من المتوقع أن تشهد التجارة بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، والتي يعود تاريخها إلى عدة قرون «حقبة جديدة»، من المفاوضات للتوصل إلى اتفاقية للتجارة الحرة (FTA)، التي ترى الحكومة البريطانية أنها ستكون اتفاقية «طموحة شاملة تساير تطورات القرن الحادي والعشرين»، فيما كشف وزير الاستثمار البريطاني في نوفمبر 2021 أن بلاده تتفاوض مع مجلس التعاون في شأن هذه الاتفاقية، وأنها بدأت أولى خطواتها في هذا الشأن في أكتوبر، ورحب الأمين العام للمجلس بهذه الخطوة.
وفي يونيو 2022، بدأت المحادثات للوصول إلى اتفاق رسمي بين «آن ماري تريفيليان»، وزيرة التجارة الدولية –آنذاك – و«نايف الحجرف»، الأمين العام السابق لمجلس التعاون الخليجي، تلتها جولة مفاوضات شارك فيها أكثر من 100 مفاوض بريطاني، ثمّ عقدت جولة ثانية في العام نفسه بلندن بحضور 36 جلسة دارت حول 29 مجالًا. فيما عُقدت الجولة الأخيرة بالرياض في مارس 2023، وشملت 13 مجالًا على مدار 30 جلسة. وعلقت الحكومة البريطانية أنه تم «إجراء مناقشات وإحراز تقدم جيد في ظل التزام كلا الجانبين بالتوصل إلى اتفاق نهائي في المستقبل القريب».
ومع سعي «المملكة المتحدة»، لإبرام ترتيبات تجارية رسمية مع الكتل الاقتصادية والدول في جميع أنحاء العالم بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي؛ فمن المتوقع أن يؤدي التوسع الاقتصادي لدول الخليج؛ إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات المستوردة بما لا يقل عن 35% بحلول عام 2035 – ما قدره (800 مليار جنيه إسترليني) تقريبًا – لذا ليس من المستغرب ضغط النواب البريطانيين من أجل التوصل إلى صفقة تاريخية.
وفي تقييمها لمفاوضات الاتفاقية، تساءلت «لجنة التجارة الخارجية»، بمجلس العموم البريطاني»؛ عما إذا كان يمكن حقًا التعامل مع مجلس «التعاون الخليجي» كشريك منفرد، وهل سيكون «أكثر كفاءة وفعالية لمصلحة بريطانيا»، بدلًا من «متابعة اتفاقيات ثنائية مع كل دولة بالمجلس على حدة». وأشار «راج بهالا»، من «جامعة كانساس»، إلى أن عدم رغبة بعض دول الخليج في الامتثال لمعايير التجارة البريطانية يعني أن «فكرة تنفيذ اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية» مع دول مجلس التعاون مجتمعة هي فكرة «جيدة جدًا»، وأن التوصل إلى صفقات مع الدول بشكل فردي يمكن البرلمان البريطاني من تحقيق أفضل الصفقات الاقتصادية الممكنة في المفاوضات المستقبلية.
في غضون ذلك، أشار «ديفيد روبرتس»، من «كينجز كوليدج»، إلى أن دول الخليج «تفضل المشاركة الثنائية»؛ لأنها «أكثر تخصصًا»، وستكون مفيدة لأنها تتجنب الصعوبات المتوقعة لاجتماع ست دول مختلفة معًا، وتشكيل توافق فيما بينها. وفي حال ما إذا كانت «المملكة المتحدة»، ستتبع مثل هذا النهج الثنائي في المفاوضات، فقد اقترحت «سينزيا بيانكو»، من «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية»، أن تُعطي الأولوية لاتفاق تجاري مع السعودية، بالنظر إلى وضعها كأكبر دولة خليجية سياسيا واقتصاديا، مع محادثات تهدف إلى «محاولة جذب الآخرين».
من جانبه، يرى «جوزيف كيشيان»، من مركز «الملك فيصل للبحوث والدراسات»، أن دول الخليج تفضل العلاقات الثنائية، وأشار إلى كيفية مشاركة «مجلس التعاون»، بالفعل في اتفاقيات التجارة الحرة، والتوصل إلى اتفاقيات مع كوريا الجنوبية، وباكستان، وتركيا، ونيوزيلندا، فضلًا عن المفاوضات الجارية مع الصين.
وتأكيدًا لهذا التحليل، حذر «كيشيان»، من أن تفاوض بريطانيا على سلسلة من الاتفاقيات الثنائية الفردية مع دول الخليج، بدلًا من صفقة واحدة مشتركة مع دول المجلس سيستغرق وقتًا طويلًا لتحقيقها»، وأنه «ما لم يكن لديهم إطار زمني للوصول إلى اتفاق مع كل دولة، فالأكثر منطقية؛ الدفع نحو اتفاق متعدد الأطراف». وبحسب «بندر رضا»، من «غرفة التجارة العربية البريطانية»، فإن «المسار الواضح» للرؤى الخليجية الموحدة نحو التنمية الاقتصادية المستقبلية؛ يوفر «فرصة كبيرة لبريطانيا لاغتنام هذه الفرصة، بدلاً من عقد اتفاقية ثنائية مع كل دولة».
وأقرت «اللجنة»، بالفوائد الاقتصادية للاتفاقية. وأشار «جيمس كالديكورت»، و«أماندا تيكيل»، من شركة «ديلويت»، إلى أن التجارة مع دول الخليج تبلغ قيمتها 33 مليار جنيه إسترليني، مع كون دول المجلس رابع أكبر سوق تصدير لبريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي. ومع تقدير «لندن»، أن الاتفاقية سترفع حجم التجارة المتبادلة بنسبة 16% على الأقل، وتعزز اقتصاد بريطانيا المتعثر بنحو 1.6 مليار جنيه إسترليني صادرات بريطانية سنويًا؛ أقرت اللجنة برغبتها في «بناء نظام بيئي شامل لدعم الصناعة»، ما يمكّن الشركات من أن تكون أكثر قدرة على المنافسة «محليًا ودوليًا».
وعلى وجه الخصوص، تم تسليط الضوء على المكاسب الخاصة بالمزارعين البريطانيين ومصدري الأغذية، في 2021، حيث تم تصدير ما قيمته 600 مليون جنيه إسترليني من الأطعمة والمشروبات إلى الخليج. وكتب «مجلس تنمية الزراعة والبستنة» البريطاني في عام 2022، إن احتمال إبرام صفقة تجارية رسمية سيوفر فرصة للمزارعين للاستفادة من الطلب المتزايد في المنطقة.
علاوة على ذلك، أشار «كالديكورت»، و«تيكيل»، إلى أن دول الخليج «تعتمد بشكل كبير على الأطعمة المستوردة»، وبالتالي تمثِل «وجهة تصدير مهمة للمنتجين البريطانيين»، لذا فالاتفاقية يمكن أن تعزز تصدير البضائع، فضلًا عن «تعزيز المنافسة داخل المملكة بين الموردين». وعليه، فقد رحبت المنظمات التجارية البريطانية ببدء مفاوضات التجارة الحرة مع دول المجلس. وأشادت «غرفة التجارة البريطانية»، بقدرة المحادثات «على توفير فرص أكبر للمصدرين تفيد بشكل خاص مصدري الآلات والسيارات والأغذية». ورأى تقرير اللجنة أن الاتفاقية ستكون «فرصة جيدة لتصدير السلع والخدمات إلى دول المجلس.
على العموم، ستستمر المفاوضات التجارية بين «المملكة المتحدة»، و«الخليج» في التقدم، ومن المتوقع عقد جولة رابعة من المحادثات في وقت لاحق في عام 2023، في بريطانيا. ومع استمرار توسع حجم التجارة العالمية؛ رأي المراقبون أن التجارة بين بريطانيا والخليج، من المتوقع أن تتسع خلال السنوات القادمة»، بغض النظر عما إذا كان قد تم التوصل إلى اتفاقية تجارة حرة أم لا، في ظل حاجة الشركات البريطانية إلى تأمين حصة أكبر من «الفرص التجارية»، وفي ضوء النمو السريع للخليج اقتصاديا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك