تعد زيادة ولوج المرأة الخليجية إلى سوق العمل من أهم مقومات إصلاح هذا السوق، كما أنها أيضًا من أهم مقومات تفعيل سياسة توطين العمالة في دول مجلس التعاون الخليجي، وهي السياسة التي اعتمدتها هذه الدول، وتعمل على تنفيذها في مجالات متنوعة، أبرزها التعليم، والتدريب، وفتح المجالات التي كانت مغلقة أمام المرأة، سواء تعلقت بمهن دون غيرها، أو ساعات عمل نهارية وليلية.
وفي إشارة إلى هذا التحول الديناميكي، قدمت أساليب العمل المرنة التي اتبعته دول الخليج، أثناء «جائحة كورونا»، وممارسة الكثير من الأعمال من المنزل، من دون حاجة إلى الانتقال إلى مكان العمل؛ أحد المخارج التي مكنت المرأة الخليجية من التوفيق بين واجباتها الأسرية وعملها، والذي كان الإخفاق فيه قبلاً أحد أهم عوامل عزوفها عن ولوج سوق العمل.
ومن المعلوم، أن المجتمع الخليجي تغلب عليه الصفة الذكورية، بسبب زيادة أعداد الوافدين، ففيما بلغ عدد سكان «السعودية»، 34.1 مليون نسمة في 2021، بلغت نسبة الذكور 69.7% في مقابل 30.3% للإناث. وفي «الإمارات»، بلغ عدد السكان 9.3 ملايين نسمة، منهم 82.3% ذكور، و17.7% إناث. بينما في «الكويت»، 4.2 ملايين نسمة، منهم 70.9% ذكور، و28.1% إناث. في حين أن «سلطنة عُمان»، 4.5 ملايين نسمة، منهم 82% ذكور، و18% إناث. وفي «قطر»، 2.7 مليون نسمة، منهم 83.5% ذكور، و16.5% إناث. وفي «مملكة البحرين»، 1.5 مليون نسمة، منهم 76.3% ذكور، و23.7% إناث.
وترجع زيادة أعداد الوافدين في دول الخليج، إلى زيادة نسبة العمالة الوافدة من إجمالي العمالة. ففيما يشكل السكان العاملون في دول «مجلس التعاون»، مجتمعة نحو50% من إجمالي السكان، فقد شكلت نسبة العمالة الوافدة 82.6% من إجمالي العمالة في الكويت، و74% في السعودية، و76.8% في سلطنة عُمان، و94.3% في قطر، ونحو 88% في الإمارات.
ومن الجدير بالذكر أن «مملكة البحرين»، تعد الأسبق خليجيًا في ولوج المرأة إلى سوق العمل، وذلك لسبق دخولها التعليم النظامي في عام 1928، والانفتاح النسبي للمجتمع وقبوله لعملها. ففيما تمثل المرأة البحرينية 54% من إجمالي المشتغلين البحرينيين في القطاع العام، و35% من إجماليهم في القطاع الخاص؛ فإن نسبتها إلى إجمالي القوى العاملة البحرينية تبلغ 39%.
فضلا عن ذلك، كان إصلاح سوق العمل المتوجه إلى زيادة تشغيلها، وإسهامها الاقتصادي من أهم جوانب البرنامج الإصلاحي لجلالة الملك. ومنذ نشأته عام 2001، قام «المجلس الأعلى للمرأة» بتعزيز وجودها في مجالات العمل المختلفة من خلال خططه المتتابعة، وما عقده من بروتوكولات ومذكرات تفاهم مع مختلف المؤسسات في المملكة، كما تبنى خططًا لتدريبها وتأهيلها لريادة الأعمال والعمل في عديد من المجالات.
وعلى مدى الأعوام أثبتت المرأة البحرينية جدارتها في سوق العمل في القطاعين الحكومي والخاص، كما تفوقت كصاحبة أعمال، فيما جاء تعديل المادة (39) من قانون العمل في القطاع الأهلي، بمقتضى المرسوم رقم (16) لسنة 2021 بحظر التمييز بين العاملين والعاملات في العمل ذي القيمة المتساوية، وكذلك القرارات المتعلقة بدعم عملها، وتعزيز مبدأ المساواة في التوظيف في مختلف القطاعات داعمًا لإقبالها على العمل.
وحتى أكتوبر 2022، زادت نسبة المرأة البحرينية العاملة في القطاع الخاص من إجمالي العمالة الوطنية، فبلغت 40.3%. ولتعزيز مساواة المرأة بالرجل في فرص العمل، أصبح يوجد في معظم مؤسسات المملكة، «لجان تكافؤ الفرص»، (53 لجنة في القطاع الحكومي، 20 في القطاع الخاص، 18 في المجتمع المدني)، فيما غدا هذا التكافؤ والتوازن بين الجنسين، أحد أهم السياسات التي تنتهجها الحكومة البحرينية.
وفي «سلطنة عُمان»، قادت الحكومة، تحولات لجهة إكساب المرأة العمانية حقوقها، فشّرعت حقها في التعليم والعمل، ومنحها حقوقها السياسية تصويتًا وترشحًا، وصولاً إلى المناصب القيادية، وتعزيز مشاركتها في المجتمع المدني، فيما نص النظام الأساسي للدولة في عهد السلطان «هيثم بن طارق»، صراحة على المساواة بين المرأة والرجل، إلا أن المرأة العمانية لسبب معوقات مجتمعية تعاني من ارتفاع نسبة البطالة. ويمكن القول بسبب هذه المعوقات أنها معطلة وليست عاطلة. ويبين «المركز الوطني للإحصاء والمعلومات»، أن 58.4% من النساء العاطلات في سلطنة عُمان هن من حملة البكالوريوس وما هو أعلى، وتشكل النساء ما يتجاوز 56% من إجمالي الباحثين عن العمل.
ونتيجة لذلك، تتجه «رؤية عُمان 2040»، إلى رفع مؤشرات تمكين المرأة، وتعزيز تمكينها الاقتصادي والمعرفي من خلال زيادة الفرص المتاحة لها، فيما تبلغ نسبة المرأة العمانية من إجمالي العمالة الوطنية في القطاع الحكومي 47%، بينما تبلغ في القطاع الخاص 22%، وتشجع الدولة زيادة انخراطها في القطاع الخاص من بوابة ريادة الأعمال النسائية بمشاريع صغيرة.
وفي إطار الشراكة الوطنية بين «البنك الدولي والكويت 2021– 2025»، الذي وافقت عليه الحكومة الكويتية في أغسطس 2021، جاء التمكين الاقتصادي الكامل للمرأة، والذي يعمل من منظور المساواة بين الجنسين، ويقدم «نهجًا شاملاً»، لزيادة فرص عملها، وزيادة ولوجها إلى ريادة الأعمال، كما تضمنت «رؤية الكويت 2035»، تعزيز مشاركتها في سوق العمل، بما يتماشى مع الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة، بشأن المساواة بين الجنسين.
وبالتعاون مع «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي»، و«هيئة الأمم المتحدة للمرأة»، و«مركز دراسات وأبحاث المرأة بجامعة الكويت»؛ تم إطلاق مبادرة تمكين المرأة في الكويت في إطار برنامج «الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية». وشكلت الأمانة العامة لهذا المجلس، لجنة شؤون المرأة، وأنشطة الأعمال في مايو 2021، لتعزيز التمكين الاقتصادي لها. ومنذ إنشائها، ركزت على زيادة مشاركتها في أماكن العمل. وفي عام 2021، أعلنت 14 شركة جديدة من القطاع الخاص الالتزام بمبادئ تمكينها، ليصل بذلك عدد شركات القطاع الخاص الملتزمة إلى 44 شركة.
وعليه، شهدت الكويت، «نموًا ملحوظًا»، في القوى العاملة من المواطنات الكويتيات، بدعم من زيادة معدل مشاركتهن (نسبة الإناث في سن العمل من القوى العاملة النسائية الوطنية). وفي ديسمبر 2020 ارتفع معدل مشاركتها في القوى العاملة إلى 50.2%، بمعدل نمو تراكمي بنسبة 4.7% من عام 2017.ويعزز هذا الارتفاع القوة الشرائية للإناث ومعدلات الاستهلاك. وفي ديسمبر 2022 بلغ حجم العمالة الكويتية (ذكور وإناث) 455 ألفا، في مقابل 2.4 مليون غير كويتي، فيما تشغل الكويتيات 53% من وظائف القطاع الحكومي. وفي التعليم العام، بلغت نسبتها من إجمالي الكويتيين العاملين فيه 83%، كما تشغل 50% من وظائف القطاع الخاص، من بين 72 ألف كويتي يعملون في هذا القطاع.
وفي «السعودية»، أكدت «وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية»، أن الجهود التكاملية مع القطاع الخاص لجهة تمكين ودعم مشاركة المرأة في سوق العمل؛ قد أدت إلى تجاوز مستهدفات رؤية السعودية في نسبة مشاركتها في سوق العمل. وخلال الربع الثاني لعام 2022، بلغت هذه النسبة 32.9% وهو ما يفوق مستهدف الرؤية البالغ 30% ، وكان ذلك نتاجًا للعديد من الممكنات المحفزة والداعمة لها وزيادة مشاركتها وتطوير مسيرتها المهنية، مثل التدريب والتوجيه القيادي للكوادر النسائية، والتدريب الموازي، ومبادرات برامج «وصول»، و«تمهير»، وأنماط العمل الجديدة، وبرنامج العمل الحر والعمل المرن والعمل عن بعد.
وفي تقرير «المنتدى الاقتصادي العالمي»، «دافوس»؛ جاءت السعودية الدولة الأعلى زيادة في العالم في مشاركة المرأة في القوى العاملة، حيث زادت مشاركتها من 20.5% في عام 2019، لتصل إلى 33.6% في 2022. وكشفت تقارير «الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة»، السعودية، اقتراب نسبة المنشآت التي تقودها نساء إلى التساوي مع المنشآت التي يقودها الرجال، بمعدل 45% للمنشآت تحت قيادة المرأة في مقابل 50% للمنشآت التي يقودها الرجال.
ومع السماح للمرأة السعودية بسياقة السيارة، ودمج الموظفين الرجال والنساء في أماكن العمل، تحفزت كثير من الجهات لتوظيفها، خاصة بعد أن أثبتت كفاءتها في كثير من المجالات. وكانت مجالات التسويق وخدمة العملاء والتصميم وكتابة المحتوى والتعليم في الصفوف الأولية، من أكثر المجالات التي أقدمت على العمل فيها. وفي «برنامج التحول الوطني»، ضمن «رؤية 2030»، جرى في مايو 2023 استعراض نسبة تمكين فئات المجتمع لدخول سوق العمل، وتحديدًا المرأة التي بلغت نسبتها 34.7%، وبلغت مساهمتها في المناصب الإدارية 41.1%، ومعدل مشاركتها الاقتصادية 37%.
وفي «قطر»، تبلغ نسبة المشاركة الاستثمارية للمرأة في سوق العمل، نحو 20%، من بين 4 آلاف سجل تجاري. ونتيجة زيادة الإقبال على التعليم العالي، ارتفعت نسبة مشاركتها في قوة العمل الوطنية، ووصلت إلى نحو 37% ، وتتجه «رؤية قطر 2030»، إلى سد الفجوة بين الجنسين، فيما بيّن «جهاز التخطيط»، القطري، أن نحو 70% من الخريجين في تخصصات الهندسة والطب والقانون والاقتصاد والآداب والعلوم من الإناث، فيما تستحوذ على النسبة الأعلى في التوظيف في قطاعات التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية. ومن بين المشتغلات 61% في القطاع الحكومي، ولدى سيدات الأعمال القطريات مشاريع في مختلف القطاعات الاقتصادية، أكثرها في الصناعة والسياحة والعقارات والتجارة والخدمات.
أما في «الإمارات»، فإن هناك عدة مؤسسات تعمل على دعم المرأة الإماراتية؛ مثل «الاتحاد النسائي العام» و«المجلس الأعلى للأمومة والطفولة»، و«مؤسسة التنمية الأسرية»، حيث تعزز مسيرة تمكينها. وبحسب «مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين»؛ تشكل المرأة 46.6% من سوق العمل للمواطنين الإماراتيين، و66% من العمل في القطاع الحكومي؛ منهن 30% في مناصب قيادية، و15% في وظائف تخصصية وأكاديمية، كما تشغل 15% من النساء عضوية مجالس الإدارة بغرف التجارة والصناعة. وفي مجال ريادة الأعمال أكثر من 21 ألف صاحبة عمل. وتقوم سيدات الأعمال بإدارة مشاريع بقيمة تزيد على 40 مليار درهم، فيما حققت المركز الأول على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في «تقرير المرأة وأنشطة الأعمال والقانون 2022»، الصادر عن «البنك الدولي»، للعام الثاني على التوالي.
على العموم، توضح تلك البيانات عن كل دولة من دول مجلس التعاون، اتجاه السياسات الحكومية نحو فتح مجالات عمل للمرأة في كل الميادين، حيث بدأ اتجاه عام في هذه الدول للقبول الاجتماعي لعملها؛ إلا أن الوضع مازال يتسم بغلبة نسبة التحاقها بالعمل الحكومي على نسبتها في القطاع الخاص، بينما المستهدف هو زيادة نسبة العمالة الوطنية في القطاع الخاص الذي أصبح منوطًا به النشاط الاقتصادي غير النفطي، وقد بيّن ما حدث أثناء «جائحة كورونا»، من هجرة عكسية، أسفرت عن انخفاض معدل النمو السكاني، إن مقتضيات الأمن الاقتصادي تتطلب أن تكون المرأة الخليجية في كل وقت جاهزة لشغل مهن القطاع الخاص بكل مستوياتها المهارية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك