العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

أن تكون إنسانا في عصر الذكاء الاصطناعي

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ٢١ مايو ٢٠٢٣ - 02:00

مبدئيًا‭ ‬لسنا‭ ‬ضد‭ ‬استخدام‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬أو‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالخوارزميات‭ ‬والعالم‭ ‬الافتراضي‭ ‬والإنترنت‭ ‬وعصر‭ ‬الفضائيات‭ ‬المعلوماتية،‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬وإنما‭ ‬نجد‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المناسب‭ ‬ونحن‭ ‬نعيش‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬دخلنا‭ ‬فيه‭ ‬أو‭ ‬الذي‭ ‬سوف‭ ‬نولج‭ ‬فيه‭ ‬بقوة‭ ‬ضغط‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬أن‭ ‬نفكر‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الذي‭ ‬سوف‭ ‬يأتي،‭ ‬أين‭ ‬سوف‭ ‬يقبع‭ ‬الإنسان؟

لا‭ ‬نعلم‭ ‬بالتحديد‭ ‬متى‭ ‬دخل‭ ‬الإنسان‭ ‬عصر‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬والخوارزميات‭ ‬الذكية،‭ ‬وإنما‭ ‬نعتقد‭ ‬أن‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬مثلت‭ ‬البدايات‭ ‬الحقيقية‭ ‬لذلك،‭ ‬وربما‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬قبل‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬بعض‭ ‬الارهاصات‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬الكثافة‭ ‬والقوة‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر،‭ ‬إذ‭ ‬دخلت‭ ‬الآلات‭ ‬كل‭ ‬المصانع‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬المنشآت‭ ‬الأخرى‭.‬

ويروى‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬1867‭ ‬عندما‭ ‬عمل‭ ‬توماس‭ ‬أديسون‭ ‬العالم‭ ‬المشهور‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬البرقيات‭ ‬والتلغراف،‭ ‬طلب‭ ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬المناوبة‭ ‬الليلية،‭ ‬وذلك‭ ‬حتى‭ ‬يتسع‭ ‬وقته‭ ‬للقراءة‭ ‬والتجريب،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬بالليل‭ ‬‭ ‬تقريبًا‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬عمل‭ ‬كبير‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬يُطلب‭ ‬من‭ ‬المناوبين‭ ‬بالليل‭ ‬أن‭ ‬يرسلوا‭ ‬كل‭ ‬ساعة‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬المكتب‭ ‬الرئيسي‭ ‬حتى‭ ‬يتأكد‭ ‬الرؤساء‭ ‬أن‭ ‬المناوب‭ ‬أو‭ ‬عامل‭ ‬البرقيات‭ ‬لم‭ ‬ينم،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬يزعج‭ ‬أديسون‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬يقطع‭ ‬عليه‭ ‬مزاج‭ ‬القراءة‭ ‬والتفكير‭ ‬والاختراع،‭ ‬فابتكر‭ ‬آلة‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬مسجل‭ ‬صوتي‭ ‬كهربائي،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬الجهاز‭ ‬يطلق‭ ‬كل‭ ‬ساعة‭ ‬وبصورة‭ ‬آلية‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬المكتب‭ ‬الرئيسي‭ ‬ليخبرهم‭ ‬أنه‭ ‬مستيقظ‭ ‬ولم‭ ‬ينم‭. ‬ربما‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬أول‭ ‬فكرة،‭ ‬وربما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭.‬

ونشرت‭ ‬اليونسكو‭ ‬في‭ ‬رسالتها‭ ‬هذا‭ ‬البحث،‭ ‬الذي‭ ‬سنقتبس‭ ‬منه‭ ‬هذه‭ ‬الفقرة؛‭ ‬‮«‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬هو‭ ‬نظام‭ ‬علمي‭ ‬بدأ‭ ‬رسميًّا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1956‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬دارتموث‭ ‬في‭ ‬هانوفر‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬خلال‭ ‬انعقاد‭ ‬مدرسة‭ ‬صيفية‭ ‬نظمها‭ ‬أربعة‭ ‬باحثين‭ ‬أمريكيين‭: ‬جون‭ ‬مكارثي،‭ ‬مارفن‭ ‬مينسكي،‭ ‬ناثانييل‭ ‬روتشستر‭ ‬وكلود‭ ‬شانون‭. ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين،‭ ‬نجح‭ ‬مصطلح‭ (‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭) ‬الذي‭ ‬من‭ ‬المحتمل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬اخترع‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬لإثارة‭ ‬انتباه‭ ‬الجمهور،‭ ‬بما‭ ‬أنه‭ ‬أصبح‭ ‬شائعًا‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يجهله‭ ‬اليوم،‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬الفرع‭ ‬من‭ ‬المعلوماتية‭ ‬أخذ‭ ‬في‭ ‬الانتشار‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت،‭ ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬التقنيات‭ ‬التي‭ ‬انبثقت‭ ‬عنه‭ ‬أسهمت‭ ‬بقدر‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬الستين‭ ‬سنة‭ ‬الماضية‭.‬

إلّا‭ ‬أن‭ ‬نجاح‭ ‬مصطلح‭ (‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭) ‬يرتكز‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬على‭ ‬سوء‭ ‬فهم‭ ‬عندما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬كيان‭ ‬اصطناعي‭ ‬موهوب‭ ‬بالذكاء،‭ ‬ومن‭ ‬ثم،‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬منافسة‭ ‬الكائنات‭ ‬البشرية‭. ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬التي‭ ‬تحيل‭ ‬إلى‭ ‬الأساطير‭ ‬والخرافات‭ ‬القديمة،‭ ‬مثل‭ ‬أسطورة‭ ‬غوليم،‭ ‬أُعيد‭ ‬إحياؤها‭ ‬مؤخرًا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬شخصيات‭ ‬معاصرة‭ ‬مثل‭ ‬الفيزيائي‭ ‬البريطاني‭ ‬ستيفن‭ ‬هوكنغ‭ (‬1942-2018‭) ‬أو‭ ‬رجل‭ ‬الأعمال‭ ‬الأمريكي‭ ‬إلون‭ ‬ماسك،‭ ‬ومن‭ ‬قبل‭ ‬المفكر‭ ‬المستقبلي‭ ‬الأمريكي‭ ‬راي‭ ‬كورزويل‭ ‬أو‭ ‬أنصار‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬اليوم‭ (‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬القوي‭) ‬أو‭ (‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬العام‭)‬،‭ ‬هذا‭ ‬ولن‭ ‬نستعمل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬المعنى‭ ‬الثاني‭ ‬لأنه‭ ‬يشهد‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬خيال‭ ‬مفعم،‭ ‬يستلهم‭ ‬من‭ ‬الخيال‭ ‬العلمي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬العلمي‭ ‬الملموس‭ ‬الذي‭ ‬أثبتته‭ ‬الاختبارات‭ ‬والملاحظات‭ ‬التجريبية‮»‬‭.‬

في‭ ‬26‭ ‬سبتمبر‭ ‬1983‭ ‬كان‭ (‬ستانيسلاف‭ ‬بيتروف‭) ‬وهو‭ ‬ضابط‭ ‬عسكري‭ ‬روسي،‭ ‬وكان‭ ‬مسؤولاً‭ ‬آنذاك‭ ‬عن‭ ‬نظام‭ ‬الإنذار‭ ‬النووي‭ ‬المبكر‭ ‬الذي‭ ‬يحمي‭ ‬النطاق‭ ‬الجوي‭ ‬السوفييتي،‭ ‬وكانت‭ ‬وظيفته‭ ‬تنبيه‭ ‬رؤسائه‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬إن‭ ‬أظهر‭ ‬الحاسوب‭ ‬أية‭ ‬علامة‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬هجوم‭ ‬أمريكي‭.‬

وفي‭ ‬تلك‭ ‬الليلة‭ ‬كان‭ ‬بيتروف‭ ‬في‭ ‬الخدمة‭ ‬عندما‭ ‬بدأت‭ ‬صفارات‭ ‬الإنذار‭ ‬في‭ ‬العويل‭ ‬بعد‭ ‬منتصف‭ ‬الليل‭ ‬بقليل،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الإنذار‭ ‬الذي‭ ‬يخشاه‭ ‬الجميع،‭ ‬إذ‭ ‬اكتشفت‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬السوفيتية‭ ‬أن‭ ‬صواريخ‭ ‬تابعة‭ ‬للجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬متجهة‭ ‬إلى‭ ‬الأراضي‭ ‬الروسية،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬إبان‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬فاضطرب‭ ‬المكان‭ ‬وكان‭ ‬لزامًا‭ ‬على‭ ‬بيتروف‭ ‬أن‭ ‬يبلغ‭ ‬رؤسائه‭ ‬بأسرع‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬حتى‭ ‬يتمكنوا‭ ‬من‭ ‬الرد،‭ ‬ويمكن‭ ‬بعدها‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬حرب‭ ‬نووية‭ ‬تدمر‭ ‬الكرة‭ ‬الأرض‭ ‬كلها،‭ ‬ولكن‭ ‬بيتروف‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يثق‭ ‬كثيرًا‭ ‬في‭ ‬الحواسيب‭ ‬والخوارزميات،‭ ‬لذلك‭ ‬تريث‭ ‬قليلا‭ ‬وكانت‭ ‬مغامرة،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬للثواني‭ ‬قيمة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللحظات،‭ ‬فالصواريخ‭ ‬كما‭ ‬تشير‭ ‬الحواسيب‭ ‬قادمة‭ ‬إلى‭ ‬الأراضي‭ ‬الروسية‭ ‬لا‭ ‬محال،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬بيتروف‭ ‬عمل‭ ‬عقله‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬فوجد‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المنطق‭ ‬العسكري‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬أمريكا‭ ‬الضربة‭ ‬العسكرية‭ ‬الأولى‭ ‬بخمسة‭ ‬صواريخ‭ ‬فقط‭ ‬كما‭ ‬يشير‭ ‬الحاسوب،‭ ‬فتريث‭ ‬وفكر،‭ ‬فهو‭ ‬الآن‭ ‬أمام‭ ‬خيارين‭: ‬أولهما‭: ‬أن‭ ‬يبلغ‭ ‬وينذر‭ ‬القيادة‭ ‬بشأن‭ ‬هذا‭ ‬الإنذار‭ ‬ويرسل‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬نووية،‭ ‬وإما‭ ‬أن‭ ‬ينتظر‭ ‬ويتجاهل‭ ‬البروتوكول،‭ ‬ويحمي‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الخراب،‭ ‬فقبع‭ ‬في‭ ‬موقعه‭ ‬‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬مذكراته‭ ‬حوالي‭ ‬23‭ ‬دقيقة‭ ‬وكانت‭ ‬أطول‭ ‬23‭ ‬دقيقة‭ ‬تمر‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬وجد‭ ‬أن‭ ‬الصواريخ‭ ‬النووية‭ ‬لم‭ ‬تهبط‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬الروسية‭ ‬وأن‭ ‬الإنذار‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬حقيقيا،‭ ‬وأن‭ ‬الحواسيب‭ ‬والخوارزميات‭ ‬قد‭ ‬أخطأت‭.‬

ولربما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هي‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬أو‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬يخطئ‭ ‬فيها‭ ‬الحاسوب،‭ ‬فالقصص‭ ‬كثيرة،‭ ‬فالحواسيب‭ ‬تعتمد‭ ‬في‭ ‬تفكيرها‭ ‬على‭ ‬المنطق‭ ‬الرقمي‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬برمجته‭ ‬عليه،‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬المنطق‭ ‬التحليلي‭ ‬أو‭ ‬التفكير‭ ‬المنطقي‭ ‬التحليلي‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬القرار‭ ‬الذي‭ ‬يتخذه‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يدرس‭ ‬بطريقة‭ ‬عقلانية‭ ‬تحليلية،‭ ‬وهذه‭ ‬وظيفة‭ ‬الإنسان‭ ‬وعقل‭ ‬الإنسان،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أبدًا‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬لا‭ ‬يخطئ،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬فجزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬والمشاكل‭ ‬والأزمات‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬على‭ ‬البشرية‭ ‬كان‭ ‬بسبب‭ ‬الإنسان‭ ‬نفسه‭ ‬وأخطائه‭.‬

قال‭ ‬الدكتور‭ ‬سامر‭ ‬عبيدات،‭ ‬المدير‭ ‬التنفيذي‭ ‬لمجموعة‭ ‬ستاليون‭ ‬للذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬نشرتها‭ ‬مجلة‭ ‬القافلة،‭ ‬نقتبس‭ ‬منها‭ ‬هذه‭ ‬الجزئية‭: ‬‮«‬من‭ ‬المتوقّع‭ ‬أن‭ ‬يقود‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬معدّلات‭ ‬الإنتاجية،‭ ‬والناتج‭ ‬الإجمالي‭ ‬للاقتصاد‭ ‬العالَمي‭ ‬نحو‭ ‬النموّ‭ ‬بما‭ ‬يُقدّر‭ ‬بـ15‭.‬7‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2030م،‭ ‬وهو‭ ‬رقم‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬الناتج‭ ‬الحالي‭ ‬للصين‭ ‬والهند‭ ‬معًا‭. ‬سيقود‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬هذا‭ ‬النموّ‭ ‬عبر‭ ‬قيامه‭ ‬بالمهام‭ ‬والوظائف‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬البشر‭ ‬حاليًا،‭ ‬ولكن‭ ‬بشكلٍ‭ ‬أسرع‭ ‬وأرخص‭ ‬وأكثر‭ ‬دقّة،‭ ‬وسوف‭ ‬يجعل‭ ‬عمليات‭ ‬التنبّؤ‭ ‬أقل‭ ‬تكلفةً‭ ‬وأكثر‭ ‬تحديدًا،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬التعرّف‭ ‬على‭ ‬الأنماط‭ ‬والسلوكيّات‭ ‬في‭ ‬البيانات‭ ‬الضخمة‭ (‬Big‭ ‬Data‭)‬،‭ ‬وتخصيص‭ ‬الخدمات‭ ‬والمُنتجات،‭ ‬وخدمة‭ ‬أعدادٍ‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬العملاء‭ ‬والمواطنين‭ ‬بكفاءةٍ‭ ‬وجودة‭ ‬عالية،‭ ‬وعلى‭ ‬مدار‭ ‬الساعة‭.‬

ولكن‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬تكلفة‭ ‬تمكين‭ ‬هذا‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الضخم،‭ ‬هي‭ ‬المنافسة‭ ‬غير‭ ‬العادلة‭ ‬مع‭ ‬أنظمة‭ ‬ذكية‭ ‬تقوم‭ ‬بوظائفنا‭ ‬وأعمالنا‭ ‬بكفاءةٍ‭ ‬وإنتاجية‭ ‬عالية،‭ ‬والقلق‭ ‬كلّه‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬أنفسنا‭ ‬بلا‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬القريب‮»‬‭.‬

ثم‭ ‬يواصل‭ ‬ويقول‭: ‬‮«‬يمكننا‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬نستنسخ‭ ‬رقميًّا‭ ‬أيّ‭ ‬إنسانٍ‭ ‬لبناء‭ ‬توأم‭ ‬رقمي‭ ‬ذكي‭ ‬اصطناعيًا،‭ ‬يشبهه‭ ‬تمامًا‭ ‬في‭ ‬الشكل‭ ‬والصوت‭ ‬والشخصية‭ ‬وطريقة‭ ‬الكلام،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬تعابير‭ ‬الوجه‭ ‬والمعارف‭ ‬والخبرات‭. ‬ومن‭ ‬الممكن‭ ‬تقنيًا‭ ‬لهذا‭ ‬التوأم‭ ‬الرقمي‭ ‬أن‭ ‬يعزّز‭ ‬قدرة‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬حدود‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان،‭ ‬ليتواصل‭ ‬بالنيابة‭ ‬عنه‭ ‬مع‭ ‬آلاف‭ ‬أو‭ ‬ملايين‭ ‬الأشخاص‭ ‬بلغاتٍ‭ ‬عدّة‭ ‬وفي‭ ‬أماكن‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭. ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬أقوم‭ ‬به‭ ‬اليوم‭ ‬مع‭ ‬فريقٍ‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬والمهندسين‭ ‬البارزين‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ (‬جيميناي‭ ‬Project‭ ‬Geminai‭) ‬لبحث‭ ‬وتطوير‭ ‬إمكانات‭ ‬استنساخ‭ ‬العقل‭ ‬البشري‭ ‬رقميًّا،‭ ‬بهدف‭ ‬بناء‭ ‬توأم‭ ‬رقمي‭ ‬يمثّل‭ ‬صاحبه‭ ‬البشري‭ ‬في‭ ‬العالَم‭ ‬الافتراضي‭.‬

وهذا‭ ‬ليس‭ ‬خيالاً‭ ‬علميًّا،‭ ‬فكلّ‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الناس‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والإنترنت،‭ ‬يمثّل‭ ‬تحميلاً‭ ‬لما‭ ‬في‭ ‬عقولهم‭ ‬من‭ ‬أفكار‭ ‬ومعارف‭ ‬وذكريات،‭ ‬لكنّها‭ ‬مبعثرة‭. ‬يمكننا‭ ‬معالجة‭ ‬هذه‭ ‬البيانات‭ ‬لتشكيل‭ ‬الشخصية‭ ‬الرقمية،‭ ‬وعمل‭ ‬نسخة‭ ‬أو‭ ‬توأم‭ ‬رقمي‭ ‬لأيّ‭ ‬شخصٍ‭ ‬بهدف‭ ‬تعزيز‭ ‬قدراته‭ ‬في‭ ‬العالَم‭ ‬الافتراضي،‭ ‬ودوره‭ ‬في‭ ‬اقتصادات‭ ‬المستقبل،‭ ‬فبدلاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يفقد‭ ‬الإنسان‭ ‬وظيفته‭ ‬بسبب‭ ‬نظام‭ ‬ذكاء‭ ‬اصطناعي‭ ‬تجاري،‭ ‬سيتمكّن‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬نسخته‭ ‬الرقمية‭ ‬الذكية‭ ‬لأداء‭ ‬وظيفته،‭ ‬وتعزيز‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬المستقبلي‭.‬

وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬يقول‭ ‬الدكتور‭ ‬عبيدات‭: ‬‮«‬وتشير‭ ‬التقديرات‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬حوالي‭ ‬800‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭ ‬سيفقدون‭ ‬وظائفهم‭ ‬خلال‭ ‬الأعوام‭ ‬المقبلة،‭ ‬بل‭ ‬يتوقّع‭ ‬بعض‭ ‬العلماء‭ ‬أن‭ ‬يحلّ‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬مكان‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬99%‭ ‬من‭ ‬الوظائف‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬العقدين‭ ‬المقبِلين‭. ‬كيف‭ ‬ستكون‭ ‬النتيجة‭ ‬برأيكم؟‭ ‬البطالة‭ ‬واسعة‭ ‬الانتشار،‭ ‬وهي‭ ‬أحد‭ ‬أهمّ‭ ‬المخرجات‭ ‬المتوقّعة‭ ‬للثورة‭ ‬الصناعية‭ ‬الرابعة‮»‬‭.‬

لكن‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬تعدُ‭ ‬بإنتاج‭ ‬عالمٍ‭ ‬أفضل،‭ ‬إلّا‭ ‬أنّ‭ ‬المستقبل‭ ‬يهدّد‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬العُمّال‭ ‬المهرة‭ ‬بفقدان‭ ‬وظائفهم،‭ ‬وسيطول‭ ‬التهديد‭ ‬الدول‭ ‬النامية،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬وإفريقيا‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬يتوقّع‭ ‬الخبراء‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬العُمّال‭ ‬والمُحترفون‭ ‬المتضرّرون‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المتقدّمة‭ ‬على‭ ‬دخلٍ‭ ‬أساسي‭ ‬تعويضي،‭ ‬إذ‭ ‬ستتمكّن‭ ‬دولهم‭ ‬المتطوّرة‭ ‬من‭ ‬تغطية‭ ‬هذه‭ ‬التكاليف‭ ‬عبرَ‭ ‬فرض‭ ‬الضرائب‭ ‬على‭ ‬أرباح‭ ‬الشركات‭ ‬المُنتجة‭ ‬لهذه‭ ‬التكنولوجيات‭ ‬الذكية‭.‬

نتوقف‭ ‬هنا‭ ‬قليلاً‭ ‬لنتساءل‭ ‬ونسأل‭ ‬أنفسنا‭ ‬والمهتمين‭ ‬بالذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬هل‭ ‬يقف‭ ‬الإنسان‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬أعتاب‭ ‬منعطف‭ ‬تاريخي‭ ‬حاد‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬له‭ ‬مثيل؟‭ ‬هل‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يتحكم‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرافق‭ ‬ومفاصل‭ ‬الحياة،‭ ‬ويجلس‭ ‬الإنسان‭ ‬البسيط‭ ‬يشاهد‭ ‬الآلة‭ ‬تعمل‭ ‬وتنتج‭ ‬ويقف‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬طوابير‭ ‬المتسولين‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬لقمة‭ ‬يعيش‭ ‬عليها؟

إن‭ ‬كان‭ ‬العصر‭ ‬القادم‭ ‬هو‭ ‬عصر‭ ‬المعلومات‭ ‬والفضائيات‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تمد‭ ‬الإنسان‭ ‬القوي‭ ‬الذكي‭ ‬الكبير‭ ‬بالقوة،‭ ‬ترى‭ ‬أين‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬الإنسان‭ ‬البسيط‭ ‬المتواضع؟‭ ‬هل‭ ‬سيصارع‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬سلطته‭ ‬ووجوده‭ ‬أمام‭ ‬الحواسيب‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي؟‭ ‬من‭ ‬سينتصر‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬الآلة‭ ‬أم‭ ‬الإنسان؟

لا‭ ‬أعرف‭.  ‬

 

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا