يقول الشاعر جمال بخيت: أبنود مجاهدة والعيشة مرة، لكن بتبعث أغنية حرة، أغنية بتوجع وأغنية سارة، ويتابع ويقول: «بدايته رؤية ونهايته رؤية، يا دنيا صحرا رمضاني ساقية، تروينا جميعا بشر وطير وكل ثانية واحنا بخير».
مات الشاعر المبدع ولكن لن تموت كلماته، وإذا كان الشاعر عبدالرحمن الأبنودي، أوصانا بأن نتذكر أو كما قال: بالحرف الواحد قبل وفاته بأيام (ما تنسوش) فإن كلماته هي التي ستجرنا دائما على ألا ننساه هذا ما قالته (مي منصور).
يعترف عبدالرحمن الأبنودي فيقول: «رغم سجني في عهده، فإن جمال عبدالناصر هو الإشراقة الثورية الحقيقية في حياتنا، إزاي ينسِّينا الحاضر، طعم الأصالة في صوته، يعيش جمال عبدالناصر، يعيش جمال عبدالناصر حتى في موته، ما هو مات وعاش عبدالناصر».
كان الأبنودي يحمل مديحا ورسائل باسم مصر لناصر وفي رحيل عبدالناصر قال الشاعر عبدالرحمن الأبنودي، ألف رحمة على اللي لسه «قلنا وقال، اللي مضى وذمته مثل جميل... يتقال - ما هي نادرة في مصر حاكم يطلع ابن حلال - حاكم يدادي الجميع ويبوس رقيق الحال - وده عشقته فلاحين، طلبة جنود عمال - وخاض معارك جسام مين طلَّع الاحتلال؟ مين اللي صحَّى الشعوب تكسر الأغلال؟ ويبخوا أكاذيب في سيرته يسمموا الأجيال – من بعد ما شوفنا غيره فهمنا عهد جمال.
عبدالرحمن الأبنودي كان قليل الكلام عن تلك الليالي التي عاشها خلف القضبان. ولكن الغريب أنه تم اعتقاله في أيام حكم جمال عبدالناصر وأنه بعد وفاه (ناصر) أصبح من أشد مؤيديه.
كما قال الأبنودي: «وجدت نفسي سجينا في زنزانة عبدالناصر بسبب جهري برأيي في الدولة، ورغم سجني فإن عبدالناصر هو الإشراقة الحقيقية في حياتنا والجوهرة اللامعة في تاريخ مصر المعاصر».
الأبنودي لم يكن من شعراء السلطة، حتى إن تأييده الحقيقي لعبدالناصر حدث بعد وفاته، وقد كتب عن عبدالناصر شعرا قال فيه: «مش ناصري ولا كنت في يوم بالذات في زمنه وف حينه، لكن العفن وفساد القوم نسَّاني حتى زنازينه، إزاي ينسينا الحاضر، طعم الأصالة اللي في صوته، يعيش جمال عبدالناصر يعيش حتى في موته».
ومن خلال ديوانه (الأرض والعيال) الصادر في عام 1986، إلى ابنتي (أسماء يحيى الطاهر عبدالله) التي تبناها بعد وفاة والدها (يحيى الطاهر) في حادث سيارة وذلك في 19 أبريل 1981، قائلا فيها شعرا شعاع النور، الذي تسلل همسا إلى قلبي حيا أو ميتا.
أنا عبدالرحمن الأبنودي، عشت حياتي طفلا، أحببت هذا الوطن والناس، ولا عايز أتلف في علم ولا ملايه، عايز أرحل من بره بره، قالها الراحل قبل رحيله بأسابيع وقبل وفاته بأربعة أيام نشر الشاعر تغريدة قال فيها: (مقبولة منك جرح قلبي ودموع عيني، الجرح يشفي إذا بأيدك لمستني، كلك حلاوة وكلمة مصر أحلاكِ.
لقد قدم الأبنودي نموذجا رائعا للفلاح (أي فلاح) مصري أردني فلسطيني، سوري، سوداني الذي كد واجتهد وسهر وحصد.
قدم من خلال قريته في صعيد مصر(أبنود) مظاهرها الاجتماعية وعاداتها أفراحها وأحزانها، قدم الرجال والنساء والشيوخ والأطفال، كما قدم الأبنودي قمة الإخلاص والوفاء والمحبة لوطنه الصغير (أبنود) لينطلق منها إلى الوطن العربي الكبير حتى إبان محنته المرضية.
ومن مميزات الأبنودي أنه انحاز إلى البسطاء فأحبوه، عاش في الحقول وعاش حياه القرية وعاش حياه الصيادين فكتب أشعارا وأغاني، فيها كل المشاعر الجياشة.
أسهم الأبنودي في الخارطة الشعرية لمصر، فواكب أحداث عصر بل سبقها بالرؤية الثاقبة، والحماس فزرع الأمل في النفوس في أصعب الظروف فكتب موال النهار على أثر العدوان عام 1967، لقد رحل عبدالرحمن الأبنودي وستعيش كلماته إلى آخر الدهر وهذا شاهد عيان على أهم كلمات الأبنودي في تاريخ الأمة، أغنية عبدالحليم حافظ أثناء حرب أكتوبر 1973: «ابنك يقولك يا بطل هاتلي نهار، ابنك يقولك يا بطل هاتلي انتصار، ابنك يقولك أنا حواليه المية مليون العربية، ولا في مكان للأمريكان بين الديار».
ومن قبل كتب أنشودة (عدى النهار) وواحدة أخرى من أبدع أغنياته (أحلف بسماها) وفي نهاية المطاف أبت الحياه أن تنتهي إلا بتحقيق حلم تشبث به، كان هو متحف (السيرة الهلالية) حيث قام بجمع كل تراثه عن السيرة ووضعه في مسقط رأسه في (أبنود) وهو المتحف الذي زاره عدة مرات بعد إنشائه، ولم يتح له أن يقوم بافتتاحه رغم أنه أودع فيه كل إبداعه، وقد ضمت المكتبة مجلدات وكتبا وأشرطة، والرواية الأصلية للسيرة الهلالية ودواوين 132 شريطا يوثق لرواية السيرة الهلالية وكان يأمل أن تقوم وزارة الثقافة بتنفيذ حلمه.. رحم الله الشاعر الكبير الذي قدم لمصر وللأمة العربية أجمل كلماته التي غناها كبار الفنانين الكبار وفي مقدمتهم عبدالحليم حافظ ومحمد رشدي وصباح.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك