اجتمعت «مجموعة السبع»، المؤلفة من «الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، واليابان، وإيطاليا، وكندا، وبمشاركة الاتحاد الأوروبي»، بين 19 و21 مايو 2023، في قمتها السنوية في «هيروشيما»، باليابان؛ لمناقشة مجموعة واسعة من الشؤون السياسية والاقتصادية الدولية. وعلى الرغم من توقع المراقبين أن تستأثر الاعتبارات المتعلقة بحرب أوكرانيا بمعظم الاهتمام، مع فرض عقوبات جديدة ضد روسيا؛ فقد دارت نقاشات مهمة حول تغيير أوسع للنهج الجيوسياسي والمناخ الاقتصادي العالمي.
وفي تأييد لهذا، أشار المراقبون الغربيون إلى رد فعل دول الجنوب العالمي، حول القرارات والإعلانات الصادرة عن اجتماع اليابان، بشأن الأمن الاقتصادي، باعتباره أحد الأبعاد المهمة لهذه القمة، ونظرًا إلى أن الغرب يسعى إلى إقناع دول عدم الانحياز في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط بالوقوف إلى جانبه في سياساته تجاه روسيا والصين. ومع استمرار معاناة الاقتصاد العالمي أيضًا من الآثار طويلة المدى لوباء كورونا، بالإضافة إلى الصدمة من اندلاع حرب أوكرانيا؛ فقد حثت مجموعة الأزمات الدولية، دول المجموعة على اغتنام الفرصة لإظهار قدرتها على مساعدة بقية العالم.
وبالإضافة إلى الأهداف الأساسية للقمة المتمثلة في إعادة تأكيد الدعم لأوكرانيا، ومواجهة التهديدات للأمن المتبادل، وتعزيز التعاون الاقتصادي خلال الاجتماعات، فقد رأت مجموعة الأزمات الدولية، أن الدول الصناعية السبع الكبرى، بدأت تفكر في كيفية إيصال رسائلهم إلى مختلف الشعوب في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الدول في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط.
وفي إطار المداولات الداخلية للمجموعة، سجلت ماريان بيتسنجر، من المعهد الملكي للشؤون الدولية، أن الأمن الاقتصادي كان هو الموضوع الرئيسي للقمة، مع حرص اليابان - القوة الاقتصادية في شرق آسيا- على تعزيز التعاون الدولي لدعم سياسات الأمن الاقتصادي المزدهرة، مستشهدة بحضور الصين المتزايد، في كل من الأسواق الدولية والمشهد الجيوسياسي، إلى جانب التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا. فيما لاحظت أن مفهوم الأمن الاقتصادي هو الأمن القومي -كما تم تسميته لأول مرة في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي عام 2017- أصبح الآن معتمدا من قبل الاقتصادات المتقدمة في العالم.
وتأكيدًا لهذا التحليل، عند تحديث المراجعة المتكاملة للحكومة البريطانية، في مارس 2023، حثت على صياغة تدابير أكثر قوة لتعزيز الأمن الاقتصادي للمملكة المتحدة، عبر هيئة وطنية جديدة - مركز حماية البنية التحتية الوطنية- لأمن سلاسل التوريد والتواصل مع الحلفاء والشركاء. وبالمثل، أشارت جورجينا رايت، من معهد مونتين، إلى الطريقة التي يقود بها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، سعيًا جديدًا عن الأمن الاقتصادي الأوروبي، بعد أن أعرب عن أسفه مؤخرًا بأن الكتلة لا يمكن أن تظل السوق الأخير المتبقي من دون سياسة صناعية.
ووفقًا لـ«توم كيتينج»، من المعهد الملكي للخدمات المتحدة، فإن الاتحاد الأوروبي أيضًا يفتقر إلى استراتيجية أمنية اقتصادية موثوقة، حيث يَظهر التفكير الجذري والعلاج فقط، عندما يتم الكشف عن نقاط الضعف وسن الإجراءات، وليس بشكل استباقي. ولمعالجة هذه الفجوة؛ من المتوقع أن تعلن المفوضية الأوروبية، قريبا عن استراتيجية الأمن الاقتصادي الخاصة بها.
ومن خلال القيام بذلك، لاحظت بيتسنجر، أن المشرعين الأوروبيين، يطورون مجموعة أدوات لتعزيز مرونة سلاسل التوريد، وضوابط التصدير، وتدقيق الاستثمار؛ لمعالجة السياسات غير السوقية والإكراه الاقتصادي، ولكن في حين أن واشنطن، تتبنى منطقا أكثر توسعًا للأمن الاقتصادي، فإن الاتحاد الأوروبي حذر من الإفراط في ظاهرة التوريق الاقتصادي، نظرًا إلى تأثيراته المحتملة على التجارة والتعاون متعدد الأطراف.
وبالإضافة إلى نقاط الاختلاف في السياسة الاقتصادية؛ فقد سلطت القمة الضوء على استمرار الخلافات السياسية بين الأعضاء. وبينما رأت مجموعة الأزمات الدولية، أن الحرب في أوكرانيا، أعطت مجموعة السبع، إحساسًا جديدًا بوجود هدف، بعد أن طغت عليها مجموعة العشرين، من حيث الأهمية في الشؤون الجيوسياسية، خلال العقد ونصف العقد الماضيين؛ فقد أشارت أيضًا إلى وجود عديد من الاختلافات السياسية، والاستمرار في إحباط التعاون بين الحلفاء نتيجة الاختلاف في التفكير. وفي حالة القمة الحالية، لاحظت كيف أن مبادرة أمريكية، لتشديد القيود التجارية على موسكو؛ قوبلت باعتراضات من أوروبا واليابان، في حين لقي اقتراح، نحو نزع السلاح النووي العالمي من قبل اليابان، باستقبال فاتر من قبل الدول الغربية المسلحة نوويا.
وفيما يتعلق بالصين، نصحت بيتسنجر، بضرورة فهم الأمن الاقتصادي المتمركز حول بكين في القمة، حيث إن الاهتمام بمكافحة الإكراه الاقتصادي، وتعزيز مرونة سلاسل التوريد سيكون له فرصة أفضل للنجاح. وفي شرحها للاختلافات داخل المجموعة، أوضحت، أنه في حين تفضل الولايات المتحدة، التحرك من أجل استبعاد الصين من الأسواق الدولية؛ فإن الاتحاد الأوروبي، واليابان، يفضلان نهجًا حياديًا للجهات الفاعلة، وهو نهج يحدد المخاطر والتهديدات، لكنه يتجنب تحديد المنظمات أو الشركات الصينية على وجه التحديد بالاسم؛ لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تصعيد الأعمال العدائية. وعليه، فإنه في مسألة الأمن الاقتصادي -التي تحظي دائما باهتمام واسع النطاق- أوصت دول المجموعة، بتعظيم التعاون بين الأعضاء، والتركيز على تعزيز سلاسل التوريد ومكافحة الإكراه الاقتصادي.
وعلى الرغم من استمرار انقسام الاقتصادات المتقدمة فيما بينها حول القضايا الاقتصادية والسياسية، إلا أن اهتمامها المشترك باعتبارات الأمن الاقتصادي يعد عاملاً موحِّدًا. وأوضحت بيتسنجر، أنه خلال القمة كان هناك اعتراف متزايد بأن تعزيز الأمن الاقتصادي يتطلب التعاون مع شركاء يتبنون ذات التفكير. ويمتد هذا الهدف ليشمل دول عدم الانحياز، والتي يُشار إليها الآن من قبل المفكرين الغربيين على أنها دول الجنوب العالمي، مع التركيز بشكل خاص على دول في أمريكا اللاتينية وإفريقيا، وجنوب آسيا والمحيط الهادئ.
وانعكاسًا لهذا النهج، رأت بيتسنجر، أن مفهوم الأمن الاقتصادي يتجاوز في النهاية دائرة أعضاء مجموعة السبع. وفي حين أن قرار اليابان، بدعوة كوريا الجنوبية، وأستراليا، لحضور القمة بمثابة خطوة مرحب بها لربط النقاشات الأمنية والاقتصادية المختلفة واللاعبين الرئيسيين بشكل أفضل؛ فإنه من أجل دفع أجندتها الاقتصادية إلى ما وراء الغرب وحلفائه، يجب أن تكون دول المجموعة مستعدة للتطلع نحو مشاركة أفضل مع الجنوب العالمي.
وفي حين أن اليابان، من دورها كمضيف، وجهت دعوات إلى البرازيل، والهند، وفيتنام، وإندونيسيا (ممثلين لرابطة دول جنوب شرق آسيا - آسيان)، وجزر القمر (ممثلة الاتحاد الإفريقي)، وجزر كوك (عن منتدى جزر المحيط الهادئ)؛ فإنه لا تزال قمة الدول الصناعية السبع بشكل واضح ناديًا حصريًا، لأغنى اقتصادات العالم وأكثرها تقدمًا، مع عدم تقديم تمثيل للقوى الرائدة في الخليج، أو الشرق الأوسط بشكل أوسع، أو أوروبا الشرقية، أو شمال إفريقيا، أو آسيا الوسطى.
ووفقا لعديد من المحللين، فإن غياب هذه الدول عن مثل هذه المناقشات، يُعد أمر مهما. وأقرت مجموعة الأزمات، بأن البلدان خارج المجموعة ألقت اللوم على الدول السبع، والدول الأخرى ذات الاقتصادات المتقدمة في تفاقم التضخم، وارتفاع أسعار السلع، وما ينتج عن الديون الحكومية الإضافية، وحاجة المسؤولين المجتمعين في القمة إلى إظهار الاستعداد لمواجهة التحديات التي يواجهها بقية العالم، وليس تحديات دول المجموعة فقط.
ومع ذلك، لاحظت بيتسنجر، أن مثل هذا الاعتراف بحد ذاته سيفيد الدول السبع، حيث إن المشاركة السياسية والاقتصادية الأفضل مع بلدان في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، ستعمل على تخفيف المخاوف الحالية، بشأن مرونة سلسلة التوريد للمجموعة، وتسهيل حشد التمويل لاستثمارات البنية التحتية ودفع الاتفاقيات التجارية.
وبينما أشارت صحيفة فاينانشال تايمز، إلى أن كلا من اليابان، والولايات المتحدة، ركزا خلال الاجتماع على القضايا الأمنية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، من أجل ضمان قدرة الدول على إظهار أكبر قدر ممكن من الوحدة في نهجها تجاه الصين، ودورها في منطقة الشرق الأوسط -التي تمر بسلسلة من التغييرات الجيوسياسية الرئيسية، وربما أوضح مثال على ذلك، الاتفاق الذي توسطت فيه بكين وأدى إلى إعادة العلاقات بين السعودية وإيران– فقد أوضح جون آيرش، من وكالة رويترز، أن القمة عُقدت لتقييم استراتيجيتهم في الشرق الأوسط، ومحاولة إيجاد وسيلة لدرء التحولات الديناميكية التي تركتهم يتدافعون من أجل الاحتفاظ بالنفوذ في منطقة لطالما احتفظ الغرب بتأثير فيها بلا منازع.
وعلى الرغم من تركيز القمة على الحرب في أوكرانيا والصين، إلا أنه كان هناك أدلة على وضع المجموعة في اعتبارها قضايا الشرق الأوسط بشكل أكبر. وفي أبريل 2023، عقد وزراء خارجية دول مجموعة السبع، جلسة محادثات حول الشرق الأوسط، أكد خلالها المسؤولون من جديد اعتقادهم المشترك بأنه لا ينبغي السماح لإيران بتطوير أسلحة نووية، وضرورة استمرارها في الالتزام بشروط عدم الانتشار النووي.
ومع ذلك، فقد أشار آيرش، إلى استياء دبلوماسيين أوروبيين من إرهاق الشرق الأوسط على أيدي الأمريكيين، والذي كان له تأثير في ترك الباب مفتوحًا للآخرين لملء الفراغ؛ وعلى الأخص الصين وروسيا. وحتى خارج تنافس القوى العظمى، فإن الأهمية المتزايدة لقوى الشرق الأوسط وتأثيرها وتشكيلها الشؤون العالمية، هي ديناميكية ركزت عليها القمة بشكل أفضل. وتم توضيح الدليل على هذا التحول من خلال الإشارة إلى زيارة الرئيس الأوكراني، زيلينسكي - قبل سفره إلى اليابان- إلى السعودية لأول مرة لحضور قمة جامعة الدول العربية في جدة، بهدف تعزيز العلاقات الثنائية، وعلاقات أوكرانيا مع العالم العربي.
على العموم، بينما أكدت مجموعة الأزمات الدولية، أن قمة الدول السبع الكبرى، تمثل عرضًا قويًا لوحدة الغرب، إلا أنها دليل أيضًا على وجود عدد لا يحصى من العقبات داخل المجموعة، بشأن التعاون السياسي والاقتصادي. وبعيدًا عن عضويتها، أشار المحللون إلى الأهمية المتزايدة للقمة لما تقدمه من فرصة لدول عدم الانحياز في الجنوب العالمي، بشأن التصرف لما يخدم مصالحها أيضًا. وبالنسبة إلى الشرق الأوسط، تمت الإشارة إلى أن دول المنطقة تتصرف بتفرد جيوسياسي أكبر واستقلال عن الرغبات المعلنة للقوى الاقتصادية والسياسية في العالم، لتأمين مصالحها الاستراتيجية، وخاصة بعد أن تخلت الولايات المتحدة عن دورها في المنطقة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك