مازال تأثير العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ باقيا بيننا بالرغم من تغيرات عدة وغياب أسماء عديدة، أنظمة سقطت، ودول جديدة ولدت، وبقي تأثير حليم موجودا بصوته، وأغانيه وأفلامه، فها نحن نرى ونسمع ونشعر بجودة أغانيه على مساحة الوطن العربي لكل العرب من المحيط إلى الخليج بالرغم من مرور (46 عاما على رحيله).
قال الشاعر العربي نزار قباني: «إن عبد الحليم حافظ قاد شعبا بصوته، وكان المدفعية الثقيلة التي جمع بها الوطن العربي، عاطفيا وسياسيا» وقالوا عليه أيضا، مؤرخ ثورة يوليو وقال فيه الشاعر الإنجليزي الشهير (ديزمونت ستيوارت) إنه وزارة إعلام الحقبة الناصرية.
لم يكن عبد الحليم مطربا وفنانا فحسب بل كان سباقا للمشاركة في كل المشاريع والمساعي الوطنية، لذلك سيظل خالد الذكر لن تنساه الأجيال، كان ممتزجا مع أحلام كل وطنه، في فترات الانتصارات والانكسارات.
يقول خالد محي الدين أحد كبار قادة الثورة: «لقد تعرفت على عبدالحليم حافظ عام 1958، في مدينة (استوكهولم) بالسويد عندما كان معنا في مؤتمر منظمات السلام العالمي، إذ كان عضوا في المنظمة المصرية للسلام»، ويتابع خالد محي الدين: «أنا شخصيا مازال ينتفض جسدي عندما أسمع أغنية بلدي لما فيها من صدق ووطنية جارفة وعشق لهذا الوطن».
ويقول الصحفي مصطفى بكري: «إن عبدالحليم لم يكن ظاهرة فنية وحسب، بل كان ظاهرة سياسية وشعبية أيضا، نجح في أن يترجم كل إنجازات ثورة 23 يوليو 1952 ترجمة فنية راقية، يحكي تاريخ شعب مصر في مقاومته للظلم والاستعمار، وعندما رحل عنا شعرنا جميعا بأن ركنا مهما من أركان الثورة قد توقف عن العطاء».
يقول الشاعر أحمد فؤاد نجم: «كان عبد الحليم مغني الحلم أو مغني المشروع القومي، الذي كان يعبر عن أحلام الناس، واليوم لا يوجد حلم ولا مشروع كان حليم يمثل زمنا جميلا، وسيظل متعدد الأغنيات والتأثير، ذلك أن عبدالحليم حافظ يعد حالة خاصة من بين كل المطربين، احترم ناسه، فاحترموه وقدروه وتواصلوا معه، عبد الحليم هو المعبر عن ثورة يوليو »1952».
أما الإذاعي الكبير (جلال معوض) فيقول: «كان عبدالحليم حافظ أكثر من أخ، وأعتقد أن ارتباطي به بدأ أكثر قوة بعد رحيله، في 30 مارس 1977، عبدالحليم هو نفسه الذي أسر قلوب جميع العرب من المغرب إلى ضفاف الخليج ولذلك سيظل باقيا في الوجدان، متربعا على عرش الأغنية العربية والوطنية، لأنه كان فنانا يحترم نفسه»، ويذكر جلال معوض عن حليم أنه لن ينسى لعبد الحليم يوما عندما كان موجودا في أسوان يناير عام 1960، وكان الرئيس جمال عبد الناصر والملك محمد الخامس عاهل المغرب، وكان معنا أيضا (فريد الأطرش) فلمست إنسانا تسمو إنسانيته على أي شيء، فكان إنسانا عاديا لذلك سيظل متقدما على كل نظرائه وسيظل حبه في قلوب الجماهير العربية قبل المصرية.
تقول الإذاعية المعروفة (آمال فهمي) عن ذكرياتها مع حليم: «سافرت معه إلى الدول العربية لن أنسى رحلتنا إلى الجزائر في حفل أضواء المدينة عندما وصلنا تخيلت كل الشجر في حالة طرب ناس من كل مكان وفي العمارات وكل الأسوار، وركب عبد الحليم سيارة مكشوفة لتحية هذا الشعب الجميل».
كذلك لن أنسى عندما سافرنا إلى المغرب وكان من المقرر أن يغني حليم أربع أغنيات وفجأة جاء شخص على المسرح ماسكا مسدسا وهدده أن يغني وإلا يطلق عليه الرصاص، وبالفعل غنى حليم تحت تهديد السلاح للمحب الولهان عشر أغان أخرى.
ولكن بعد انتهاء الحفل أحس ببعض الأضرار الصحية، وتقول آمال فهمي، كان عبدالحليم في إحدى حفلاته متعبا لدرجة أنه كان يغمض عينه طوال الوقت ولذلك لفت انتباهي، فقلت له، يا حليم اغمض عينك ثم قم بفتحها.
ويقول الدكتور حسن همام أستاذ علم الاجتماع تفسيرا لظاهرة عبدالحليم حافظ: «إن قوة الحنين إلى الماضي تفوق بكثير أي قوة أخرى بما فيها الرغبة في المستقبل وبالتالي لا يوجد أي استغراب لاستمرار عبد الحليم محتلا مكان الصدارة في الغناء»، ويقول حسن همام، لقد سألت في إحدى المرات (بليغ حمدي) وقد كان زميلا في مدرسة شبرا الثانوية عن عبدالحليم فقال: «عبد الحليم هو المغني ذو الصوت الصافي، وصاحب الكلمة الراقية المعبرة إذا سمعته لن تستغني عنه، وستبحث عنه بحنين في كل مؤشرات محطات الإذاعة».
يقول الدكتور أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب، جامعة القاهرة، إن هناك نوعين من الفنون الأول يضع يده على أحاسيس الناس، عاكسا مقاييس ومستويات الذوق عند الشعب أما الثاني فهو ما لا يعكس شيئا سوى مصالح وأهداف عابرة. يبقى عبد الحليم هو الحكاية الصادقة، تسترسل فيها وتتحدث عنها وتتذكر تفاصيلها وتسترجع أحلامك معها وأجمل ما في الحكاية أنها لا تنتهي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك