أكاديمي وخبير اقتصادي
ناقشت الجلسة السادسة لمؤتمر هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (أيوفي) للهيئات الشرعية السنوي الحادي والعشرين الذي عقد في مملكة البحرين في المدة7-8/ مايو/2023 الموسومة «أثر الضرورة والحاجة في المعاملات الإسلامية المعاصرة» ثلاث أوراق: الأولى أعدها فضيلة الأستاذ الدكتور إلياس دردور وتضمنت تمهيدا أوضح فيه الكاتب أن منطلق اعتماد مبدأ الضرورة والحاجة في المعاملات الإسلامية هو مبدأ السماحة والاعتدال الذي تتسم به الشريعة الإسلامية لأجل الرفق بالناس، حتى لا يكون لأحد مسوغ ولا منفذ للأعراض عن الأحكام الإسلامية متذرعا بالعسر والضيق، لأن الله سبحانه وتعالى وضع هذه الشريعة المباركة حنيفية سمحة سهلة راعى فيها طاقة الإنسان وإمكاناته، لذا فقد راعت الشريعة ظروف الناس وإمكاناتهم وما تفرضه عليهم الأوضاع الاستثنائية من حالات يعجز معها الإنسان عن الامتثال لأحكام الله كما أمر بها في الأحوال العادية، وعلى ضوء ذلك جاءت هذه الورقة البحثية متضمنة خمسة مباحث الأول بعنوان: الضرورة مفهومها وأقسامها، والثاني بعنوان: تنزيل الحاجة العامة منزلة الضرورة الخاصة، والثالث بعنوان: مسالك الأصوليين في الخروج عن القواعد العامة لأجل الحاجة، والرابع بعنوان: أثر القوانين والتشريعات الدولية في تسويق الخروج عن القواعد العامة للمعاملات المصرفية الإسلامية، والخامس بعنوان: تطبيقات الحاجة والضرورة في المنتجات الحالية للمصرفية الإسلامية. وأخيرا جاءت خاتمة الورقة لتجيب على سؤال: هل للهيئة الشرعية للمؤسسة المالية الإسلامية أو الهيئة الشرعية المركزية أن تفتي بمقتضى الحاجة والضرورة من دون التصريح بذلك في فتواها؟ وقد أجاب على ذلك بالقول إن الفتوى إذا تعلقت بالضرورة العامة المطردة ففي الأمر متسع وذكر الدليل وعدمه لا يمثل إشكالا، ولكن إذا تعلقت الفتوى بالضرورة المؤقتة فينبغي ذكر دليل الحكم ومأخذه ما أمكن ذلك، وخاصة إذا كان الحكم مستغربا ومما لم تألفه النفوس، لذا ينبغي للهيئة أن تقدم ما يثبت صحة الإذن به، لاسيما أنه مقام ترخيص للممنوع وإباحة للمحرم لذا لابد من الإفصاح عن مبررات الفتوى.
أما الورقة الثانية التي عرضت في هذه الجلسة بذات العنوان وأعدها فضيلة الدكتور أحمد بن محمد أمين حسن ورتبها على هيئة مقدمة ونتائج، وأشار في المقدمة إلى أن مسألة الضرورة والحاجة تؤرقه منذ زمان بعيد، حيث يجعلها بعض المسلمين سبيلا للخروج من أحكام الشريعة ولو لم يكن حالهم قد أوصلهم إلى مرتبة الأحكام الاستثنائية.
ومن النتائج التي توصل إليها الباحث في ورقته استعمال الفقهاء مصطلح الضرورة في حالتين، حالة الضرورة بالمعنى الخاص وهي الخوف من هلاك النفس أو تلف العضو، والحالة الأخرى الضرورة بمعناها العام وهذه تشمل الحاجة، وأطلقوا الضرورة على أحكام استثنائية هي من نوع فروع الحاجة وليست من فروع الضرورة وذلك من قبيل المجاز، واستعملوا مصطلح الحاجة على فروع داخلة في الضرورة وليس الحاجة من باب المصطلح لا غير. أما من حيث التطبيق العملي في الفروع الفقهية فقد كان المعنى دقيقا لدى الفقهاء فيما تبيحه الضرورة وتبيحه الحاجة، وأن ما تبيحه الضرورة مختلف عما تبيحه الحاجة على الرغم من أن القاسم المشترك بين المصطلحين هو المشقة، كما ميز الباحث بين استخدام ضابط المشقة في العبادات والمعاملات، ففي العبادات يسند أمر المشقة إلى المكلف نفسه مثل عدم قدرة المريض على القيام في الصلاة، وأما في المعاملات فيسند أمر المشقة إلى العرف، حيث إن الشريعة لا تشرع أحكاما فقهية في المعاملات المالية لكل فرد. أما الحاجة الخاصة فتكون لأهل بلدة أو فئة من أصحاب المهن والحرف والتجارات، حيث يتعارفون على أمر يخالف القواعد العامة في المعاملات المالية فيقعون في حرج عند التزامهم بالقواعد العامة فتشرع لهم أحكام استثنائية بمقتضى الحاجة تحقيقا للتيسير الذي أراده الباري عز وجل، كما ليس من المعقول إلزام عامة الناس بعرف انفرد به أهل بلدة.
وختمت الورقة بمجموعة من التوصيات منها دعوة هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية إلى إصدار معيار للضرورة والحاجة يبين حقيقتهما ويذكر أحكامهما فيما يمكن الخروج به من القواعد العامة حال الضرورة والحاجة.
أما الورقة الأخيرة التي نوقشت في الجلسة الأخيرة للمؤتمر والتي أعدها فضيلة الشيخ علي بن محمد بن محمد نور فقد قسمت إلى ثلاثة مباحث الأول بعنوان: مفهوم الضرورة والحاجة، والثاني بعنوان: التأصيل لفقه الضرورة والحاجة في المعاملات المالية، والثالث بعنوان: تطبيقات معاصرة لفقه الضرورة والحاجة في المعاملات المعاصرة.
وفي الخاتمة قام الباحث بتلخيص ما تناوله في المتن.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك