بالرغم من قسوة وشدة العقوبات الغربية ضد روسيا الاتحادية والمرتبطة بتطورات العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا وبعد مضي حوالي سنة ونصف السنة فإن الاقتصاد الروسي لم يتأثر بشكل كبير ولم تؤد هذه العقوبات كما كانت الدول الغربية تتوقع إلى خنق الاقتصاد الروسي وإفلاس الدولة الروسية خصوصا إذا تذكرنا في هذا السياق أن عدد العقوبات قد تجاوز 7000 عقوبة أغلبها في الجانب الاقتصادي.
وفي المقابل فإن البلدان الغربية عامة والأوروبية خاصة تعاني اليوم من تراجع اقتصادي وأزمات متكررة وارتفاع الأسعار ونسب التضخم التي تتجاوز 10% في بعض البلدان وزيادة نسب البطالة وما نجم عن ذلك من اضطرابات واحتجاجات اجتماعية لم تنجُ منها ولا دولة واحدة من دول الاتحاد الأوروبي وقد جاء في آخر بيان صدر عن اجتماع وزراء المالية ورؤساء البنوك المركزية لمجموعة ما يسمى بمجموعة السبع المنعقد مؤخرا في اليابان أن الاقتصاد العالمي يشهد صدمات متعددة وأن العقوبات الموجهة ضد موسكو كان لها تأثير سلبي ملموس وكبير في الأزمات الاقتصادية في الدول الأوروبية بوجه خاص.
هذه المفارقة الغربية تجعل الدولة التي تسلط عليها العقوبات أحسن حالا من مجموعة الدول التي فرضت العقوبات ضدها والدليل على ذلك تقرير صندوق النقد الدولي الأخير الصادر في بداية أبريل الماضي الذي تحدث عن الاقتصاد الروسي في عامي 2023 و 2024 رغم شدة العقوبات حيث رجح تقرير الصندوق تمكن الاقتصاد الروسي للعام الثاني على التوالي وللعام القادم الصمود رغم تكلفة الحرب العالية والعقوبات الهائلة والتي لو كان تعرضت لها دولة في العالم غير روسيا الاتحادية لانهار الاقتصاد خلال أشهر فقط إلا أن روسيا صمدت ومن المرجح أنها ستصمد إلى نهاية الحرب مهما طالت.
ويمكننا في هذا السياق أن نتوقف عند أهم الأسباب وراء هذا الصمود:
الأول: أن روسيا الاتحادية كبيرة جغرافيا واقتصاديا وبشريا فهي تشكل أكثر من 13% من مساحة الكرة الأرضية وليس الأمر له علاقة بالمساحة فقط بل في التنوع الجغرافي والاقتصادي على مستوى الموارد فروسيا تقريبا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تمتلك كل مصادر الاقتصاد والتنمية من موارد طبيعية ومعادن وموارد الطاقة الوفيرة والمياه والزراعة والقوة البشرية المؤهلة والمهارة ما جعل الاقتصاد الروسي قادرا على الاكتفاء ذاتيا وتوفير كل مقومات العيش إلى الشعب الروسي من دون الحاجة إلى الاستيراد إلا في حدود ضيقة يمكن الاستغناء عنها وتعويضها بوسائل أخرى.
الثاني: إن المؤسسة السياسية الروسية وقبل دخولها العملية العسكرية الخاصة في أرض الدونباس قد خططت بشكل جيد لمرحلة الحرب وما بعدها وتوقعت مثل هذه العقوبات ووضعت السيناريوهات لمواجهتها بحيث لم تكن هذه العقوبات مفاجئة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولا لحكومته وهذا ما يفسر بلا شك هذا الصمود الذي جعل الاقتصاد الروسي قادرا على توفير كل الاحتياجات، وكذلك فإن الصناعات الروسية تعمل على قدم وساق والمصانع والشركات المتخصصة في صناعة الأسلحة قادرة على توفير مستلزمات هذه المعركة من دون توقف في المقابل الشكوى المتكررة من الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية بأن مخازنها من الأسلحة أصبحت خاوية على عروشها بل وغير قادرة على توفير الذخائر للحليف الأوكراني ما جعل الدولة الروسية رغم كل العقوبات قادرة وحدها على الوقوف في وجه 51 دولة أغلبها من الدول الغنية المتقدمة صناعيا وعسكريا.
الثالث: إن مقومات الصمود متأتية أساسا من صمود الشعب الروسي نفسه الذي يقف بكل صلابة وراء قيادته السياسية في هذه المعركة الوجودية رغم قساوة العقوبات وذلك لأن الشعب الروسي يدرك حجم المؤامرة ضد بلاده المهددة بالتقسيم والذي يحاول الغرب إلحاق الهزيمة بروسيا دون جدوى.
وإذن لا غرابة أن يؤكد تقرير البنك الدولي أن اقتصاد روسيا أفضل حالا من الاقتصادات الغربية وتوقع أن يصمد هذا الاقتصاد في السنوات القادمة حتى وإن استمرت الحرب سنوات حيث توقع أن ينمو الناتج القومي الروسي هذا العام مقارنة لنتائج العام الماضي هذا فضلا عن أن نسبة التداين الروسي أقل من 2% مقارنة بنسبة الدين العام للدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي تصل نسبة الدين العام إلى 128% فضلا عن عجز الولايات المتحدة الأمريكية عن سداد هذه الديون.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك