مر الزمن بطيئا على العالم العربي. زمن عزيز تم هدره وسط نزاعات وخصومات لم ينتج عنها إلا الدمار. ذاكرة الأجيال مليئة بالثقوب مثل جدار الإعدام. أجيال ضحينا بها من أجل لا شيء. لا تعليم ولا صحة ولا رقي ولا ثقافة ولا تصنيع بعدما غادرنا الزمن الزراعي وصارت شحة المياه عنوانا لمرحلة غابت فيها السيادة ما سمح للآخرين باستضعافنا وحرماننا من حقوقنا. وإلا ما معنى أن تتصدر إسرائيل وإيران وتركيا قائمة الدولة القوية في الشرق الأوسط ويتم إبعاد دول عربية، لديها كل مؤهلات القوة من تلك القائمة؟
حروب وصراعات من هنا وهناك. دول تخلصت من طغاتها فغاصت في وحل طائفيتها وجهاتها الإقليمية كما لو أن العمى أصابها وصارت تنظر إلى العصر باعتباره عدوّا. خائفة ومنهارة الأعصاب ومبتذلة في تعبيرها عن نفسها ولا تملك أيّ نوع من اللياقة في تقبل الآخرين.
دول تثير الشفقة وفي الوقت نفسه تُحاصر بالحرمان والقسوة والإهمال. كل واحدة من تلك الدول تعيش وضعا يُرثى له لا يستحقه شعبها. فلا فالليبيون والسوريون واليمنيون والعراقيون لا يستحقون ما انتهوا إليه من غير أن يرتكبوا ذنبا. ذنبهم أنهم صبروا أكثر مما يتحمل الصبر. وذنبهم أنهم لم يثقوا بإرادتهم لصنع مصيرهم.
في الماضي الذي صار يبتعد كانت هناك خطط للتنمية وكان هناك أمن تحميه دول قوية. لم نكن نفهم ما معنى خطة التنمية الخمسية، غير أن المصانع كانت تستوعب أعدادا هائلة من العاطلين عن العمل ولم يكن الأمن مشكلة. فالبلاد تحرسها جيوش قوية والمواطن ينسى باب بيته مفتوحا. لا أحد يحمل السلاح في الشارع ولم يكن مشهد القتل جزءا من الدرس اليومي. كان هناك حكم غير ديمقراطي ولم يكن المواطنون سعداء بذلك غير أن الوطن كان آمنا وكانت الدولة تعمل بإخلاص وحرص وأمانة. كان المواطنون وطنيين من غير أن يفكروا في وطنيتهم. كانوا حراسا من غير أن يكلفهم أحد بالحراسة.
ليذهب المستبدون إلى الجحيم. ولكن كل شيء ذهب معهم. تلك هي الكارثة. لا أعتقد أن أولئك الحكام يبتسمون لما انتهت إليه الأوضاع في بلدانهم.. الحوثي يعبث باليمن. لن يسر ذلك علي عبدالله صالح. الفساد يمرح في العراق. لن يسعد ذلك صدام حسين. أما القذافي فإنه يتأمل بأسى ما انتهت إليه بلاده، كان قد اختصر دولتها بشخصه. سيقول «إنني أعرفهم» وهو على خطأ. الصحيح أنهم لم يتعرفوا على أنفسهم.
ربع قرن من الزمان أو أكثر مر وشعوبنا العربية تقف خارج التاريخ. حتى الربيع العربي حضر كئيبا. كذبوا علينا حين سمّوه ربيعا. كانت قوى وتيارات ما يسمى «الإسلام السياسي» في انتظارنا لتقفل الأبواب علينا في مصر وتونس والعراق وسوريا واليمن ولبنان. فصارت مشكلاتنا تلتف كالأفعى حولنا وما من أمل للخروج إلى العالم وتنفس هوائه.
لسنا من سكان القرن الحادي والعشرين الميلادي. لم نعد نملك دولا قادرة على تنمية شعوبها ولم تعد تلك الدول قادرة على الدفاع عن أمنها. إنها دول مخترقة من الداخل والخارج. وصرنا فرجة لمَن يرغب في استهلاك أعصابنا وسرقة ثرواتنا. فلإيران كلمة في العراق وسوريا واليمن ولبنان ولتركيا كلمة في العراق وسوريا.
«الأمن والتنمية» هو شعار القمة العربية التي عُقدت في جدة وحضرها لأول مرة الرئيس السوري بشار الأسد بعد قطيعة دامت أكثر من عشر سنوات. ذلك الشعار هو حاجة من أجل استعادة وضع سويّ ينبغي أن تعيشه الدول.
فالمنطقة عاشت عبر ربع قرن من الزمن حياة لا تمتّ إلى الحياة الحقيقية بصلة. لقد استهلكت الحروب العبثية والمجانية كل طاقاتها. وما من مشروع حقيقي بين المتخاصمين للنهوض بأحوالها. وليس أدل على ذلك من الصراع بين خصمي السودان اللذين يقتتلان على سلطة يعرفان جيدا أن الأرض التي تحكمها يمكن أن تكون سلة غذاء للعالم العربي. هكذا يعبثان بسلسلة من ذهب.
القمة العربية بشعارها هي دعوة إلى العودة إلى العقل. ألا يمكن أن يولد العربي العاقل في مثل هذه اللحظة؟ ليس الزمن في صالحنا بالتأكيد. وليس العالم معنا بالتأكيد. علينا تقع مسؤولية حماية أمننا وعلينا أن نبحث عن سبل تنميتنا.
{ كاتب عراقي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك