كانت حكومة سنغافورة في طليعة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي لإطلاق السياسات الفاعلة وللدفع بالنمو الاقتصادي والتنمية في مختلف القطاعات. وفي السنوات الأخيرة، خصصت الحكومة السنغافورية موارد كبيرة لتعزيز نظام أعمال بيئي مزدهر للذكاء الاصطناعي يمكنه دعم السياسات والقطاعات الاقتصادية الوطنية. يجيب الجزء الثاني من هذا المقال عن السؤال التالي: كيف استفادت سنغافورة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في صنع السياسات وكيف عززت هذه التقنيات من النمو الاقتصادي؟
أدى ظهور الذكاء الاصطناعي إلى موجة جديدة من الابتكار في مختلف الصناعات، وقد أدركت حكومة سنغافورة إمكانية استخدام هذه التقنيات لدفع عملية النمو في القطاعات والمجالات الوطنية. قامت سنغافورة باستثمارات كبيرة في صناديق البحث والتطوير للذكاء الاصطناعي في عام 2019، أطلقت الحكومة المكتب الوطني للذكاء الاصطناعي وبرنامج التدريب المهني للذكاء الاصطناعي لتطوير مواهب الأفراد في البلاد.
كما التزمت الحكومة باستثمار 500 مليون دولار سنغافوري (حوالي 373 مليون دولار أمريكي) في البحث والتطوير على مدى السنوات الخمس المقبلة لدعم تطوير تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في القطاعات الوطنية بما في ذلك الرعاية الصحية والتمويل والنقل وغيرها من القطاعات الحيوية. على سبيل المثال، تم تطوير روبوتات المحادثة المدعومة بالذكاء الاصطناعي والمساعدين الافتراضيين لتقديم خدمة عملاء شخصية وتوصيات استثمارية لجميع العملاء، الأفراد أو الشركات، وتسمح هذه التقنيات بتقديم خدمات استشارية مجانية للجميع يمكن لها أن تحسن من أداء القروض المالية المقدمة لهم.
كما تم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين جودة خدمات الرعاية الصحية في سنغافورة من خلال التنبؤ بالطلب المستقبلي على الخدمات الصحية. فيمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي تحليل كميات هائلة من البيانات، بما في ذلك سجلات المرضى والبحوث الطبية والمعلومات الديموغرافية لتحديد الأنماط والتنبؤ باحتياجات الرعاية الصحية المستقبلية. يمكن أن يساعد ذلك مقدمي الرعاية الصحية على تخصيص الموارد بشكل أكثر كفاءة من حيث التكلفة، وتقليل أوقات الانتظار للمرضى، والتأكد من أن المهنيين الطبيين مجهزون بشكل أفضل لتلبية احتياجات مرضاهم.
وفي قطاع النقل، استخدمت سنغافورة أنظمة الذكاء الاصطناعي من خلال التحليل التنبؤي لأنماط حركة المرور، والتي يمكن أن تساعد في تحسين تدفق حركة السيارات من خلال التنبؤ بأوقات الذروة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للأنظمة المستخدمة ضبط إشارات المرور بشكل ديناميكي غير اليدوي بناء على ظروف حركة المرور في الوقت الفعلي، ما يقلل من أوقات الانتظار ويحسن تدفق حركة المرور بشكل عام. علاوة على ذلك، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات من كاميرات المرور وأجهزة الاستشعار لتحديد الاختناقات والمجالات التي يمكن فيها إجراء التحسينات. وبشكل عام، تتمتع تقنية الذكاء الاصطناعي بالقدرة على تحسين أنظمة الطرق بشكل كبير وتقليل الازدحام المروري، ما يؤدي إلى نقل أكثر كفاءة واستدامة.
كما ساعد استخدام الذكاء الاصطناعي في صنع السياسات على دفع الابتكار والقدرة التنافسية والإنتاجية في سنغافورة. على سبيل المثال، نفذت الحكومة روبوت محادثة مدعوم بالذكاء الاصطناعي للشركات للوصول إلى المعلومات حول المخططات والمنح الحكومية. وقد أدى ذلك إلى تبسيط عملية الوصول إلى الدعم الحكومي للشركات، ما سهل عليها الابتكار والنمو. كما استخدمت الحكومة التحليلات التنبؤية المدعومة بالذكاء الاصطناعي لتحديد المجالات المحتملة للنمو والاستثمار، ما يسمح بتنفيذ سياسات أكثر استهدافا وفعالية.
بالنسبة إلى البلدان التي تتطلع إلى أن تحذو حذو سنغافورة في الاستفادة من الذكاء الاصطناعي للدفع بعملية التنمية السياسية والاقتصادية، هناك العديد من التوصيات التي يمكن تقديمها. أولا، توفير صناديق للبحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي والتي تغطي الموارد اللازمة لتطوير تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في القطاعات المختلفة وتقدم المنح للبحوث أو المشاريع التي تتعلق باستخدامات الذكاء الاصطناعي. ثانياً، يجب تطوير المبادئ التوجيهية والمعايير الأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة مسؤولة وأخلاقية. ثالثاً، توفير مساحة من الحرية الكافية للعاملين في القطاع العام خصوصاً المتخصصين في مجال الذكاء الاصطناعي للاستفادة من هذه التقنيات في مجالات الصحة والتعليم والنقل والاتصالات والاقتصاد وغيرها، الأمر الذي سوف يسهم بشكل فعلي في الإثراء بعملية صنع القرار وتعزيز الابتكار والنمو.
في الختام، لتسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي بالكامل في صنع السياسات، تحتاج الحكومات إلى إعطاء الأولوية للاستثمار في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي وتدريب القوى العاملة لديها. ويشمل ذلك بناء بنية تحتية قوية للبيانات، وضمان خصوصية البيانات وأمنها، وتعزيز التعاون بين مختلف الوكالات الحكومية وشركائها في القطاع الخاص وغيرهم من أصحاب المصلحة. بالإضافة إلى ذلك، تحتاج الحكومات إلى وضع مبادئ توجيهية ومعايير أخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في صنع السياسات لضمان الشفافية والإنصاف والمساءلة. فمن خلال اتخاذ هذه الخطوات، يمكن للحكومات الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لاتخاذ قرارات مستنيرة بشكل أفضل تفيد المجتمع ككل في نهاية المطاف.
{ مركز البحرين للدراسات
الاستراتيجية والدولية والطاقة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك