مع وجود أكثر من 4,76 مليارات مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء العالم، ووجود عدد من المنصات التي تقدم مجموعة مختلفة من الإمكانيات والميزات والحماية الأمنية، والأهم من ذلك سهولة الاستخدام، تزداد شعبية هذه الوسائل، غير أنه لا يخفي قدرتها على اختراق أروقة الحكومة والدبلوماسية الدولية.
وبالنسبة إلى الشرق الأوسط، وجدت دراسة أجرتها جامعة أوريغون، ومنظمة اليونسكو، أن دول الخليج، (البحرين، وقطر، والإمارات)، تعد من أولى دول العالم في استخدام الفرد لوسائل التواصل الاجتماعي. ووفقا لمعدي الدراسة داميان رادكليف، وهديل أبو حميد، فإن تطبيق المراسلة الخاص واتساب، يحظى بشعبية كبيرة في المنطقة، حيث إنه الشبكة الاجتماعية الأكثر انتشارا بين الشباب، وخاصة في السعودية، والإمارات.
ومع أكثر من 2 مليار مستخدم نشط في جميع أنحاء العالم -وهو رقم يضعه في مرتبة متقدمة على منافسيه تطبيق وي تشات (1.3 مليار)، وفيسبوك ماسنجر (931 مليونا)، وتيليجرام (700 مليون)، بالإضافة إلى كونه أكبر نظام اتصالات للمراسلة المحمولة في العالم؛ تمتد شعبية تطبيق واتساب، إلى ما هو أبعد من الفئات السكانية الأصغر سنا، حيث يستخدمه قادة الأعمال والمسؤولون الحكوميون والدبلوماسيون. وبحسب جوزي بيلايو، ويوليا شالوموف، من المجلس الأطلسي، فإن تطبيق الرسائل الفورية والاتصالات المشفرة قلب دبلوماسية الشرق الأوسط رأساً على عقب، من خلال ترسيخ نفسه بسرعة على أنه منصة ناجحة ورائدة لرجال الدولة، وأداة مُستخدمة بنجاح من قبل القادة وصانعي السياسات لتغيير مسار بناء السلام الإقليمي والمفاوضات في المنطقة.
وعلى الرغم من أن منصات التواصل الاجتماعي كانت منذ فترة طويلة الدعامة الأساسية للحياة اليومية لملايين الأشخاص في العالم؛ إلا أن توقف الحوار المباشر وجهاً لوجه أثناء وباء كورونا، أدى إلى زيادة استخدام خدمات المراسلة بشكل أكبر. وفي الدوائر الرسمية، بينما كان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يعلق على سياسة الحكومة تجاه الوباء على تويتر، وثق بيتر ووكر، في صحيفة الجارديان، كيف كان الاتصال بين أعضاء مجلس الوزراء في المملكة المتحدة، يتم عن طريق تطبيقات الرسائل الفورية. وأشار بيلايو، وشالوموف، إلى أن الاجتماعات الرسمية بين كبار المسؤولين في عهد رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون، كانت تتم عبر واتساب، وبالتالي تركز الكثير من عمليات اتخاذ القرار في الحكومة عبر استخدام التطبيق.
وفي المجال الدبلوماسي، على الرغم من تأثر الاجتماعات الشخصية بشدة، فقد ظل العمل اليومي المهم المتمثل في الحفاظ على قنوات حوار مفتوحة، وعقد الاجتماعات، وتسهيل المفاوضات، أمرًا ضروريًا. وأشار بيلايو، وشالوموف، إلى كيف أصبح ما يُسمونه دبلوماسية واتساب، أداة لتسهيل الممارسات الدبلوماسية التقليدية القائمة على الاتصالات، فضلا عن دوره في تقليص البيروقراطية الدبلوماسية، حيث رسخ نفسه باعتباره أداة بناء الجسور عبر الحدود، مع القدرة على تكييف السياسات. ومع ذلك، فقد أثيرت مخاوف من استخدام منصات الرسائل الفورية للمناقشات والمفاوضات الرسمية، تتعلق بـ«الأمن والشفافية».
وتتمثل إحدى الفوائد الرئيسية لاستخدام تطبيقات المراسلة الفورية، مثل واتساب في الأعمال الحكومية والدبلوماسية -مقارنةً بأشكال الاتصال التقليدية- في أن المراسلات محمية من تدخل الآخرين أو التداخل عبر التشفير، والذي أوضحه لوك جونسون، من موقع ديجتال سباي، بأنه عملية فنية يتم فيها تأمين كل رسالة يتم إرسالها بمجرد خروجها من جهاز المرسل، ويظل هاتف المتسلم المطلوب فقط لديه الرمز اللازم لفك تشفير هذه الرسالة، وبالتالي منع الجهات الخارجية من الاطلاع على محادثات خاصة.
وعليه، أوضح بيلايو، وشالوموف، كيف يشعر الدبلوماسيون بحرية أكبر في تكوين مجموعات والمشاركة فيها، وذلك بفضل أمان تشفير واتساب، حيث يتشاركون المعلومات، وينسقون الاجتماعات، ويضعون الاستراتيجيات، ويقيمون تحالفات غير رسمية، وينسقون اتخاذ القرارات السياسية. وفي تسهيل المراسلات الشخصية الفردية بين الأفراد البارزين والمؤثرين، قارن الباحثان استخدام تطبيقات الاتصالات الفورية والمشفرة بـ«الممارسات التقليدية»، مثل مغادرة أفراد الغرفة للتشاور بالخارج.
وفي الشرق الأوسط، يفضل 75% من مستخدمي الإنترنت استخدام واتساب، على وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات المراسلة الأخرى. وسجل خبراء المجلس الأطلسي، اعتمادًا قويًا ومتزايدًا على تطبيق المراسلة لإشراك قادة الحكومات الأجنبية. وفي منطقة الخليج، يعني الاستعانة بـ واتساب، أنه لعب دورًا مهمًا في بناء العلاقات المهنية.
ويبقى المثال الأبرز حتى الآن على استخدام الرسائل الشخصية في دبلوماسية الشرق الأوسط، هو جاريد كوشنر، كبير مستشاري دونالد ترامب، سابقا، الذي كان استخدامه لتطبيق واتساب للتواصل مع القادة الإقليميين معروفًا، بين عامي 2017 و2021. وأشار بيلايو، وشالوموف، إلى أنه استثمر الكثير من الوقت والجهد في إقامة علاقة قوية مع قادة الخليج عبر التطبيق، فيما كان استخدامه بشكل مؤثر على المسارات الدبلوماسية، عبر نجاحات واشنطن في السياسة الخارجية خلال هذه الفترة.
وفي حين أن استخدام تطبيق واتساب، ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى، يوفر للدبلوماسيين والمسؤولين وسيلة للتواصل بشكل أسرع وأسهل وغير رسمي؛ فإن الاستخدام الشائع لهذه التطبيقات لتنفيذ المهام الدبلوماسية رفيعة المستوى لا تخلو من القلق، خاصة فيما يتعلق بالضمانات الأمنية، وضمان عناصر الشفافية، والالتزام بالقانون والشرعية للمسؤولين المفاوضين.
وفيما يتعلق بالضمانات الأمنية، مازال هناك قلق يحيط بالقدرة المحدودة لمستخدمي منصات المراسلة على ضمان أمن خصوصياتهم بشكل كاف، ومنع تسريب المعلومات والقرصنة، والفشل في الاحتفاظ بالمراسلات في السجلات الرسمية.
وعلى الرغم من إصدار بريطانيا، لسياسة أمن الأعمال الحكومية -وهي مجموعة من القوانين والتنظيمات المتعلقة بكيفية تعامل المسؤولين مع المعلومات، والتي ينص القانون رقم 68 منها على أن وزراء الحكومة يجب ألا يستخدموا الأجهزة الشخصية أو البريد الإلكتروني الخاص أو التطبيقات الشخصية لإجراء أي من الأعمال الحكومية- فقد وثقت مؤسسة جود لو بروجيكت، كيف مازال المسؤولون رفيعو المستوى يستخدمون حسابات البريد الإلكتروني، وتطبيقات التواصل الخاصة، للأعمال الرسمية، وأشارت إلى تحذير رئيس الوزراء –آنذاك- جونسون، وثلاثة أعضاء في حكومته، من ذلك الاستخدام في عام 2021.
ويُعد وزير الصحة البريطاني الأسبق مات هانكوك، أحد الوزراء الذين حُذروا من مخاطر الاعتماد على التواصل عبر الرسائل الخاصة على تطبيق واتساب. وفي عام 2023، تم تسريب أكثر من 100 ألف محادثة عبر التطبيق خاصة للوزير، والتي أظهرت التفاصيل المتعلقة بعمليات صنع القرار خلال جائحة كوفيد-19؛ ما أدى إلى إحراج حكومي. وردًا على هذه الحالة، أجرى مكتب مفوض المعلومات البريطاني، تحقيقا في عام 2022، كشف عن عدم وجود ضوابط واضحة على استخدام تطبيقات المراسلة من قبل موظفي الحكومة. وفي مارس 2023، قامت الحكومة بتحديث إرشاداتها التوعوية بشأن استخدام واتساب وخدمات المراسلة الأخرى للوزراء والمسؤولين المعنيين.
ومن المهم أيضًا ملاحظة كيف يمكن أن يؤدي الاعتماد المتزايد على الاتصالات التكنولوجية -وليس واتساب فقط- إلى تعرض المسؤولين لخطر الاستهداف من قبل الهاكرز. وفي أواخر عام 2022، أفادت صحيفة ميل أون صنداي، أن الهاتف الشخصي لوزيرة الخارجية –آنذاك- ليز تراس، تم اختراقه من قبل عملاء مدعومين من موسكو، ليتم تسريب الرسائل الشخصية المرسلة إلى مسؤولي الخارجية البريطانية، لاحقًا إلى عديد من وكالات الاستخبارات الأجنبية. وبالمثل، استشهدت الاندبندنت، في عام 2019 بحالة السخرية من إدارة ترامب، حيث أجرى المحامي الشخصي السابق للرئيس رودي جولياني، قناة حوار دبلوماسية غير نظامية، عبر خطوط الهاتف والتطبيقات -بما في ذلك واتساب- والتي اخترقها الروس بشكل غير متوقع.
علاوة على ذلك، سلط بيلايو، وشالوموف، الضوء أيضًا على كيفية استمرار منصات وتطبيقات، مثل واتساب، في جمع بيانات المستخدمين المتعلقة بـ معلومات حول أجهزتهم وعناوين الـ IP الخاصة بها وأسماء الملفات الشخصية والصور، ليتم مشاركة هذه المعلومات مع فيسوك -التابع لشركة ميتا بلاتفورمز- والتي لاحظ الخبراء أنها مشهورة بفضائح الخصوصية، وانتهاك البيانات الخاصة بها.
وكما أنه يمكن إجراء اتصالات دبلوماسية عبر الأجهزة الشخصية التي قد يتم تشفير محتوياتها، أو الاحتفاظ بمحتويات هذه الرسائل والاتصالات خلف جدار أمني؛ فقد أشار بيلايو، وشالوموف، إلى انعدام التكامل فيما يتعلق بضمان الاحتفاظ بالعمليات الدبلوماسية. وردًا على ما أقره مكتب المملكة المتحدة للشؤون الخارجية والكومنولث والتنمية، في يناير 2023، بأن وزير الخارجية الأسبق دومينيك راب، قد استخدم واتساب، لإجراء أعمال دبلوماسية رسمية؛ أفادت جود لو بروجيكت، أن وزارة الخارجية أكدت أيضًا أنها لم تعد تحتفظ بنسخة من أي من هذه الرسائل والاتصالات، وبالتالي، فإن محتويات عامين من الاتصالات المهمة حول السياسة الخارجية البريطانية، لن تكون متاحة للتدقيق العام، وهو الأمر الذي قد يترتب عليه آثار خطيرة على مساءلة الحكومة وشفافيتها.
وفيما يتعلق بما يمكن فعله لمعالجة مخاوف الأمن والشفافية، هناك أيضًا إمكانية للوكالات الحكومية لتبني تطبيقات وبرامج مراسلة خاصة بها، لحماية أمن المستخدمين لديها بشكل أفضل، بالإضافة إلى توفر عناصر الشفافية. ورغم ذلك، فإن هذا في حد ذاته لم يخفف من القلق. وردًا على اعتماد هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية، على منصة المراسلة المشفرة ويكر -المملوكة لشركة أمازون، والتي تستخدمها الوكالات الحكومية والشركات- فقد أوضحت بن جوجين، ولويز ماتساكيس، من شبكة إن بي سي نيوز، أنها معروفة بقدرتها على حذف الرسائل تلقائيًا. وحذر مسؤولو إدارة المحفوظات والسجلات الوطنية الأمريكية، لاحقًا من استخدامها دون إرشادات صارمة. ومع ذلك، تمتلك ويكر، عقدًا بقيمة 35 مليون دولار مع وزارة الدفاع الأمريكية، لتقديم اتصالات آمنة بين قادة أسطولها البحري وقوات البرية ومشاة البحرية والقوات الجوية عبر قنوات تشفير بين كل الأطراف.
على العموم، فإنه إلى جانب تطبيقات الاتصالات الأخرى الشائعة، خلص بيلايو، وشالوموف، إلى أن واتساب، يظل محورًا مركزيًا، لأشكال الاتصال الشخصية. وفي حين أن دبلوماسية واتساب، تقدم نموذجًا جديدًا لسد نقط ضعف مؤسسات الدولة وتجاوز الروتين، فمن الواضح أن أولئك الذين يستخدمون هذه المنصات للأغراض اليومية والأعمال الحكومية رفيعة المستوى، ليس لديهم معرفة كافية بالإجراءات الضرورية اللازمة للحفاظ على المعلومات آمنة وشفافة. وبالتالي، يتطلب الاعتماد الآمن على الدبلوماسية الرقمية، توفير وتنفيذ عدة ضمانات لمعالجة المعايير القانونية لاستخدام هذه المنصات.
وفي الشرق الأوسط، كما هو الحال في بقية العالم، من غير المرجح أن يتم عكس النمط العام في استخدام تلك الاتصالات، وبالتالي ستكون المرونة من الحكومات والمستخدمين مطلوبة مع دخول الدبلوماسية الدولية حقبة جديدة من التكيف التكنولوجي والصقل الذكي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك