عكف نظام الملالي في إيران على التدخل في جمهورية أذربيجان منذ أن حصلت على استقلالها عام 1991، وذلك بسبب رفض الأذريين مبادئ الثورة الإسلامية الخُمينية، ومحاولات تصديرها إلى بلادهم.
يهدف هذا المقال إلى التعرف على الآلية التي تتبعها إيران لاختراق جمهورية أذربيجان، لكن أولاً لا بد من التطرق إلى أهم الأسباب التي تجعل من أذربيجان مصدر قلق لملالي طهران:
- بعد مرور شهر واحد على استقلال أذربيجان عن الاتحاد السوفيتي عام 1991م، حصلت أرمينيا على استقلالها، إلا أن الحكومة الإيرانية اعترفت بأرمينيا قبل أذربيجان، والسبب في ذلك يرجع إلى أن الأذريين الذين رفضوا تصدير الثورة الخمينية إلى بلادهم قبل تفكك الاتحاد السوفيتي بفترة قليلة.
- التحالف الثلاثي الذي تشكل ضد أذربيجان وضم، روسيا وأرمينيا بالإضافة إلى إيران دفعها إلى تقوية علاقتها مع تركيا وإسرائيل، ما يعد تهديدا للأمن الوطني الإيراني.
- يبلغ عدد الأذريين في إيران، ضعف عددهم في أذربيجان نفسها، ويميلون إلى الانفصال، ويقدر عددهم بحوالي 25 مليونا، وقد أصبحت باكو ملاذا آمنا لعدد من التنظيمات المعارضة الأذرية التي تطالب بالانفصال عن إيران.
اختراق المنظومة العسكرية البحرية الأذرية:
كشف جهاز الأمن في جمهورية أذربيجان في نوفمبر 2022 عن اعتقال قبطان سفينة في الأسطول النفطي في بحر قزوين، بتهمة الخيانة العظمى.
وبحسب بيان لجهاز الأمن، فإن (ظاهر عسكروف) هو جاسوس تم تجنيده من قبل المخابرات الإيرانية خلال فترة دراسته الدينية في مدينة (قم) الإيرانية، مقابل تلقيه أموالا.
ولعل من المناسب أن نطرح هذا التساؤل المهم: ما هي المهام التي طلب جهاز المخابرات الإيراني من عسكروف القيام بها؟
الجواب عن هذا التساؤل جاء في بيان جهاز الأمن الأذري، حيث أشار إلى أن الجاسوس قام خلال الفترة ما بين الدراسة في قم وحتى يوم اعتقاله بالآتي:
- قدم ظاهر عسكروف، معلومات عن الشركات ومكاتب تمثيل الدول الأجنبية التي تعمل في أذربيجان.
- قدم الجاسوس، معلومات عن أماكن ووقت التدريبات البحرية في بحر قزوين.
- قدم معلومات تتضمن تفاصيل شحنات منصات النفط بهدف إضعاف سيادة أذربيجان وقوتها الدفاعية.
على الصعيد ذاته كشف جهاز أمن الدولة عن أن جاسوسا آخر يدعى (رسولوف إلنور عاكف اوغلو) تعاون مع المخابرات الإيرانية ونفذ هذه المهام:
- سلم صورا فوتوغرافية وفيديوهات للأراضي التي تمر بها خطوط أنابيب النفط والغاز بمحافظة قراداغ.
- سلم صورا فوتوغرافية وفيديوهات لأراضي توجد بها دبابات ومعدات عسكرية وطائرات من دون طيار موجودة في المطار، بالإضافة إلى بعض المقتنيات التي عٌرضت في مهرجان (تكنوفيست) للطيران والفضاء في باكو، كما احتوت الصور على الأنظمة الصاروخية وبعض منشآت الرادار والمراقبة.
تجدر الإشارة إلى أن الجاسوس قد سلم المعلومات والصور والفيديوهات إلى المخابرات الإيرانية من خلال إرسالها عبر (واتس اب).
اختراق المنظومة الإعلامية لجمهورية أذربيجان:
اعتقلت وزارة الداخلية الأذرية عشرات الأشخاص ضمن شبكة التجسس الإيرانية، وأعلنت في فبراير 2023، أن من بينهم رجل الدين الشيعي (مطلب باغيروف) المعروف باسم الحاج مطلب، الذي يمتلك قناة (إينتراز) التلفزيونية، ووكالة أنباء (سلام نيوز)، بالإضافة إلى نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي.
وبحسب وكالة الأنباء الأذربيجانية، فإن أعضاء شبكة التجسس الإيرانية كانوا يقومون بالأفعال التالية:
- تظاهروا أنهم رجال دين، من أجل نشر دعاية لصالح إيران على شبكات التواصل الاجتماعي.
- قاموا بالإساءة إلى حرية المعتقدات الدينية في البلاد، حيث خالفوا تقليد التسامح المتعارف عليه في أذربيجان، وذلك من أجل خلق بيئة طائفية تدفع الناس إلى الصراع فيما بينهم.
- عمدوا إلى نشر الثقافة الفارسية، عن طريق استخدام أعلام سوداء عليها نقوش باللغة الفارسية في الاحتفالات الدينية التي يحضرها الناس.
ويتضح لنا هنا أن إعطاء العملاء صفة رجل دين هو أسلوب متبع من قبل المخابرات الإيرانية ليس في أذربيجان فحسب، بل في أغلب الدول المستهدفة، فرجل الدين عندما يتحدث أو يدعو الناس إلى أمر ما يعطيه شرعية، لذلك هو أكثر تأثيرا من غيره.
المخدرات سلاح رئيسي تستخدمه المخابرات الإيرانية في حربها على أذربيجان:
أعلنت وزارة الداخلية في أذربيجان في فبراير2023 تفكيك شبكة تهريب مخدرات من إيران، واعتقال 39 من أعضائها.
وبحسب وكالة أنباء (ترند) شبه الرسمية، فإن الشبكة كانت تعمل بأسماء مستعارة هي: (بيونخان، بيمان، بابا، آراز)، ونقلت (ترند) عن شرطة مكافحة المخدرات، أنها قامت بعمليات على مدى 20 يوما في باكو وبعض المناطق الأخرى، وأنها صادرت أكثر من مائة كيلوجرام من المخدرات وبعض العقاقير التي تؤثر على العقل، بينها حوالي ثلاثة آلاف حبة (ميثادون وإكستاسي).
تجدر الإشارة إلى أن إدارة جمارك ناخجيوان ضبطت في أبريل 2023 محاولة تهريب 500 كلغ من الهيروين في مستودع شاحنة إيرانية متوجهة الى ندرلاند ونزلت ترانزيت في أراضي أذربيجان.
جهاز أمن الدولة يكشف عن عصابة مسلحة غير شرعية أنشئت تحت مظلة الاستخبارات الإيرانية:
قامت أجهزة الاستخبارات الإيرانية بتدريب مواطنين من أذربيجان تدريبات عسكرية بشكل سري في سوريا، بغرض إحداث فوضى داخل البلاد، ونقلت وكالة أنباء (أذرتاج) الأذربيجانية عن جهاز أمن الدولة أن العملاء تم نقلهم إلى طهران ثم إلى دمشق على متن طائرات شحن عسكرية.
آليات تعامل الاستخبارات الإيرانية مع العملاء بحسب جهاز أمن الدولة في أذربيجان:
- صادرت جوازات سفرهم وهواتفهم النقالة ثم أبلغتهم عن خطة التآمر ضد بلادهم، وذلك لضمان عدم تعقبهم.
- أعطتهم ألقابا دينية وزودتهم بوثائق مزيفة.
- تم تدريبهم على استخدام الأسلحة المختلفة والتكتيكات القتالية.
- زودتهم بالأموال وعملت لهم بصمة أصابع.
- وضع جدول زمني للقيام بعمليات وفعاليات في بعض المحافظات في أذربيجان.
- هربت معدات وأغراضا باستخدام سيارات تابعة للسفارة الإيرانية منها قمصان مكتوب عليها شعارات دينية لارتدائها خلال المشاركة في الفعاليات المخطط لها.
كما أكد جهاز أمن الدولة أن مواطني جمهورية أذربيجان قد تعرضوا للابتزاز وتم استخدام أساليب عنف كثيرة معهم من أجل إجبارهم على العمل ضد بلادهم، وأشار إلى أنه قد ضبط العديد من الكتب والفيديوهات الممنوعة في أذربيجان والتي من شأنها نشر الأفكار الراديكالية والدينية المتطرفة التي تتعارض مع مصالح البلاد والدولة العلمانية.
كيف تقوم أذربيجان بحماية أمنها من التدخلات الإيرانية؟
نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في السادس من مارس الماضي تحقيقاً استقصائياً كشفت فيه عن بيع إسرائيل لأذربيجان أدوات عسكرية بمليارات الدولارات مقابل النفط، وذكر التقرير أنه خلال السنوات السبع الأخيرة هبطت 92 رحلة طيران تابعة لشركة (سيلكوي) الأذرية في مطار (وفدا) العسكري الواقع في جنوب إسرائيل، من أجل نقل شحنات أسلحة وذخائر إلى أذربيجان.
وكشف التقرير عن سماح جمهورية أذربيجان للموساد بإقامة محطة استخبارات تمكنها من رصد وتعقب ما يجري في إيران، بل وصل مدى التعاون بينهم إلى أن أهلت أذربيجان مطارا خاصا في حال أرادت إسرائيل ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وأضاف التقرير أن الأرشيف النووي الإيراني الذي سرقه عملاء الموساد قد تم تهريبه عبر أذربيجان.
ختاماً، ومن خلال ما ذُكر أعلاه، فإن العلاقات الأذربيجانية الإيرانية تزاد سوءا وتأزما مع الوقت، فالنظام الإيراني يعمل على تصدير الفكر الثوري في جمهورية ترى في الفكر العلماني السبيل إلى تحقيق مستوى أفضل، وقد نجحت أذربيجان بالفعل في التقدم والسير إلى الأمام وهي ليست بحاجة إلى فكر الخُميني الذي أثبت فشله في كل دولة دخل بها.
من جهة أخرى يلاحظ أن جهاز أمن الدولة في أذربيجان دائماً ما يؤكد أن من جندتهم الاستخبارات الإيرانية كانوا تحت التهديد والترهيب والتخويف بالإضافة إلى استخدامهم عقاقير مخدرة تؤثر على العقل الباطن وتدفع الناس إلى القيام بأفعال لم يكن ليقوموا بها في الحال الطبيعي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك