العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

تتويج الملك «تشارلز» والقوة الناعمة للمملكة المتحدة

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الأربعاء ٢٤ مايو ٢٠٢٣ - 02:00

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬القوى‭ ‬العظمى‭ ‬عالميًا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬عناصر‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬والنفوذ‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬كما‭ ‬كان،‭ ‬فإن‭ ‬كفاءتها‭ ‬في‭ ‬إبراز‭ ‬قوتها‭ ‬الناعمة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬بسط‭ ‬نفوذها،‭ ‬وقيمها‭ ‬المشتركة،‭ ‬وإرثها‭ ‬التاريخي‭ ‬والثقافي،‭ ‬وأنظمة‭ ‬سياسية‭ ‬أخرى؛‭ ‬كانت‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬جعل‭ ‬الآخرين‭ ‬يريدون‭ ‬إنجاز‭ ‬ما‭ ‬تريد،‭ ‬وكما‭ ‬وصفها‭ ‬الكاتب‭ ‬الأمريكي‭ ‬جوزيف‭ ‬ناي،‭ ‬فإنه‭ ‬يتم‭ ‬تصنيفها‭ ‬باستمرار‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬الأفضل‭ ‬عالميًا‭. ‬

وفي‭ ‬مؤشر‭ ‬براند‭ ‬فاينانس‭ ‬للقوة‭ ‬الناعمة‭ ‬لعام‭ ‬2023،‭ ‬احتلت‭ ‬بريطانيا،‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية‭ ‬عالميًا،‭ ‬بعد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فيما‭ ‬اعتبرت‭ ‬لندن،‭ ‬المدينة‭ ‬الأولى‭ ‬عالميًا‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬قوتها‭ ‬الناعمة،‭ ‬قبل‭ ‬نيويورك،‭ ‬وباريس،‭ ‬ويرجع‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬سمعتها‭ ‬الراسخة‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬التميز‭ ‬الأكاديمي،‭ ‬جنبًا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬الثقافية‭ ‬الرائدة‭.‬

ومع‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالدور‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤديه‭ ‬نشر‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬في‭ ‬تلبية‭ ‬الطموحات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬لدولة‭ ‬ما،‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬العشرين‭ ‬الماضية؛‭ ‬فقد‭ ‬أقر‭ ‬المراقبون‭ ‬بالمزايا‭ ‬القيمة‭ ‬للسياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬التي‭ ‬مارستها‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دلائل‭ ‬قوتها‭ ‬الناعمة‭ ‬القوية‭. ‬وفي‭ ‬تحديثها‭ ‬للمراجعة‭ ‬المتكاملة‭ ‬لملف‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬والدفاعية‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2023،‭ ‬أوضحت‭ ‬الحكومة‭ ‬أنها‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تعظيم‭ ‬نشر‭ ‬قوتها‭ ‬الناعمة،‭ ‬لخدمة‭ ‬المصالح‭ ‬البريطانية،‭ ‬وكذلك‭ ‬بذل‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الجهد‭ ‬لتسخير‭ ‬تلك‭ ‬القوة‭ ‬لإدارة‭ ‬دفة‭ ‬نهج‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأوسع‭ ‬نطاقًا،‭ ‬وخاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بعلاقات‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬المعقدة‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الكومنولث‭.‬

وفي‭ ‬واقع‭ ‬الأمر،‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬تجسيد‭ ‬لصورة‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬البريطانية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬العائلة‭ ‬المالكة‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تقليص‭ ‬حجم‭ ‬سلطاتها‭ ‬الدستورية،‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الاحتفالات‭ ‬الملكية‭ ‬الفريدة‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬العصور،‭ ‬تجتذب‭ ‬ملايين‭ ‬السائحين‭ ‬إلى‭ ‬البلاد‭ ‬سنويًا‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الأقطار‭. ‬ووفقًا‭ ‬لنتائج‭ ‬مؤشر‭ ‬براند‭ ‬فاينانس،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬كفيل‭ ‬بجلب‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬2‭.‬5‭ ‬مليار‭ ‬جنيه‭ ‬إسترليني‭ ‬لاقتصاد‭ ‬المملكة‭ ‬سنويًا،‭ ‬لما‭ ‬تتمير‭ ‬به‭ ‬الملكية‭ ‬البريطانية‭ ‬من‭ ‬اعتراف‭ ‬دولي‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬توصف‭ ‬به‭ ‬أي‭ ‬مؤسسة‭ ‬أخرى‭ ‬بنفس‭ ‬القدر‭.‬

ومع‭ ‬ممارسة‭ ‬الملكة‭ ‬إليزابيث‭ ‬الثانية،‭ ‬مهامها‭ ‬طيلة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬70‭ ‬عامًا،‭ ‬فليس‭ ‬غريبًا‭ ‬أن‭ ‬وفاتها‭ ‬في‭ ‬سبتمبر2022،‭ ‬قد‭ ‬أثارت‭ ‬زخما،‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬كافة‭ ‬الدول،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬خصوم‭ ‬بريطانيا‭ ‬الجيوسياسيين‭. ‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬تم‭ ‬تتويج‭ ‬الملك‭ ‬تشارلز‭ ‬الثالث،‭ ‬رسميًا،‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬مايو‭ ‬2023؛‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬وفقًا‭ ‬لـ«مارك‭ ‬لاندلر‮»‬،‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز،‭ ‬يمثل‭ ‬مشهدًا‭ ‬ملكيًا،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬طرف‭ ‬غير‭ ‬بريطانيا‭ ‬وحدها‭ ‬إظهاره‭ ‬بتلك‭ ‬الدقة؛‭ ‬حيث‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬موكبه‭ ‬19‭ ‬فرقة‭ ‬عسكرية،‭ ‬و4‭ ‬آلاف‭ ‬جندي‭ ‬انتشروا‭ ‬لمسافة‭ ‬ميل‭ ‬كامل‭ ‬وسط‭ ‬لندن،‭ ‬بحضور‭ ‬2200‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬الدوليين‭ ‬البارزين،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يظل‭ ‬دليلاً‭ ‬مهمًا،‭ ‬على‭ ‬تقدم‭ ‬مستوى‭ ‬قوة‭ ‬بريطانيا‭ ‬الناعمة‭ ‬عالميا‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬الاختلافات‭ ‬المهمة‭ ‬بين‭ ‬الملك‭ ‬الحالي‭ ‬والملكة‭ ‬الراحلة‭. ‬وبينما‭ ‬اشتهرت‭ ‬الأخيرة،‭ ‬بإحجامها‭ ‬عن‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬السياسية‭ ‬المحلية‭ ‬أو‭ ‬الدولية،‭ ‬حيث‭ ‬أشارت‭ ‬غابي‭ ‬هينسليف،‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬الجارديان،‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬لا‭ ‬تدلو‭ ‬بدلوها‭ ‬في‭ ‬التطورات‭ ‬السياسية‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين؛‭ ‬فقد‭ ‬أوضح‭ ‬بيتر‭ ‬كيلنر،‭ ‬من‭ ‬مؤسسة‭ ‬كارنيجي‭ ‬للسلام‭ ‬الدولي،‭ ‬أن‭ ‬فترة‭ ‬حكم‭ ‬الملك‭ ‬تشارلز‭ ‬الثالث،‭ ‬قد‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬بوادر‭ ‬مفاجئة،‭ ‬لمشاركة‭ ‬أكثر‭ ‬نشاطًا‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الدولية‭. ‬ومن‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬يتخذ‭ ‬هذا‭ ‬النشاط‭ ‬اتجاها‭ ‬نحو‭ ‬تعزيز‭ ‬شغف‭ ‬الملك‭ ‬الواضح‭ ‬بحماية‭ ‬البيئة‭. ‬وكتب‭ ‬كيلنر،‭ ‬أن‭ ‬تولي‭ ‬الملك‭ ‬تشارلز‭ ‬للعرش‭ ‬والتأثيرات‭ ‬الذي‭ ‬سيجلبها‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬يوفر‭ ‬له‭ ‬فرصة‭ ‬أكبر‭ ‬للدفع‭ ‬بالجهود‭ ‬العالمية‭ ‬لمكافحة‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭. ‬وفي‭ ‬أول‭ ‬زيارة‭ ‬خارجية‭ ‬له‭ ‬إلى‭ ‬ألمانيا‭ ‬قبل‭ ‬تتويجه،‭ ‬كرر‭ ‬تعليقاته‭ ‬السابقة‭ ‬حول‭ ‬الحاجة‭ ‬الملحة‭ ‬لخفض‭ ‬انبعاثات‭ ‬الكربون‭ ‬عالميًا‭.‬

وليس‭ ‬غريبًا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬علاقة‭ ‬العائلة‭ ‬المالكة‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الكومنولث،‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أهم‭ ‬القضايا‭ ‬المطروحة‭ ‬حاليًا‭. ‬وباعتباره‭ ‬ملكًا‭ ‬مُنصبًا‭ ‬على‭ ‬14‭ ‬دولة‭ ‬أخرى،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬بريطانيا‭ ‬ذاتها‭-‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬كندا،‭ ‬وأستراليا،‭ ‬ونيوزيلندا،‭ ‬ومجموعة‭ ‬من‭ ‬جزر‭ ‬الكاريبي،‭ ‬مثل‭ ‬جامايكا،‭ ‬وجزر‭ ‬الباهاما،‭ ‬وجرينادا،‭ ‬وسانت‭ ‬كيتس،‭ ‬ونيفيس،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬تساؤل‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬ستستمر‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬وضعها‭ ‬الحالي،‭ ‬أم‭ ‬ستسعى‭ ‬للانفصال‭ ‬عنها‭. ‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أسباب‭ ‬أية‭ ‬تغييرات‭ ‬محتملة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬مسؤولية‭ ‬الملك‭ ‬الجديد،‭ ‬بأي‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬الأحوال؛‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بآثار‭ ‬ماضية‭ ‬طويلة‭ ‬المدى‭ ‬للإمبراطورية‭ ‬البريطانية؛‭ ‬فإنه‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الحال‭ ‬تمامًا‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬حكم‭ ‬الملكة‭ ‬إليزابيث‭ ‬الثانية؛‭ ‬سيسعى‭ ‬الملك‭ ‬تشارلز،‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬السياسية‭ ‬التاريخية‭ ‬لبريطانيا‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬كافة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬دول‭ ‬الكومنولث‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬تبدو‭ ‬هذه‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها‭ ‬تحديًا‭. ‬وأشارت‭ ‬راشيل‭ ‬بانيت،‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬واشنطن‭ ‬بوست،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬دول‭ ‬الكومنولث‭ ‬يعيدون‭ ‬الآن‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬علاقتهم‭ ‬بالتاج‭ ‬البريطاني،‭ ‬وسط‭ ‬الحسابات‭ ‬المحبطة‭ ‬والصادمة‭ ‬أحيانًا،‭ ‬التي‭ ‬خلفها‭ ‬إرث‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬البريطانية‭. ‬وفي‭ ‬نوفمبر2021،‭ ‬أصبحت‭ ‬بربادوس‭ ‬أحدث‭ ‬جمهورية،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الجزيرة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬الكومنولث‭. ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين،‭ ‬انتهجت‭ ‬حكومة‭ ‬أنتيغوا‭ ‬وباربودا،‭ ‬زمام‭ ‬المبادرة،‭ ‬والتي‭ ‬أطلقت‭ ‬جدولًا‭ ‬زمنيًا،‭ ‬لإجراء‭ ‬استفتاء‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬نظامها‭ ‬الملكي‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬السنوات‭ ‬الثلاثة‭ ‬المقبلة‭. ‬

وبدوره،‭ ‬أكد‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬جامايكا‭ ‬أندرو‭ ‬هولنيس،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سابق‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬أن‭ ‬الوقت‭ ‬قد‭ ‬حان‭ ‬لتصبح‭ ‬الجزيرة‭ ‬جمهورية‭. ‬وبعيدا‭ ‬عن‭ ‬منطقة‭ ‬البحر‭ ‬الكاريبي،‭ ‬اكتسبت‭ ‬الحركات‭ ‬الجمهورية‭ ‬زخمًا،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬أستراليا،‭ ‬ونيوزيلندا،‭ ‬وكندا؛‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬اعترف‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الأسترالي‭ ‬الحالي‭ ‬ألبانيز،‭ ‬بأنه‭ ‬جمهوري‭ ‬حتى‭ ‬النخاع،‭ ‬كما‭ ‬أصر‭ ‬المفوض‭ ‬السامي‭ ‬الأسترالي‭ ‬لدى‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬ستيفن‭ ‬سميث،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬سياسي‭ ‬جمهوري‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬مفر‭ ‬منه‭.‬

كما‭ ‬يجب‭ ‬أيضًا‭ ‬ملاحظة‭ ‬أن‭ ‬الملك‭ ‬تشارلز‭ ‬الثالث،‭ ‬مناصر‭ ‬للقضايا‭ ‬البيئية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الكومنولث،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬بالغ‭ ‬الأثر‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي،‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أيضًا‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التجمع‭ ‬المكون‭ ‬من‭ ‬54‭ ‬دولة‭. ‬وأشارت‭ ‬بانيت،‭ ‬إلى‭ ‬حضور‭ ‬الأمير‭ ‬تشارلز‭ -‬في‭ ‬السابق‭- ‬العديد‭ ‬من‭ ‬اجتماعات‭ ‬الكومنولث‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬الملكة،‭ ‬فيما‭ ‬تركزت‭ ‬اهتماماته‭ ‬الأخرى،‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬وتمكين‭ ‬الشباب،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يجعله‭ ‬شخصية‭ ‬فريدة،‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬بلدان‭ ‬العالم،‭ ‬وبالتالي‭ ‬ضمان‭ ‬مساهمة‭ ‬العائلة‭ ‬المالكة‭ ‬في‭ ‬إظهار‭ ‬ملامح‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬البريطانية‭.‬

علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬تمت‭ ‬ملاحظة‭ ‬أن‭ ‬شخصية‭ ‬النظام‭ ‬الملكي‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الملك‭ ‬الحالي،‭ ‬قد‭ ‬خضعت‭ ‬لعملية‭ ‬تغيير‭ ‬جذرية،‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬إشارة‭ ‬لاندلر،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التتويج‭ ‬أظهر‭ ‬جهودًا‭ ‬واضحة،‭ ‬لجعل‭ ‬طقوس‭ ‬التتويج،‭ ‬إبان‭ ‬القرون‭ ‬الوسطى‭ ‬أكثر‭ ‬شمولية‭ ‬وديمقراطية؛‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يتصدر‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬الأنجليكانيون‭ ‬الموكب‭ ‬الذي‭ ‬يدخل‭ ‬كنيسة‭ ‬وستمنستر‭ ‬صباح‭ ‬التتويج،‭ ‬بل‭ ‬تصدره‭ ‬ممثلون‭ ‬من‭ ‬طوائف؛‭ ‬اليهود،‭ ‬والمسلمين،‭ ‬والسيخ،‭ ‬والبوذيين‭ ‬والهندوس‭.‬

وفي‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬الأمثلة،‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تتأثر‭ ‬إمكانات‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬البريطانية‭ ‬خارجيًا،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقليص‭ ‬عدد‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تحتفظ‭ ‬بالتاج‭ ‬البريطاني‭. ‬وأشار‭ ‬كيلنر،‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ -‬كما‭ ‬كان‭ ‬الحال‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬حكم‭ ‬الملكة‭ ‬إليزابيث‭ ‬الثانية‭- ‬قد‭ ‬يشهد‭ ‬الملك‭ ‬تشارلز‭ ‬الثالث‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬انسحاب‭ ‬دول،‭ ‬مثل‭ ‬اسكتلندا،‭ ‬وأيرلندا‭ ‬الشمالية‭ ‬من‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬خلال‭ ‬استفتاءات‭ ‬ديمقراطية،‭ ‬وهو‭ ‬سيناريو‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يترك‭ ‬مستقبل‭ ‬النظام‭ ‬الملكي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬مطروحًا‭ ‬للنقاش‭. ‬ومن‭ ‬المهم‭ ‬أيضًا‭ ‬الاعتراف‭ ‬بتراجع‭ ‬شعبية‭ ‬النظام‭ ‬الملكي‭ ‬في‭ ‬بريطانيا؛‭ ‬واستشهد‭ ‬لاندلر،‭ ‬بأن‭ ‬حفل‭ ‬التتويج‭ ‬رافقه‭ ‬تصريحات‭ ‬منفرة‭ ‬من‭ ‬المتظاهرين‭ ‬المناهضين‭ ‬للملكية‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬لندن‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬قد‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬عرقلة‭ ‬الاحتفال‭ ‬بالتتويج،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬اتجاهًا‭ ‬طويل‭ ‬الأمد،‭ ‬للتخلي‭ ‬عن‭ ‬الملكية‭. ‬ووفقًا‭ ‬لاستطلاع‭ ‬أجراه‭ ‬المركز‭ ‬الوطني‭ ‬للبحوث‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬يعتقد‭ ‬29%‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬البريطانيين،‭ ‬أن‭ ‬الملكية‭ ‬أمر‭ ‬مهم‭ ‬للغاية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمثل‭ ‬انخفاضًا‭ ‬بنسبة‭ ‬38%‭ ‬عن‭ ‬العام‭ ‬السابق‭. ‬وقد‭ ‬يتضح‭ ‬منه‭ ‬أيضًا‭ ‬انخفاض‭ ‬الدعم‭ ‬والتأييد‭ ‬للعائلة‭ ‬المالكة‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬في‭ ‬الفئات‭ ‬العمرية‭ ‬الأصغر،‭ ‬حيث‭ ‬يرى‭ ‬12%‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬مواطني‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬الذين‭ ‬تتراوح‭ ‬أعمارهم‭ ‬بين‭ ‬18‭ ‬و34‭ ‬عامًا‭ ‬أنها‭ ‬ذات‭ ‬أهمية‭ ‬بالغة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬وكيان‭ ‬الأمة‭. ‬

وبتحليل‭ ‬هذه‭ ‬النتائج،‭ ‬أشارت‭ ‬أميليا‭ ‬هيل،‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬الجارديان،‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬تعكس‭ ‬اتجاهًا‭ ‬طويل‭ ‬الأمد‭ ‬لتراجع‭ ‬الدعم‭ ‬الموجه‭ ‬إلى‭ ‬النظام‭ ‬الملكي‭. ‬وأوضح‭ ‬جاي‭ ‬جودوين،‭ ‬الرئيس‭ ‬التنفيذي‭ ‬للمركز‭ ‬الوطني‭ ‬للبحوث‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬أن‭ ‬التحدي‭ ‬الأساسي‭ ‬للعائلة‭ ‬المالكة‭ ‬محليًا،‭ ‬سيكون‭ ‬تعزيز‭ ‬أهميتها‭ ‬وجاذبيتها‭ ‬لدى‭ ‬جيل‭ ‬الشباب‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬دعمه‭ ‬داخل‭ ‬بريطانيا‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬الواجب‭.‬

وتثير‭ ‬علامات‭ ‬الاستفهام‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬النظام‭ ‬الملكي‭ ‬البريطاني،‭ ‬قلقًا‭ ‬أوسع،‭ ‬حول‭ ‬علاقته‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭. ‬ومع‭ ‬استشهاد‭ ‬لاندلر،‭ ‬بكيف‭ ‬بدا‭ ‬الملك‭ ‬تشارلز‭ ‬وكأنه‭ ‬يشعر‭ ‬بثقل‭ ‬التاج،‭ ‬فقد‭ ‬زاد‭ ‬التآكل‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬ونطاق‭ ‬سلطة‭ ‬الملكية‭ ‬البريطانية،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإصلاح‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬وتقليص‭ ‬صلاحيتها،‭ ‬أو‭ ‬قرار‭ ‬الحكومات‭ ‬الوطنية‭ ‬بفصل‭ ‬نفسها‭ ‬عن‭ ‬نظامها‭ ‬الحالي،‭ ‬لتصبح‭ ‬جمهورية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيؤدي‭ ‬حتما‭ ‬إلى‭ ‬حدوث‭ ‬تغيير‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬العائلة‭ ‬المالكة‭ ‬السياسية‭ ‬مع‭ ‬بقية‭ ‬العالم‭. ‬

على‭ ‬العموم،‭ ‬فإنه‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التحديات،‭ ‬يجب‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬كيفية‭ ‬تجاوز‭ ‬النظام‭ ‬الملكي‭ ‬البريطاني‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬العواصف‭ ‬خلال‭ ‬تاريخه‭ ‬الذي‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬الألف‭ ‬عام‭. ‬وعلى‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬أشار‭ ‬كيلنر،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تمتع‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬البراجماتية‮»‬‭ ‬المستمرة،‭ ‬والتغييرات‭ ‬التدريجية،‭ ‬خلال‭ ‬القرون‭ ‬الماضية،‭ ‬أثبت‭ ‬نجاحه‭ ‬في‭ ‬ضمان‭ ‬تماسكه‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الطبيعة‭ ‬المرنة‭ ‬لعلاقة‭ ‬مواطني‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬بالعائلة‭ ‬المالكة،‭ ‬تظل‭ ‬عنصرا‭ ‬جوهريا،‭ ‬يقدم‭ ‬نموذجا‭ ‬فريدا،‭ ‬لقوة‭ ‬الدولة‭ ‬الناعمة‭ ‬في‭ ‬علاقاتها‭ ‬الخارجية‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا