬الإسراف‭ ‬والهدر،‭ ‬حتى‭ ‬إنه‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬استنكر‭ ‬الإسراف‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬ماء‭ ‬الوضوء‭.‬

وتعال‭ ‬يا‭ ‬صاحبي‭ ‬لننظر‭ ‬إلى‭ ‬الأهداف‭ ‬الـ17‭ ‬التي‭ ‬حددتها‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬كأهداف‭ ‬للتنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬فقر،‭ ‬لا‭ ‬جوع،‭ ‬التعليم‭ ‬وغيرها،‭ ‬سوف‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬للإسلام‭ ‬موقف‭ ‬واضح‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬أسهب‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬منها‭ ‬ليس‭ ‬لمجرد‭ ‬بعض‭ ‬التعاليم‭ ‬وإنما‭ ‬كانت‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬منهج‭ ‬حياة‭ ‬يعيشها‭ ‬مجتمع‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة‭.‬

وذات‭ ‬مرة‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬دورة‭ ‬أقدمها‭ ‬في‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الشقيقة‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬وعندما‭ ‬تحدثنا‭ ‬عن‭ ‬الهدف‭ ‬الثالث‭ (‬الصحة‭ ‬الجيدة‭ ‬والرفاه‭)‬،‭ ‬أتذكر‭ ‬أني‭ ‬قلت‭: ‬إن‭ ‬مقياس‭ ‬الصحة‭ ‬الجيدة‭ ‬هو‭ ‬تقليل‭ ‬عدد‭ ‬وفيات‭ ‬الأطفال‭ ‬وخاصة‭ ‬الذين‭ ‬يقل‭ ‬أعمارهم‭ ‬عن‭ ‬الخمس‭ ‬سنوات‭. ‬اعترض‭ ‬أحدهم‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬إرادة‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى،‭ ‬فقلت‭: ‬ما‭ ‬رأيك‭ ‬في‭ ‬الطب‭ ‬النبوي،‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬دعا‭ ‬فيه‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬المسلم‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬العلاج‭.‬

وهنا‭ ‬ليس‭ ‬هدفنا‭ ‬أن‭ ‬نربط‭ ‬بين‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬والإسلام،‭ ‬فالمنهج‭ ‬الإسلامي‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير،‭ ‬وكذلك‭ ‬فنحن‭ ‬لا‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نلوي‭ ‬عنق‭ ‬الآيات‭ ‬والحقيقة‭ ‬حتى‭ ‬نربط‭ ‬هذا‭ ‬بتلك،‭ ‬وإنما‭ ‬كل‭ ‬الذي‭ ‬نريد‭ ‬توضيحه‭ ‬إننا‭ ‬نمتلك‭ ‬كل‭ ‬مقومات‭ ‬الحضارة‭ ‬القادمة،‭ ‬والريادة‭ ‬بجميع‭ ‬تفاصيلها،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فنحن‭ ‬نتخاذل،‭ ‬ونخجل‭ ‬أن‭ ‬نتحدث‭ ‬وأن‭ ‬نبرز‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬لدينا‭ ‬من‭ ‬معرفة‭ ‬وعلم،‭ ‬وإن‭ ‬تحدثنا‭ ‬فلا‭ ‬نحاول‭ ‬أن‭ ‬نأتي‭ ‬بأمثلة‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬والسنة‭ ‬النبوية‭ ‬أو‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وإنما‭ ‬نحاول‭ ‬أن‭ ‬نستورد‭ ‬بضع‭ ‬كلمات‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬الغربي‭ (‬فلان‭) ‬صاحب‭ ‬النظرية‭ ‬الفلانية،‭ ‬أو‭ ‬العالم‭ ‬الشرقي‭ (‬فلان‭)‬،‭ ‬وهكذا،‭ ‬وكأن‭ ‬الحضارة‭ ‬لم‭ ‬تبدأ‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬عند‭ ‬هؤلاء‭.‬

وهنا‭ ‬يقع‭ ‬عبء‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬علماء‭ ‬الدين‭ ‬والعلم‭ ‬الشرعي،‭ ‬إذ‭ ‬إننا‭ ‬نرجو‭ ‬منهم‭ ‬أن‭ ‬يقرأوا‭ ‬ويتثقفوا‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأمور،‭ ‬فلا‭ ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬يتحدثوا‭ ‬مع‭ ‬الناس‭ ‬عن‭ ‬الطهور‭ ‬والوضوء‭ ‬والصيام،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭ ‬مهمة،‭ ‬إلا‭ ‬إننا‭ ‬نحتاج‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬إلى‭ ‬أمور‭ ‬حياتية‭ ‬كثيرة،‭ ‬فما‭ ‬موقف‭ ‬الإسلام‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬حولنا‭ ‬اليوم؟‭ ‬نطالبهم‭ ‬بتغيير‭ ‬خطابهم‭ ‬حتى‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬معطيات‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭.‬

نعتقد‭ ‬أنه‭ ‬آن‭ ‬الأوان‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬برامجنا‭ ‬ومناهجنا‭ ‬وكتبنا‭ ‬وأفكارنا‭ ‬وحياتنا‭ ‬وأن‭ ‬نربطها‭ ‬بتاريخنا‭ ‬الذي‭ ‬حاولوا‭ ‬طمسه‭ ‬وربطه‭ ‬بالدماء‭ ‬والحروب‭ ‬والجواري‭ ‬والسكر‭ ‬والعهر‭ ‬والفساد‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬العصور‭ ‬العلمية‭ ‬الذهبية‭ ‬لم‭ ‬تبدأ‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬الإسلامية‭.‬

نعم،‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬أختم‭ ‬دعوني‭ ‬أعود‭ ‬إلى‭ ‬كلام‭ ‬الدكتور‭ ‬المتحدث‭ ‬الذي‭ ‬ذكرته‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬المقال‭: ‬‮«‬أنتم‭ ‬لديكم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬دينكم،‭ ‬فدينكم‭ ‬رائع،‭ ‬ولكنكم‭ ‬قوم‭ ‬تجهلون‭ ‬ما‭ ‬لديكم،‭ ‬فذهبتم‭ ‬تبحثون‭ ‬وتنظرون‭ ‬إلى‭ ‬الحضارات‭ ‬الأخرى‭ ‬وخاصة‭ ‬الغربية،‭ ‬لتتخذوا‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬تعتقدون‭ ‬أنه‭ ‬ناقص‭ ‬لديكم،‭ ‬فنصيحتي‭ ‬لكم‭: ‬ابحثوا‭ ‬في‭ ‬دينكم‭ ‬وهذا‭ ‬أفضل‭ ‬لكم‮»‬‭.‬

 

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا