شكل الاحتفال السنوي الذي نظمته روسيا الاتحادية بمناسبة الذكرى الـ78 للانتصار على النازية في الحرب الوطنية العظمى وتحرير العالم منها ومن الدمار الذي تسببت فيه وخاصة عدد الضحايا الذي يربو على 70 مليون إنسان، مناسبة لاستعراض آخر ما توصلت إليه التقنية العسكرية الروسية والتحديثات التي أدخلت على الأسلحة الروسية، حيث شهدت الساحة الحمراء المحاذية للكرملين دخول طابور مختلف الوحدات العسكرية الروسية تباعا بعتادها ومعداتها بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكبار المسؤولين.
وفي بداية الحفل ألقى الرئيس فلاديمير بوتين خطابا مهما قيَّم فيه علاقة روسيا بالغرب ونظرته إلى الوضع العالمي الراهن المتسم بتغول الولايات المتحدة الأمريكية وإصرارها على السيطرة على العالم وتغول الغرب عامة وإصراره على فرض قواعده على العلاقات الدولية، كما كان هذا الاحتفال فرصة للإشارة وبوضوح إلى المخاطر التي تهدد العالم وروسيا الاتحادية وقد عبر الرئيس الروسي عن ذلك بوضوح في كلمته التي ألقاها خلال العرض العسكري بتأكيد عدد مهم من النقاط المرجعية التي تساعد على فهم وتحليل الواقع والمستقبل في الوقت نفسه:
أولا: أكد بوتين أن الحضارة الإنسانية عامة تواجه اليوم منعطفا خطيرا وأن الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية يشن حربا شاملة وحقيقية على روسيا وأن هذه الحرب تهدف إلى فرض الإرادة ليس على روسيا الاتحادية وإنما على العالم قاطبة والإبقاء على ذات القواعد الاقتصادية والسياسية والأمنية التي فرضها حلف الناتو وأصبحت مصدر قوته وهيمنته على العالم.
ثانيا: إن هذه الحرب التي تستخدم للأسف نفس أدوات النازية والفاشية التي شاركت روسيا والبلدان الغربية محاربتها خلال الحرب العالمية الثانية وها هي اليوم تدعم الجماعات النازية والفاشية التي تحارب روسيا بدعم وتشجيع وتخطيط من الغرب إلا أن روسيا مع ذلك صامدة وواقفة بقوة وصلابة في وجه هذه الهجمة الهمجية وهذه المؤامرة على روسيا، ولذلك اعتبر الرئيس بوتين أن مستقبل روسيا الاتحادية وربما مستقبل العالم أيضا يعتمد على مدى تمكن ونجاح روسيا وقواتها المسلحة في إحباط هذه المؤامرة وقمع القوى النازية والفاشية ومن هنا يأتي التقدير الكبير للمشاركين في العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا من أبناء روسيا في سبيل بناء مستقبل ينعم فيه الجميع بالسلام والحرية والاستقرار.
ثالثا: من النقاط البارزة في كلمة الرئيس الروسي بوتين تأكيد أن الأيديولوجية التي تقود الغرب عامة والولايات المتحدة الأمريكية خاصة هي أيديولوجية استعلائية تقوم على فكرة التفوق المثيرة للاشمئزاز والمرفوضة من ناحية القانون الدولي كما من الناحية الإنسانية والأخلاقية فالغرب لا يمانع أبدا في الدخول في نزاعات وحروب دامية من أجل المحافظة على مصالحه الضيقة في سبيل ذلك يحشد قواته وإمكانياته الاقتصادية والسياسية والإعلامية في محاولة لعزل روسيا وإلحاق هزيمة استراتيجية بها تمهيدا لإضعافها وتقسيمها وإلغاء نتائج الحرب العالمية الثانية التي خلقت عالما متوازنا متعدد الأقطاب وتدمير النظام العالمي الذي ترتب على نتائج الحرب العالمية الثانية والتي كان اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية ركيزة أساسية في هذا النظام.
رابعا: في معرض كلمته ذكر الرئيس الروسي أن هذه الحرب القائمة اليوم بين روسيا وأوكرانيا في أساسها هي نتيجة الانقلاب النازي الذي حصل في أوكرانيا على النظام الشرعي المنتخب هذا الانقلاب الذي دعمه الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وكان مقدمة لحرب عامي 2014 و2017 التي قادتها القيادة الأوكرانية الجديدة ضد شعب الدونباس الذي يتألف بنسبة 99% من الروس والناطقين بالروسية والذين تعرضوا للقتل والتنكيل وتدمير مقدراتهم وبيوتهم ومدنهم في ظل الفاشية الجديدة.
من المهم أيضا الإشارة في هذا الخطاب التاريخي إلى أن بوتين ذكر مجددا أن رابطة الدول المستقلة وهي الدول التي كانت تشكل الاتحاد السوفيتي السابق كانت جزءا لا يتجزأ من الحرب على الفاشية والنازية وما حضور قيادات هذه الدول الاحتفال إلا تأكيد لاعتبار أن النصر على النازية هو نصر جماعي وليس نصرا روسيا فقط ولذلك شكل هذا الخطاب المنهجي صورة واضحة للفكر الذي يقود روسيا اليوم وللرؤية الروسية التي تعتبر الحرب الجارية حاليا هي حرب مماثلة تماما للحرب على النازية خلال الحرب الوطنية العظمى أيام الحرب العالمية الثانية وبالتالي فهي حرب وجود ولا بد من الانتصار فيها ولا مجال لأي هزيمة لأن الهزيمة تعنى انتهاء روسيا كما يعرفها العالم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك