بدأت الحكومات في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لتقديم الخدمات وتحسين فعالية عملياتها، لكن استخدامه في صنع سياسة معينة قد بدأ منذ بضع سنوات. ومن هنا، قامت العديد من الدول، وخصوصاً دول مجموعة العشرين، بإطلاق استراتيجيات الذكاء الاصطناعي الوطنية ضمن نطاق برامج البحث والتطوير، والتي ستسهم في الدفع بالذكاء الاصطناعي إلى تطوير العديد من القطاعات الوطنية، وخصوصاً في أسس صنع السياسات، منها تطوير البرامج القائمة على الأدلة، والتنبؤ بالنتائج، وتحليل فعالية السياسات عند تطبيقها.
لن يحل الذكاء الاصطناعي محل صناع السياسات، لكنه يمكن أن يساعدهم في اكتشاف رؤى وحلول شاملة وسريعة وفعالة في صنع السياسات على المدى القصير. وعلى نطاق أوسع، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد صناع القرار في سرعة الوصول إلى حكومة المستقبل وأن يساعد في الوصول إلى أهداف التنمية المستدامة، بحيث لا تترك أحداً وراء الركب. إن الذكاء الاصطناعي ليس خيارا خاليا من المخاطر، إذ يمكن لخوارزمياتها ومحركاتها أن تولد الذكاء من البيانات الخام مثل التعرف على الوجه وانتهاك حماية الخصوصية. الحل لهذه المشاكل هو الالتزام بمبادئ ما نسميه «بالذكاء الاصطناعي المسؤول»، ويمكن لهذه السياسة حماية المواطنين من أي عمليات تخرج عن الأطر التي يقدم فيها الذكاء الاصطناعي القيمة المضافة للحكومة والقطاع الخاص والشعوب.
يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي تجميع كميات كبيرة من البيانات بسرعة واكتشاف الأنماط لهذه البيانات. هذه القدرة مفيدة بشكل خاص أثناء الأزمات، مثل جائحة فيروس كورونا أو كارثة بيئية أو الحالات التي يرتفع فيها نقص الغذاء في الدول أو المناطق الجغرافية، حيث يمكن للتعلم الآلي أن يولد رؤى في الوقت الفعلي «real-time»، مما يسمح لصناع القرار باتخاذ إجراءات سريعة وفعالة تجاه الكوارث. وعلى الرغم من أن الحكومات اليوم تحاول بشكل روتيني التنبؤ بالتكاليف والفوائد والنتائج المتوقعة للسياسات المتخذة، فإنه يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي توفير الوقت والكلفة وعملية التنبؤ بهذه الأمور بشكل أسهل.
في كيبيك كندا، يستفيد متخصصون في مجال التنمية الاقتصادية من أدوات الذكاء الاصطناعي لتطوير فهم أكثر دقة للاختلافات الاقتصادية والعمالية والتعليمية بين المناطق الفرعية في كيبيك من خلال تحليل بيانات الحكومة والقطاع الخاص والجهات الخارجية ووسائل التواصل الاجتماعي، مما يمكن الحكومة من تشكيل خطط التنمية الاقتصادية ضمن سياسات معينة وضبطها بشكل أسرع وبأسعار معقولة أكثر مما كان ممكناً في السابق. كما تطبق العديد من الحكومات اليوم أدوات استشعار الأنماط على بيانات التجارة العالمية لتحسين ميزان المدفوعات في البلاد ووضع سياسات تجارية ذات فائدة أكبر. وفي نيو أورليانز بالولايات المتحدة، أرادت وكالة خدمات الطوارئ إنشاء سياسة تعتمد على البيانات لتحسين أوقات استجابة سيارات الإسعاف.
اعتمدت المدينة على الذكاء الاصطناعي لتحسين وضع سيارات الإسعاف الأقرب إلى المكان الذي تشتد فيه الحاجة إلى خدمات الطوارئ، فتم استخدام الخوارزميات في الممارسات الماضية، وتم تسهيل الخدمات بشكل أكبر للأحياء الفقيرة التي لم تحصل على خدمات الطوارئ بشكل أسرع. فأدى ذلك إلى نسب وفيات أقل من السابق بكثير.
تعتبر هذه المرحلة تاريخية وحاسمة للعديد من الدول التي تتطلع لأن تكون حكومات المستقبل، فيمكن للهيئات التشريعية إصدار القوانين والهيئات التنظيمية بإطلاق اللوائح الجديدة مزودين بالرؤى التي تم الحصول عليها باستخدام الذكاء الاصطناعي لاتخاذ قرارات أكثر استنارة، وسيكون لدى المشرعين والمنظمين فهم أوسع للاقتصاد، مما يسمح لهم بالتنبؤ بشكل أفضل بالتأثير المحتمل لسياسة معينة على الاقتصاد أو المجتمع مع ضرورة مشاركة أصحاب المصلحة.
وفي الخاتمة، من المرجح أن تتطلب مشاريع الذكاء الاصطناعي في صنع السياسات إلى الاستثمار في مهارات وقدرات الأفراد والبدء في إطلاق استراتيجية واضحة للذكاء الاصطناعي بمشاركة أصحاب المصلحة المختصين ومن خلال البحث عن شركاء في القطاع الخاص والجامعات ومراكز البحث، وأن إطلاق هذه الاستراتيجية يعتمد على العديد من العوامل كوفرة المعلومات، وتقنيات العمل الجديدة، والمواهب المتوافرة، ووعي أصحاب المصلحة في استخدامات أنظمة الذكاء الاصطناعي في المجالات المختلفة.
{ مركز البحرين للدراسات
الاستراتيجية والدولية والطاقة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك