شهدت دول مجلس التعاون الخليجي خلال السنوات الثلاث الأخيرة تحولا كبيرا نحو التكنولوجيا المالية، لدرجة أن مراكزها الرئيسية الثلاثة (الإمارات، البحرين، المملكة العربية السعودية) احتلت مكانة متقدمة في الخارطة العالمية للتكنولوجيا المالية، وعلى الرغم مما تعرض له القطاع المالي والمصرفي عالميا من اضطراب وشكوك بسبب انهيار بنك سيليكون فالي الأمريكي (SVB) وخاصة شركات التكنولوجيا المالية فقد كان شريكا وممولا للكثير منها، حيث قاد عملاء بنك (SVB) ما نسبته 71% من الاكتتابات العامة الأولية لشركات التكنولوجيا المالية خلال السنوات (2020 – 2023)، إلا أن أغلب شركات التكنولوجيا المالية في دول مجلس التعاون كانت بمنأى عن المخاطر التي نجمت عن انهياره، لعدم ارتباطها بتعاملات مؤثرة مع البنك.
فمثلا بلغت قيمة سوق التكنولوجيا المالية في دولة الإمارات العربية المتحدة عام 2022 نحو (2.5) مليار دولار أمريكي، وتم تصنيفها وفقا لمعايير الابتكار وحجم السوق وإمكانات التطوير في المركز الأول بين مراكز التكنولوجيا المالية في العالم، إضافة إلى أنها تتصدر وجهات التكنولوجيا المالية والشركات القائمة على التكنولوجيا الرقمية في الشرق الأوسط، وفقا لتقرير صادر عن شركة موردور إنتليجنس العالمية للأبحاث في مطلع عام 2023، كما تقدمت دولة الإمارات (5) مراكز على المستوى الدولي في مجال التكنولوجيا والابتكار، فقد انتقلت من المركز الـ(42) إلى المركز الـ(37) وفقا لتقرير التكنولوجيا والابتكار 2023، الصادر عن منظمة الأمم المتحدة.
وشهدت دولة الإمارات العربية المتحدة انعقاد المؤتمر السنوي الثاني لمنصة الاستثمار العالمية (إنفستوبيا) في العاصمة أبوظبي للمدة (2-3) مارس 2023، بجلسة عمل بعنوان «فرص النمو في اقتصاد اليوم»، تحدث فيها مجموعة من الخبراء وقادة الفكر من مختلف القطاعات عن أحدث الاتجاهات والفرص في الاقتصاد الجديد الذي يشهد تطورات سريعة في المنطقة.
وشهد المؤتمر إطلاق أول مجلس لقادة التكنولوجيا المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والذي يعد بمثابة تجمع حصري لقادة وخبراء التكنولوجيا المالية الأكثر تأثيرا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ومن المؤمل أن يوفر المجلس منصة لقادة التكنولوجيا المالية من جميع أنحاء المنطقة، لمشاركة مرئياتهم، وتبادل الأفكار والتعاون في المبادرات التي ستشكل مستقبل هذا القطاع، بتمثيل قوي من البلدان والشركات المالية التي تقود تطوير التكنولوجيا المالية في المنطقة.
كما انطلقت قمة دبي للتكنولوجيا المالية، يوم 8 / مايو / 2023 في مدينة جميرا بدبي، بتنظيم من مركز دبي المالي العالمي والتي هدفت إلى استشراف فرص التكنولوجيا المالية وحلولها المبتكرة في تصميم اقتصادات المستقبل المرنة، وذلك بمشاركة نحو خمسة آلاف من أبرز الخبراء الماليين، وصانعي السياسات، والمديرين التنفيذيين، ورواد الأعمال، والمستثمرين على مستوى العالم، بالإضافة إلى (100) جهة عارضة، و(120) متحدثا وخبيرا يمثلون أكثر من (50) دولة. وقد افتتحت القمة بكلمة للشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الأوّل لحاكم دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية بدولة الإمارات رئيس مركز دبي المالي العالمي، أكد فيها أهمية دور قطاع التكنولوجيا المالية في دبي باعتباره محركا للابتكار والنمو الاقتصادي، وبما يتماشى مع مستهدفات أجندة دبي الاقتصادية التي اعتمدتها الحكومة لتعزيز مكانة الإمارة لتكون ضمن أهم (4) مراكز مالية على مستوى العالم.
وأوضح الرئيس التنفيذي لسلطة مركز دبي المالي العالمي الأستاذ عارف أميري، في كلمته في الجلسة الافتتاحية للقمة أن استراتيجية مركز دبي المالي العالمي 2030 ترتكز «على دفع مستقبل القطاع المالي قدماً عبر تبنّي التكنولوجيا المتطورة والابتكار وتعزيز الشراكات، وتشكّل قمة دبي للتكنولوجيا المالية جزءاً رئيسياً من ذلك التوجه»، وأشار إلى أن «التوقعات تفصح عن تضاعف قيمة القطاع من حوالي (135) مليار دولار عام 2021 إلى (270) مليار دولار تقريباً عام 2027، وتتمتع دبي بمكانة مرموقة تتيح لها قيادة ذلك التوجه». وساد اليوم الأول للقمة مناقشات مُعمقة شملت موضوعات متعددة منها: الشركات الناشئة والثروة الاستثمارية؛ والبيئة التنظيمية وصنع السياسات؛ فضلاً عن مواضيع في التمويل المضمّن والمفتوح؛ والمدفوعات الرقمية وغيرها، بينما تناول اليوم الثاني مناقشة عدة محاور منها: استكشاف النظام العالمي الجديد، وكيف يمكن للحكومات والجهات التنظيمية اعتماد الابتكار؟، والأصول الرقمية والويب 3.0، ومدى قدرة الجهات التنظيمية على مواكبة المبتكرين؟ وعملة البنك المركزي الرقمية: هل يمثل ذلك مستقبل المال؟ ومواضيع أخرى عديدة. وللموضوع بقية في مقال قادم إن شاء الله.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك