في حلقة جديدة من التصعيد في الأراضي الفلسطينية المحتلة، شنت قوات الاحتلال يوم 9 مايو 2023، سلسلة من الضربات الجوية ضد مواقع فلسطينية في قطاع غزة، خلفت الدمار، وأوقعت عشرات الضحايا المدنيين، حيث استشهد أكثر من 33 شخصا، وأصيب 190 آخرون، فيما دُمر أكثر من 100 وحدة سكنية كليا، و2800 جزئيا؛ وقد تمت الإشارة إلى وجود «تخاذل غربي»، واضح لإدانة العدوان من الحكومات الغربية، التي تزعم أنها حامية حقوق الإنسان، وحق تقرير المصير، واحترام القانون الدولي؛ ما يجعل هناك ازدواجية في المعايير الغربية.
وبدلا من ذلك كان رد «الولايات المتحدة»، و«المملكة المتحدة»، و«الاتحاد الأوروبي»، على هذه الانتهاكات هو الزعم بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ضد التهديدات المتصورة»، وبالتالي، تجاهلهم لحقوق الشعب الفلسطيني، الذي يعيش في ظل ما وصفته منظمات، مثل «العفو الدولية»، و«هيومن رايتس ووتش»، بـ«نظام الفصل العنصري».
واللافت للنظر، أن أكثر الانتقادات لإسرائيل على المستوى الدولي، جاءت من مسؤولي «الأمم المتحدة»، وفي مقدمتهم «تور وينسلاند»، المبعوث الأممي للشرق الأوسط، و«فرانشيسكا ألبانيز»، المقررة الأممية المعنية بحالة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، التي أعربت عن أسفها لـ«الطابع المأساوي»، نتيجة فشل الغرب في احترام القانون الدولي، ومعاييره المزدوجة تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ويتناسب الافتقار إلى مساءلة دولية لإسرائيل، مع النمط الراسخ لرفض الإدانة العلنية، أو اتخاذ إجراءات ملموسة لممارسة النفوذ، وتقديم مبادرة سياسية للدفع بسلام مستدام في الشرق الأوسط؛ الأمر الذي يؤكد أن دائرة العنف ستستمر، وأن عدد الضحايا الفلسطينيين سوف يزداد.
وتتابعا لنمط التوترات المتزايدة في المنطقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين -والتي شملت قيام «إيتمار بن غفير»، وزير الأمن القومي المتطرف، بزيارات استفزازية للحرم القدسي الشريف، وتشجيعه المستوطنين اليهود على الهجوم على بلدة «حوارة» الفلسطينية، ما أدى إلى تدمير عشرات المنازل وإحراق عشرات السيارات أيضا، بالإضافة إلى تصريح وزير المالية الإسرائيلي، «بتسلئيل سموتريتش»، بأنه «لا شيء اسمه أمة فلسطينية، ولا تاريخ لها أو لغة- فقد نفذت «إسرائيل»، سلسلة من الغارات الجوية مؤخرا ضد أهداف في غزة.
ومع تأكيد «بيثان مكيرنان»، و«حازم بعلوشة»، في صحيفة «الجارديان»، أنها «شنت هذه الضربات على الرغم من وقف إطلاق النار الساري، والاستخدام المفرط للقوة، والعدد الكبير من الهجمات غير المبررة؛ فقد سلط المعلقون الغربيون الضوء على الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين التي نتجت عن ذلك. وأشارت شبكة «بي بي سي»، إلى أن الغارات الجوية الأخيرة على غزة، شملت «40 طائرة حربية ومروحية، دمرت عشرات المنازل، وقتلت وجرحت عشرات المدنيين، وسببت الذعر بين السكان، لا سيما بين الأطفال».
وعلى الرغم من زعم «إسرائيل»، أن الغارات استهدفت ثلاثة من قادة حركة «الجهاد الإسلامي»؛ فقد استشهد 33 مدنياً، من بينهم نساء وأطفال. وفي إشارة إلى الوضع الإنساني الذي يزداد سوءًا في غزة جراء الهجوم؛ أشار «ماكيرنان»، و«بعلوشة»، إلى أن الموجة الأخيرة من العنف تعد «أهم مستجدات القتال في المنطقة منذ شهور»، حيث خلفت حوالي 190 جريحًا فلسطينيًا، و950 نازحًا.
ومع توقف القتال بعد هدنة بوساطة مصرية؛ أوضح «باتريك كينجسلي»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، كيف يظل السؤال المطروح «متى -وليس ما إذا كان- وقف إطلاق النار سينتهي»، خاصة وأن «يوآف غالانت»، وزير الدفاع الإسرائيلي تحدث عن أن بلاده «يجب أن تكون جاهزة لأي سيناريو»، بما في ذلك ما أسماه «حملة مطولة» ضد الفلسطينيين في غزة والقدس الشرقية والضفة الغربية.
وبشكل عام، يعد عدم صدور إدانات واضحة من الدول الغربية، «ملحوظًا»، و«مؤشرًا» على استمرار نهجها المتمثل في التغاضي عن الانتهاكات المستمرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي. وبالفعل، لم يصدر أي تعليق رسمي على تلك الانتهاكات من قبل الرئيس الأمريكي، «جو بايدن»، أو وزير خارجيته، «أنتوني بلينكين». ومع تقديم المتحدث باسم «الخارجية الأمريكية»، «ماثيو ميللر»، «التعازي لعائلات المدنيين الفلسطينيين الذين استشهدوا؛ أعاد تأكيد «التزام واشنطن بأمن إسرائيل»، وهو الموقف الذي أعلنته كل من «بريطانيا»، و«ألمانيا»، والاتحاد الأوروبي.
وردا على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، صرح «جيمس كليفرلي»، وزير الخارجية البريطاني، أن حكومته مستعدة «لدعم الجهود الرامية إلى تعزيز الحوار، وخلق مسار نحو السلام المستدام»، فيما لم يرد ذكر للضحايا الفلسطينيين. وعلى الرغم من أن «الاتحاد الأوروبي»، أدان الخسائر في أرواح المدنيين التي تسببت فيها الانتهاكات الإسرائيلية، ووصفها بأنها «مؤسفة للغاية»، إلا أن رده تجاهل نهج إسرائيل الدائم في العنف.
وفي ضوء إصرار الحكومات الغربية المستمر على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، من دون إدانة واضحة لوقوع ضحايا بين المدنيين الفلسطينيين، وتدمير المنازل والبنية التحتية؛ أوضحت «ألبانيز»، أن إسرائيل لا يمكنها استخدام هذا «لتبرير احتلال» الأراضي الفلسطينية، ولا «للرعب الذي تبثه» في نفوس من يعيشون هناك «باسم حق الدفاع عن النفس».
وعليه، يجب هنا الإشارة إلى رد فعل الغرب على الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، مقارنة بدعواتها غير المتسقة إلى تقرير المصير، والسيادة، والحق في مقاومة الاحتلال، وحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. ولا تزال «أوكرانيا»، هي المثال الأكثر وضوحا، حيث أقرت الدول الغربية مرارا بالدفاع عنها ضد الهجوم الروسي، وقدمت مساعدات مالية وعسكرية هائلة لتحقيق ذلك، ودعت إلى استعادة الأوكرانيين لأراضيهم بالقوة.
وعلى النقيض من إحجامه عن التعليق على محنة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة؛ أشار «كليفرلي»، إلى قوة «عزيمة» الغرب، في زيادة دعمه لأوكرانيا؛ حيث أصبحت حكومته مؤخرًا أول قوة غربية تزود «كييف»، بمعدات متقدمة، بما في ذلك الصواريخ بعيدة المدى. وعندما يرى أنه «إذا فشلت القوى الغربية في دعم «كييف»، «ستكون هناك أجواء أكثر خطورة خلال الفترة المقبلة»؛ فعندئذٍ لا يمكن أن تتجاهل بريطانيا الانتهاكات الإسرائيلية، بشكل غير مبرر في ضوء استمرار استشهاد العديد من الضحايا الفلسطينيين المدنيين، والأضرار المادية الهائلة، ضمن سلسلة مستمرة من التصعيد والعنف.
ومع إصرار وزير خارجية «المملكة المتحدة»، على أن «الفشل في أوكرانيا من شأنه أن يعيد إلى النظام العالمي الوضع الذي تفترس فيه الدول الكبرى القوى الأضعف»؛ فإن الأعمال العدائية الإسرائيلية الممارسة ضد الفلسطينيين -التي يدعمها الغرب صراحة من خلال صادراته من الأسلحة والدعم السياسي والاقتصادي– تثير اتهامًا بازدواجية المعايير، وتعكس كيف أن رغبة الغرب في تحقيق مكاسب جيوسياسية، مازالت تعرقل آليات التنفيذ العادل والمشروع للقانون الدولي، وحماية حقوق الإنسان.
في غضون ذلك، ندد «وينسلاند»، باستشهاد وجرح المدنيين الفلسطينيين الأبرياء في الضربات الإسرائيلية الأخيرة، وحث على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس؛ «لتجنب الانجرار إلى صراع أوسع له عواقب وخيمة على طرفي النزاع»، وأصر على أهمية الحفاظ على الوضع الراهن في الأماكن المقدسة، واحترام الأديان بها، منتقدا توسيع المستوطنات الإسرائيلية على أساس أنها «تزيد من ترسيخ الاحتلال، وتغذي التوترات، وتقوض بشكل منهجي قابلية الدولة الفلسطينية للحياة كجزء من خيار حل الدولتين».
من جانبها، شجبت «ألبانيز»، «الفصل العنصري»، والسيطرة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة، باعتبارها «عرضًا لطموحات إسرائيل الإقليمية»، في الهيمنة على بقايا «فلسطين المطوّقة بالمستوطنات والمواقع العسكرية». كما وصفتها بأنها «قوة استعمارية»، تمارس «انتهاكاتها العديدة للقانون الدولي»، بغرض «الحفاظ على الاحتلال والحصول على أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية». وعند مواجهتها بالاتهامات التي وجهها إليها أحد وزراء الحكومة الإسرائيلية -«عميشاي شيكلي»، وزير شؤون الشتات- بأنها «تنشر الكراهية ومعاداة السامية»، وصفت الهجوم ضدها بأنه «لا يقل» عن حملات «التخويف والتهديد»، لمعارضة الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة.
ومع أن سفيرة المملكة المتحدة لدى «الأمم المتحدة»، «باربرا وودوارد»، أكدت أمام «مجلس الأمن»، في مارس 2023، أن القوات الإسرائيلية يجب أن تتصرف وفقًا للقانون الدولي، وأن تتحلى بضبط النفس في استخدام القوة ضد الفلسطينيين، وتتوقف عن بناء المستوطنات؛ فقد أشارت «ألبانيز»، أيضًا إلى أنه إذا كانت بريطانيا -إلى جانب شركائها الغربيين- «ملتزمة حقًا بحل الدولتين»، فعليها «التأكد من أن إسرائيل تمتثل للقانون الدولي»، وأن تفهم أن «الانتهاكات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ذات طبيعة دورية، وليس شيئًا ينفجر عرضًا».
وبالنسبة إلى المملكة المتحدة على وجه الخصوص، علقت المقررة الأممية المعنية بحالة حقوق الإنسان، بأن «مسؤوليتها» تجاه حماية القانون الدولي في فلسطين، يجب أن تكون «ذا أولوية بالنظر إلى إرثها التاريخي في المنطقة»؛ لكنه في ظل الحكومات الأخيرة والحالية، فإنها «لا تقوم بدور فعال في هذا الصدد». وفي مارس 2023، عندما زار رئيس الوزراء الإسرائيلي، «نتنياهو»، «لندن»، وقعت الأخيرة «اتفاقية شراكة استراتيجية»، مع إسرائيل، تعهدت بموجبها بتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي معها.
وعلى الرغم من أن وقف إطلاق النار يبدو «صامدًا إلى حد ما»، إلا أن «كينجسلي»، حذر من أن «عدم الاستقرار في المنطقة، يعني أن اندلاع أعمال عنف أخرى، ليس أمرًا بعيدًا»، وأنه «من دون حل كامل للقضية الفلسطينية، لا توجد نهاية واضحة لأعمال العنف المتكررة في الأراضي المحتلة». ومع إشارة «مكيرنان»، و«بعلوشة»، إلى استشهاد أكثر من 130 فلسطينيًّا على يد القوات الإسرائيلية في عام 2023 حتى الآن، فمن المتوقع أن يرتفع هذا العدد بشكل كبير إذا وقعت انتهاكات جديدة؛ نتيجة أي عمل عسكري إسرائيلي أحادي الجانب ضد مناطق سكنية كثيفة السكان.
على العموم، تُظهر حالة الصمت والتخاذل الدولي على العدوان الأخير ضد الفلسطينيين المدنيين في الأراضي المحتلة، كيف يمكن لقوات الاحتلال الإسرائيلية مستقبلاً أن تستمر في إلحاق أضرار بشرية ومادية هائلة بالفلسطينيين، من دون أي تداعيات أو عواقب أو مساءلة دولية من مؤيديها الغربيين.
وفي حالة المسؤولين الأمريكيين، مثل «بايدن»، و«بلينكين»، فإن صمتهما بشأن هذه الأوضاع، يخبرنا باستمرار تردد «واشنطن»، في إدانة الانتهاكات الإسرائيلية علنًا، كما أن تصريحات كل من «بريطانيا»، و«الاتحاد الأوروبي»، قد فشلت أيضا في إجبارها على الالتزام بالقانون الدولي، ولا حتى في إظهار حق الفلسطينيين في التمتع بحقوق الإنسان والسيادة الوطنية والأمن. ومع استمرار الغرب في تأكيد أهمية ضمان تلك الحقوق باعتبارها أسبابا صريحة لدعمهم الثابت لأوكرانيا ضد روسيا؛ فإن الاتهام بوجود «معايير مزدوجة» -تقود المصالح الخاصة بعيدًا عن تطبيق القانون الدولي- هو أمر لا يمكن نفيه، ولا تجاهله.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك