لقد نثر الحق سبحانه وتعالى الأمم بين يديه، ثم اختار أمة العرب لتحمل أعباء الرسالة الخاتمة، والتي وصفها الحق سبحانه بالكمال في قوله تعالى: (.. اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) المائدة / 3.
وبما أن الرسالة الإسلامية آخر اتصال السماء بالأرض، فإن الأمة العربية هي مسك الختام للأمم، ولن يبعث الله تعالى نبيًّا بعد رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم).
إذًا، فالأمة العربية أمة خاتمة لرسالة خاتمة، لنبي خاتم، ومعجزة الإسلام- القرآن الكريم- معجزة خاتمة.
إذًا، فالعرب أمة مختارة من بين الأمم، يقول تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرًا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون) آل عمران / 110.
إذًا، فهذه الآية الجليلة تلفتنا إلى أن الحق سبحانه وتعالى حين اختار أمة العرب لحمل رسالة الإسلام -وهي الرسالة الخاتمة- في هذا إشارة واضحة الدلالة إلى كمال النضج الإنساني في هذه الأمة، وأن هذه المهمة الصعبة جعلها من نصيب العرب لتميزهم عن غيرهم في أمور من أهمها الوسطية، قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) البقرة / 143. والعجيب أن رقم الآية (143) من سورة البقرة جاءت في منتصف السورة، فآيات سورة البقرة عددها (286)، ونصفها (143) ومعنى هذا أن حتى دلالات أرقام آيات السورة تشهد للأمة بهذه الوسطية والاعتدال!
إذًا، فهذه الآية من سورة البقرة تؤكد بما لا يدع مجالًا لأدنى شك أن الأمة العربية التي نبغت في الشعر والبيان، والبلاغة هي أمة تستحق هذا التكريم، وأنها أولى الأمم بحمل هذه المهمة الجليلة، وهي حمل الرسالة الخاتمة، وأن الصفة التي أهلتها لهذه المكانة هي: صفة الوسطية التي جاء ذكرها في سورة البقرة في الآية (143)، وأنها الأمة التي تملك موازين الحق، هذه الموازين التي استقامت بها السموات والأرض، وصلح عليها أمري الدنيا والآخرة، يقول سبحانه وتعالى: (والسماء رفعها ووضع الميزان (7) ألا تطغوا في الميزان (8) وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان(9)) سورة الرحمن.
تأملوا أيها الناس كيف حافظت هذه الًوسطية على اعتدال هذا الميزان، وسلامة الأمة من الطغيان والخسران، وارتباط أو ربط الميزان بالسماء رغم وصفها أو كون أحوالها أنها بغير عمد، قال تعالى: (الله الذي رفع السموات يغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون) الرعد / 2.
والميزان الذي يحافظ على توازن السماوات ويمسكها من أن تزول كما قال تعالى: (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليمًا غفورا) فاطر / 41.
لقد حذر القرآن العظيم من التلاعب في الموازين، والعبث بحقوق العباد، فقال سبحانه: (ويلٌ للمطففين (1) الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون (2) وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون (3) ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون (4) ليوم عظيم (5) يوم يقوم الناس لرب العالمين (6)) سورة المطففين.
إذًا، فمن مؤهلات هذه الأمة، ومن أوجب الصفات التي ينبغي أن تتصف بها، صفة الوسطية التي جاء تأكيدها في سورة البقرة، في الآية (143). وأنها رغم أن من الناس من يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق إلا أنها أخرجت للناس لتبلغهم الرسالة الخاتمة، والتي اختصهم الله تعالى بها، وهذه شهادة لهذه الأمة بأنها أقدر الأمم على حمل هذه الرسالة، ومن أجل هذا ضمن لها الخلود المقدر لها في الدنيا، وأن القيامة سوف تقوم عليها حين يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، فهي أمة كتب الله تعالى الخاتمية في كل شأن من شؤونها: خاتمية الرسول، وخاتمية الرسالة، وخاتمية المعجزة، وخاتمية الشهادة، فهي الأمة الوحيدة التي سوف تشهد للأنبياء يوم القيامة بأنهم قد بلغوا الرسالة، ونصحوا أقوامهم، وذلك حين تنكر الأمم بلاغ الأنبياء لهم، وعليهم أولًا أن يبدأوا بأنفسهم ليبلغوا أمتهم، ثم يقومون بالبلاغ للأمم الأخرى، وليحذروا من التقصير لأن الشاهد عليهم هو الرسول الخاتم الذي لا نبي، ولا رسول بعده، وأما موضوعات الدعوة، فقد بينها الحق سبحانه في الآية (110 من سورة آل عمران) في قوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله..).
وكما أن الأمر بالمعروف ينتظم كل أنواع المعروف، فكذلك النهي عن المنكر يستوعب ويستغرق كل أنواع المنكر، وأما الإيمان بالله تعالى، فهو الإيمان بكل أركان الإيمان التي دلت عليها، وأفاضت في بسطها سور القرآن الحكيم.
إن الأمة الإسلامية هي الأمة الوحيدة التي سوف تدعى إلى منصة الشهادة يوم القيامة لتدلي بشهادتها لصالح أنبياء الله ورسله الذين أنكر أقوامهم بلاغ الأنبياء لهم: «يدعى نوح يوم القيامة فيقول: لبيك وسعديك يا رب، فنقول هل بلغت قومك، فيقول: نعم، فيقال: لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فتشهدون أنه قد بلغ (ويكون الرسول عليكم شهيدا)، فذلك قوله: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) البقرة / 143.
هذه هي الأمة التي اختارها الله تعالى من بين الأمم، وصنعها على عينه، واختصها بالرسالة الخاتمة، والرسول الخاتم، والمعجزة الخاتمة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك