قد لا تكون المواجهة الثأرية بين الرئيس الحالي الديمقراطي جو بايدن وسلفه الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في نوفمبر من عام 2024 هي المنافسة المرتقبة التي يريدها معظم الأمريكيين. يبدو أن ذلك هو الذي سيحصل في جميع الأحوال.
لا شك أن الرئيس الحالي جوزيف بايدن يجد نفسه اليوم في وضع معقد، حيث تظهر مختلف استطلاعات الرأي أن الديمقراطيين لديهم موقف إيجابي منه ويوافقون على أدائه الوظيفي، ولكن بسبب المخاوف المتعلقة بتقدمه في العمر فإن زهاء نصف الديمقراطيين تقريبًا يفضلون أن يفسح المجال لشخص آخر ليخوض غمار الانتخابات الرئاسية في سنة 2024. لعل هذا الأمر قد يمثل مشكلة وعقبة قد تعيق إعادة انتخاب الرئيس، لكن يجب أن نأخذ في الاعتبار أربعة عوامل أساسية:
أولاً - قد يعني بقاء الرئيس بايدن في منصبه من دون أي مواجهات درامية مدة عامين ونصف أنه لا يوجد أي مرشح ديمقراطي جاد وجدي يكون على استعداد لتحدي إعادة انتخابه.
ثانيًا - سيكون الخليفة المحتمل للرئيس بايدن نائبته كامالا هاريس، غير أن أسهمها متدنية جدًا لدرجة أن الديمقراطيين يرون أن الرئيس بايدن، وعلى الرغم من تقدمه في العمر، يمثل رهانًا أكثر أمانًا في سباق الانتخابات العامة ضد أي مرشح جمهوري.
ثالثًا - تعتبر مختلف البدائل ممكنة لمنافسة جو بايدن وخلافته من تيار الوسط، ما يعني أن أي تحدٍ سيعتمد على الاختلافات الشخصية ولن ينبني على الفوارق والاختلافات في الرؤى والمواقف والتصورات السياسة وهو ما سيثير استياء مؤسسة الحزب.
رابعاً - من غير المرجح حدوث تحدٍ في ظل الجدول الزمني الجديد للانتخابات التمهيدية الرئاسية. فقبل بضعة أشهر، استبدلت اللجنة الوطنية الديموقراطية، الهيئة الحاكمة للحزب، ولايتي أيوا ونيوهامبشاير، وهما أولى الولايات التي ظلت طويلا تشهد انطلاق السباق الانتخابي، بولاية ساوث كارولينا.
لطالما اعتبرت المؤسسة الديمقراطية أن ولايتي أيوا ونيوهامبشاير تمثلان إشكالية، وكثيرًا ما مكنتا المرشحين المتمردين إلى دائرة الضوء الوطنية على عكس ما تفضله المؤسسة الديمقراطية من خيارات وتوجهات. ومع استبدال ولايتي أيوا ونيو هامبشاير - اللتين تكبد فيهما جو بايدن الهزيمة في عام 2020 - بولاية ساوث كارولينا، التي ضمنت لبايدن فوزا سهلا ومثلت له نقطة عام 2020، فإن المؤسسة الحزبية تشعر بالثقة في أنها قد مهدت الطريق أمام بايدن لتكرار فوزه في عام 2024.
رغم أن هذه العوامل قد تصب في مصلحة الرئيس بايدن، فإن أرقام استطلاعات الرأي الحالية ليست قوية. ففي المواجهات الوطنية ضد مجموعة متنوعة من المعارضين الديمقراطيين، فإنه نادرًا ما يكسر بايدن حاجز نسبة 40%. قد يكون لدى الديمقراطيين بعض التحفظات، ولكن مؤسسة الحزب الديمقراطي قد عملت على تبديد مخاوفهم.
أما قصة ترامب فهي مختلفة كل الاختلاف. وكما كان الأمر في عام 2016 - عندما فاز دونالد ترامب بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة ووصل إلى سدة الرئاسة في البيت الأبيض - يبدو أن مؤسسة الحزب الجمهوري غير مرتاحة لمحاولته عام 2024 للعودة إلى المنصب. لكن جهودهم لإيجاد بديل له قد تنقلب رأساً على عقب بسبب سيطرة ترامب القوية على تعددية قاعدة من الجمهوريين.
منذ أعيد انتخاب حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس فترة جديدة في شهر نوفمبر 2022، كان الحزب الجمهوري يأمل في دعمه وتعزيز موقفه ليحمل لواءهم في الانتخابات القادمة، إلا أنه يزال متخلفًا في استطلاعات الرأي، بل إن أكثر من نصف ممثلي ولاية فلوريدا من الجمهوريين في الكونجرس قد أيدوا دونالد ترامب علناً على حسابه.
لا تزال قاعدة ترامب الانتخابية مرتبطة به بشدة بغض النظر عن لوائح الاتهام أو الفضيحة التي تلاحقه في الفترة الراهنة. وهم يدينون أولئك الذين يهاجمونه -وسائل الإعلام، سلطات وإنفاذ القانون، والديمقراطيون- أو حتى الجمهوريين الآخرين، الذين يتهمونهم بالسلوك الخائن.
إن قيادة ترامب نابعة من نفوذه الكبير الشبيهة بعبادة الشخصية في صفوف قاعدته الانتخابيةـ وقد نجح في استغلال غضب هذه الشرائح وشعورها بالتهميش والاغتراب، من خلال شن هجماته القاسية وتوجيه انتقاداته اللاذعة ضد أولئك الذين يجرؤون على تحديه.
ومع أفول نجم ديسانتيس وتراجع أسهمه في ظل هجمات ترامب والخوف الذي يشعر به المسؤولون الجمهوريون المنتخبون الآخرون من تحديه - قد يظهر عدد قليل من المرشحين الآخرين كمنافسين له في الانتخابات التمهيدية. ولكن، وعلى غرار ما حدث سنة 2016، وعلى الرغم من أن بعض هؤلاء الطامحين قد يتم إعلانهم لفترة وجيزة على أنهم «نكهة الشهر»، إلا أنهم لن يكونوا أكثر حظًا من حاكم ولاية فلوريدا.
في هذه المرحلة، لا يوجد أي سيناريو حقيقي يمكن أن يحول دون ظهور دونالد ترامب من جديد كمرشح جمهوري: ما لم يقرر التنحي ودعم شخص آخر (وهو أمر لا يمكن تصوره تقريبًا) إلا إذا كان عاجزًا أو كان غير قادر على الترشح.
إذا تكبد دونالد ترامب الخسارة، وهو أمر مستبعد، فإن الفائز سيخرج من مرحلة الانتخابات التمهيدية وهو مثخن وفاقد لأي دعم من أنصار ترامب المخلصين.
وهكذا، في هذه المرحلة، تبدو انتخابات 2024 كإعادة لانتخابات سنة 2020، لكن مع فارق - فكلا المرشحين صار أكبر سنا. أصبح جو بايدن أكثر حذرًا وأقل تجميعًا، لكنه استمر في جذب قطاع عريض من الناخبين بسجله وترديده لشعاره «جو بايدن من الطبقة العاملة في سكرانتون».
من ناحية أخرى، لا يزال ترامب يحمل الفكرة الوهمية والخطيرة بأن الانتخابات الأخيرة كانت مزورة ويستخدم تلك الضغينة لتحريض الموالين له. هذا قد يجعل انتخابات 2024 أكثر شراسة وقبحا وربما أكثر خطورة من تلك التي جرت في سنة 2020.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك