لقد عرفت جزيرة البحرين في فترات التاريخ المختلفة بأسماء كثيرة، حيثُ اشتهرت في العصر السومري باسم دلمون ومعناها أرض الحياة، وفي العصر الإغريقي والعصر الروماني منذ القرن الخامس (ق.م) أطلق عليها اسم تايلوس، ويعتقد أن أحد مؤرخي الرومان ويدعى «بليني» هو الذي سماها بهذا الاسم نظرًا إلى شهرتها في اللؤلؤ، وقد أُطلق الرحالة (الريحاني) على هذه المملكة مسمى البحرين نظرًا إلى امتدادها الجغرافي الذي كان على بحرين هما: الخليج العربي وخليج عمان على الجانب الآخر.
وهناك رأي يرجع أصل التسمية إلى وقوع جزيرة البحرين بين بحر من الماء المالح الذي يجثم فوق بحر آخر من الماء العذب، وأن هذه التسمية أطلقت بسبب كثرة ينابيع المياه في المنطقة التي يشبه بعضها في غزارة مياهه بحرًا من الماء العذب الذي يجاور بحرًا آخر من الماء المالح.
وقد كان لدفء مياه الخليج العربي وصفائها وضحالتها وخاصة قرب سواحل البحرين، والذي جعلها منطقة غنية بثروتها السمكية، وأصبحت كذلك بيئة صالحة لنشوء وتطور مصائد اللؤلؤ واستخراجه، والبدء في تصنيعه والاتجار فيه على المستويين المحلي والدولي، وأصبح دخل الفرد البحريني آنذاك من أفضل المداخيل المالية في العالم، حتى إن الأغنياء من التجار البحرينيين كانوا يتحكمون في تجارة الشرق الأوسط بحكم ما يملكون من أموال ناتجة عن صيد اللؤلؤ وتربيته.
إن اللؤلؤ البحريني تصدر قائمة أفضل أنواع اللؤلؤ في العالم بلا منافس، وعلى مدى قرون، وقد اعتُبِرَت جزيرة المحرق عاصمة للؤلؤ في منطقة الخليج العربي، وذلك لكونها أكثر المدن ازدهارًا واتّصالاً بهذا الاقتصاد العريق، بالإضافة إلى كونها موطنًا لأكبر عددٍ من الغوّاصين، كما يرسمها موقع مسار اللؤلؤ في وقتنا الحاضر بالمحرق، وقد تميز اللؤلؤ البحريني عن اللآلئ الأخرى في بريق ولونه الأبيض المائل للوردي وشكله الكروي ولمعانه الطبيعي.
تعود صناعة اللؤلؤ في البحرين إلى عدة قرون مضت، حيث كانت تعد مصدرا رئيسيا للدخل والتجارة في البحرين قديمًا، وقد كانت البحرين تعرف بلقب «مملكة اللؤلؤ»، والتي كانت تصدر اللؤلؤ إلى أسواق العالم المختلفة، ووفقًا لموقع قناة (CNN) باللغة العربية، فقد قيل عن اللآلئ البحرينية: «لا أستطيع التفكير بأي مكان آخر في العالم ينتج أي شيء بشكل مستمر منذ 4 آلاف عام، مثل ما تتميز به اللآلئ البحرينية».
وانطلاقًا من توجيهات القيادة الرشيدة ورؤية البحرين الاقتصادية 2030 في ضرورة الاهتمام والمحافظة على هذا الإرث الطبيعي واستدامته واستعادة أمجاد وسمعة المملكة في مجال اللؤلؤ؛ فقد وضع معهد «دانات» منذُ تأسيسه جملة من الأهداف أهمها العمل على تنفيذ الخطة الوطنية للؤلؤ الطبيعي، والتي تهدف إلى جعل مملكة البحرين مركزًا عالميًا في مجال فحص اللؤلؤ الطبيعي، وأصبح مختبر دانات الأول من نوعه عالميًا في مجال فحص اللؤلؤ والأحجار الكريمة، والمشاركة في المؤتمرات والفعاليات العالمية للترويج لمملكة البحرين كمهد استخراج وتجارة اللؤلؤ الطبيعي، كذلك الى جانب خدمات التعليم والتدريب والبرامج ذات الصلة بفحص وتوثيق اللؤلؤ والأحجار الكريمة وتعزيز الثقة بتجارة اللؤلؤ في البحرين وحول العالم.
ونتيجة للتقدم الاقتصادي والتكنولوجي وتغيرات في طرق الإنتاج الصناعي تراجعت صناعة إنتاج اللؤلؤ الطبيعي في البحرين في القرن العشرين، إلا أنها لا تزال تحتفظ بمكانتها في التراث الثقافي والاجتماعي في مملكة البحرين ومنطقة الخليج العربي، وتم الاحتفاء بها من خلال المهرجانات والفعاليات التي تنظم في المملكة والدول المجاورة لها.
وكذلك من خلال الصناعات الحرفية والمجوهرات التي تستخدم اللؤلؤ كمادة خام في صناعتها؛ لذا فإن اللؤلؤ البحريني يلقى اهتمامًا ذا شعبية كبيرة بين المهتمين بالأحجار الكريمة والمجوهرات الفاخرة على المستويات المحلية والعالمية، وتلعب صناعة اللؤلؤ دورًا مهما في تنمية السياحة واستدامتها، وخاصة السياحة البيئية في مملكة البحرين الذي يعد اللؤلؤ من أهم ركائزها ومقوماتها.
توجد عديد من الأماكن التي يمكن للسياح زيارتها للاطلاع على تاريخ صناعة اللؤلؤ في البحرين وشراء المجوهرات المصنوعة من اللؤلؤ الطبيعي النادر على مستوى العالم، ومن أهمها منطقة «حالة بو ماهر» في جزيرة المحرق، والتي تعدُ واحدة من أشهر الوجهات السياحية المرتبطة بصناعة اللؤلؤ في المملكة، ويمكن للسياح كذلك زيارة بيت اللؤلؤ للاطلاع على كيفية صيد اللؤلؤ وتصنيع المجوهرات منه، كما يمكنهم القيام برحلات بحرية لزيارة المزارع الحديثة لتربية اللؤلؤ للاطلاع على كل مراحل عملية الاستزراع .
كما يمكن كذلك للسياح الاستمتاع بالتسوق في الأسواق المخصصة لبيع المجوهرات المصنوعة من اللؤلؤ في عديد من المناطق في البحرين، وخاصة سوق المنامة الأثري، ما سوف يسهم في دفع عجلة التنمية التجارية والاقتصادية.
وقد تم وضع قوانين تنظم مهنة صيد واستخراج اللؤلؤ، ومن هذه القرارات التي تم اعتمادها قرار رقم (43) لسنة 2017م، وذلك بشأن تنظيم صيد واستخراج اللؤلؤ، وكانت المادة الثانية منه تتعلق برخصة تنظيم رحلات الغوص لصيد واستخراج اللؤلؤ ونصت على أنه «لا يجوز تنظيم صيد واستخراج اللؤلؤ عن طريق رحلات الغوص إلا بعد الحصول على الرخصة، وفيما عدا الملتحقين بالرحلات المنظَّمة من قِبَل المراكز لا يجوز لأيِّ شخص الغوص لصيد واستخراج اللؤلؤ إلا بعد الحصول على الترخيص وفْقًا للأحكام والشروط الواردة في هذا القرار». وكما ورد كذلك في مادة رقم (3) والذي يشترط للحصول على رخصة صيد واستخراج اللؤلؤ هو الحصول على نشاط تنظيم رحلات سّياحية داخلية بحرية، رحلات الغوص، وتشمل الغوص لاستخراج اللؤلؤ والمَحَّار، والمسجَّل في نظام السجل التجاري لدى وزارة الصناعة والتجارة والسّياحة، وأنْ يكون لدى المركز سفينة مُرَخَّصة من إدارة خفر السواحل معدة لصيد واستخراج اللؤلؤ عن طريق رحلات الغوص.
إن العمل على استعادة حرفة صيد اللؤلؤ، والتي تعد من الحرف القديمة المرتبطة بالتراث البحريني سوف يكون لها أثر في السّياحة البحرينية بشكل عام والسّياحة البيئية بشكل خاص، وذلك لما تمثله من زيادة المدخولات المالية وتقوية الاقتصاد البحريني خاصة إذا تم ربطها بمؤشرات التنمية الاقتصادية بالتوافق مع الاعتبارات البيئية والاجتماعية والثقافية، وانطلاقًا من حس المسؤولية الوطنية، فإنه من الواجب علينا جميعُا من جهات رسمية ومجتمعية وأفراد المشاركة بشكل فاعل للترويج وإكساب اللؤلؤ الطبيعي شهرة محلية وعالمية على مستويات أعلى، ويمكننا ذلك عن طريق إنشاء موقع إلكتروني أو صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي للتسويق وعرض صور للمصوغات المصنوعة من اللؤلؤ، وتقديم عروض خاصة عن طريق إنشاء مقاطع فيديو تسويقية على الإنترنت، والترويج لزيارة المملكة واقتناء اللؤلؤ البحريني الثمين.
ومن الرائع كذلك تنفيذ أفكار تسويقية تشجع السياح على القدوم إلى المملكة، وعلى سبيل المثال من الممكن تنفيذ مبادرة ترويجية موسمية في مطار البحرين الدولي تحت مسمى «اللؤلؤ في انتظارك» ويفوز بها أحد المسافرين القادمين للمملكة، وخاصة في المواسم التي تحتاج إلى تنشيط سياحي.
كما قال الأديب جبران خليل جيران: «ليس اللؤلؤ سوى رأي البحر في الصدف، وليس الماء سوى رأى الزمن في الفحم» لذا فإن لعلماء النفس أراء إيجابية في اللؤلؤ وفوائده، وتتمثل في أن اللؤلؤ يمنح الشخص طاقة إيجابية عبر ارتدائه، كما يمحو ما يوجد بداخل الشخص من طاقة سلبية، كذلك يُعطي الشخص ثقة داخلية، ويمنحه جاذبية.
وهناك رأي في أن النظر إلى اللؤلؤ فترات طويلة يُحفز الذاكرة، ويهدئ من الحالة النفسية، لما يحتوي عليه اللؤلؤ من مواد تسهم في علاج الأمراض الجلدية، وقد عرف الإنسان اللؤلؤ منذ آلاف السنين، ودائمًا ما كان امتلاكه علامة على الترف والثراء الشديد.
وعلى الرّغم من تراجع اقتصاد اللّؤلؤ كنتيجةٍ للتّحوّلات الاقتصاديّة في القرن العشرين، إلّا أنّ العديد من الممارسات والمظاهر المتّصلة به مازالت قائمة، كما بقي اللّؤلؤ كرمزيّة أساسيّة في الهويّة الثّقافيّة للمجتمع البحرينيّ. إنّ استمراريّة أثر تراث اللّؤلؤ بأبعاده المادّيّة واللّامادّيّة، تُعدّ اليوم شاهدًا فريدًا على العلاقات والرّوابط الخليجيّة - الإقليميّة، الاجتماعيّة منها والاقتصاديّة، وذلك قبل اكتشاف النّفط في المنطقة.
وقد تم استخدام اللؤلؤ كهدايا للملوك والأمراء والحكام، وبالأخص اللؤلؤ البحريني الذي اكتسب شهرته وكان له دور ساهم في تقوية العلاقات بين مملكة البحرين والمملكة المتحدة خاصة، وذلك أثر ارتداء الملكة إليزابيث وأيضا أميرة ويلز أقراط اللؤلؤ البحريني، والذي يمثل امتداًدا لتقاليد بريطانية عريقة، وترويجًا للؤلؤ الطبيعي البحريني الفريد من نوعه، حيثُ يعد اللؤلؤ أحد أهم الركائز التي تسهم في منح السمعة الطيبة واستدامتها لمملكة البحرين على المستويين الإقليمي والدولي.
{ مختصة في فلسفة الدراسات
البيئية وآليات التنمية المستدامة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك