من المقرر أن يجتمع المسؤولون من جميع أنحاء العالم في الإمارات، نهاية نوفمبر 2023؛ لحضور الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة، بشأن تغير المناخ، «كوب 28»، والتي ستكون القمة الأولى بعد اتفاق باريس عام 2015، ومؤتمر كيوتو في 1997، وكلاهما أدخل اتفاقيات دولية واسعة النطاق بشأن مكافحة تغير المناخ، والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، ووقف المعدل المُقلق لارتفاع درجات الحرارة.
وكما أوضحت فيونا هارفي، في صحيفة الجارديان، فإنه في مؤتمر «كوب 28»، ستعمل الحكومات الوطنية والوكالات متعددة الجنسيات، والمراقبون المستقلون لأول مرة على تقييم، التقدم الذي أحرزه المجتمع الدولي بشأن مكافحة تغير المناخ، منذ أن تم تقديم اتفاقيات باريس المناخية، وهي العملية التي أصبحت تُعرف باسم التقييم العالمي.
وأشار نيت وارزوسكي، وجمال سوجي، من معهد الموارد العالمية، إلى دور الأمم المتحدة، في تسليط الضوء على التقدم المحرز في الجهود العالمية من أجل خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى ما دون درجتين مئويتين، بالإضافة إلى تعزيز المرونة في مواجهة تأثيرات المناخ، ومواءمة الدعم المالي مع القدر والنطاق اللازمين لمعالجة أزمة المناخ، وأضافت جامعة دورهام، أن التقييم العالمي في عام 2023، سيكون حاسمًا في تحديد موقعنا، وأين نريد أن نكون، وكيف سنبلغ تلك المرحلة.
وعلى الرغم من أن بعض البلدان قد أحرزت تقدمًا كبيرًا، في السنوات الأخيرة في تعزيز استخدام مصادر الطاقة المتجددة، وخفض انبعاثات الكربون، وتعزيز بيئة من التعاون العالمي بشأن العمل المناخي؛ إلا أن هارفي، أشارت إلى الكيفية التي من المرجح أن يُظهر بها التقييم أن معظم الدول لم تلتزم بالتخفيضات اللازمة للحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية. وكتبت راشيل كايت، ولورنس توبيانا، في مجلة فورين بوليسي، أن التقييم العالمي، سيقدم قراءة صعبة للمسؤولين وخبراء المناخ.
ومن المعلوم، أن جهود الحد من الانبعاثات، ووسائل تعزيز التعاون العالمي في العمل المناخي، قد عانت انتكاسات ملحوظة العام الماضي. وأوضحت اتراكتا موني، وكاميلا هودجسون، في صحيفة فاينانشال تايمز، أنه في قمة مؤتمر الأطراف السابقة عام 2022، فشلت الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق، على الرغم من دعم عشرات المشاركين بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بشأن التغاضي عن قرار بالالتزام بانبعاثات الكربون بحلول عام 2025 من المسودة النهائية للقمة؛ ما أثار استياء الكثيرين. وكما أفادت هارفي، فإن الاتفاق بشأن المساعدة المالية للخسائر والأضرار للبلدان النامية قد فشلت في تحديد شكل ذلك التمويل ومصادره. ووصف تيري سلافين، من رويترز، قمة «كوب 27»، بأنها مخيبة للآمال.
وعلى الرغم من استمرار ارتفاع درجات الحرارة العالمية، وتقويض الجهود المبذولة لزيادة التعاون الدولي بشأن التحديات المشتركة، الناجمة عن انتشار النزاعات، والركود في النمو الاقتصادي العالمي هذا العام؛ فإن كايت، وتوبيانا، يصران على أن عام 2023، لا تزال فيه الحكومات العالمية يمكن إغراؤها بشأن الانخراط في التعاون المناخي. وفي منطقة الخليج على وجه الخصوص، توفر استضافة قمة الأمم المتحدة الرئيسية للمناخ، للإمارات فرصة أن تصيغ لبقية الاقتصادات المتقدمة الأخرى في العالم، ما يُمكن أن يبدو عليه عالم ما بعد الوقود الأحفوري.
وبالإشارة إلى أن أبو ظبي، ودول الخليج بشكل عام، يمكن أن ينطلقوا من دبلوماسية الطاقة الحديثة؛ لتحقيق نجاح صعب، يمكن تشبيهه بالتحول الكبير في السياسة الخارجية للولايات المتحدة من قبل الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون، تجاه الصين، والذي غيّر ميزان الحرب الباردة؛ أوضح تشارلز كراوس، من مركز ويلسون، أن زيارة نيكسون إلى بكين في فبراير 1972، كانت لحظة محورية في التاريخ الدبلوماسي للقرن العشرين. وعليه، اقترحت كايت، وتوبيانا، أنه بما يعادله في «كوب 28»؛ فإن تبني تحول الطاقة، وتعزيز التعاون الدولي في العمل المناخي؛ لن يؤدي فقط إلى ترسيخ مكانة الإمارات، كرائدة في التحول العالمي للطاقة، لكن بمقدوره أن يترك لها أيضًا بصمة لا تقدر بثمن على صعيد الدبلوماسية الدولية.
وبصفته الرئيس المُعين لمؤتمر الأطراف «كوب 28»، وضع وزير الصناعة والتكنولوجيا في الإمارات، سلطان بن أحمد الجابر، رؤيته التي مفادها أن العالم يجب أن يتحد ويغتنم الفرصة في قمة الأمم المتحدة، مقرا بأن التجمع العالمي يحتاج إلى تقديم خطة عمل تُشرك القطاعين العام والخاص؛ لتحقيق نتائج تحولية. وحثت كايت، وتوبيانا، أبوظبي على تقديم مبادرات استراتيجية جريئة، على النحو الواجب لبقية العالم، لا سيما فيما يتعلق بالتحول المستمر في مجال الطاقة، وإصلاح النظام بشأن الدعم المالي للدول النامية الأكثر تضررًا من تغير المناخ.
وفيما يتعلق بدورها ودول مجلس التعاون، الأخرى في الانتقال من الاعتماد على الطاقة التقليدية إلى البدائل المتجددة، بالإضافة إلى الالتزام بأهداف طموحة للوصول إلى انبعاثات كربونية صفرية -لاسيما مع سعي الإمارات وسلطنة عمان إلى تحقيق ذلك بحلول عام 2050، والسعودية والكويت بحلول عام 2060- أشارت مجلة الإيكونوميست، إلى أن دول الخليج تضع بعضًا من أكبر رهاناتها المهمة على آليات احتجاز الكربون وتخزينه، ومصادر الطاقة المتجددة، وإنتاج الهيدروجين، خاصة مع قيام الإمارات بتأسيس أول مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في المنطقة عام 2021.
وفي ضوء ما أشار إليه الجابر، من خطوات في هذا الصدد؛ أفادت كايت وتوبيانا، أن أبو ظبي، في وضع واعد، لدفع شركات النفط الوطنية التي تشكل80% من حجم الإنتاج، إلى الانتقال إلى الاستثمار في الطاقة المتجددة، بطريقة لم يسبق لها مثيل. وستعمل مثل هذه الجهود بلا شك، كمثال يثبت للدول الأخرى المصدرة للنفط والغاز في كل من الشرق الأوسط الأوسع وأمريكا اللاتينية، كيف يمكن لدولة مصدرة للنفط أن تنتقل بنجاح إلى مصادر الطاقة المتجددة، والوصول إلى صافي انبعاثات كربونية صفرية في منتصف عقود القرن الحادي والعشرين.
وبصفتها الدولة المضيفة لقمة الأمم المتحدة المقبلة للمناخ؛ من المتوقع أيضًا أن تقوم بدور الوسيط في توضيح الاهتمامات والآراء المتباينة للمسؤولين والخبراء الحاضرين. وعلى وجه الخصوص، فإن الفجوة بين الاقتصادات المتقدمة التي تنبعث منها مستويات انبعاثات أكبر بشكل غير متناسب، وبين الدول النامية التي غالبًا ما تكون أكثر تضررًا من تداعيات ارتفاع مستويات سطح البحر، وارتفاع درجات الحرارة، وأنماط الطقس غير المتوقعة؛ هي إحدى التحديات ذات الأهمية.
من جانبها، أوضحت هارفي، أن القضية الرئيسية للعدالة المناخية، ستكون منصبة على التركيز على البلدان الفقيرة والضعيفة الأكثر تعرضًا لخطر أزمة التغيرات المناخية، بينما لم تتسبب فيها من الأساس، وسيكون هذا التوجه في صميم «كوب28»، وبالتالي، فهي مسألة تحتاج أبو ظبي، إلى الإشارة إليها.
وعلى الرغم من أن دول الخليج تستفيد حاليًا من ثمار ازدهارها الاقتصادي، مع تأكيد المنتدى الاقتصادي العالمي، أن المنطقة ستعد نقطة مضيئة للاقتصاد العالمي، بعد تجاوز تداعيات أزمة كوفيد-19، خلال العام المقبل؛ بسبب تركيزها على الانفتاح والتنوع الاقتصادي؛ رأت كايت وتوبيانا، أنه نظرًا إلى نقاط ضعفها تجاه تأثيرات الطقس الشديدة، ونقص موارد المياه؛ فإنه يمكنها الآن العمل بالتضامن مع الدول الأخرى التي قد تواجه الأسوأ، جراء ظواهر التغيرات المناخية، والعمل مع الدول الغربية الغنية؛ لتلبية الاحتياجات المالية لتلك الدول من المنح والإعانات لمعالجة أزماتها المرتقبة.
وبالفعل، اعترف الجابر، بهذه القضية. وعلق في حوار بيترسبرج للمناخ في برلين، مؤخرًا، أن اجتماعه مع بعض وزراء دول الجنوب العالمي، قد أكد أن تمويل العمل المناخي الدولي ببساطة غير متاح، ولا يمكن الوصول إليه؛ ومن ثمّ، أصر على ضرورة التعهد بالتزامات طموحة وشفافة، وخاضعة للمساءلة، من البلدان والشركات لمساعدة البلدان النامية، التي قد تواجه أسوأ تغيرات مناخية عالميًّا.
ومع اهتمام قمة «كوب28»، بالمقام الأول بدراسة الآثار الصحية على الإنسان من جراء أزمة تغير المناخ العالمية؛ أوضحت كايت، وتوبيانا، أن الخطوة الجريئة من جانب الإمارات، بالتعاون مع دول الخليج الأخرى، المتمثلة في دفع عجلة مصالح البلدان النامية، بما يتفق مع متطلبات العمل المناخي الدولي ستساعد على تطوير شراكات عدة مع الأصدقاء، عبر إفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية، والمحيط الهادئ.
واستنادًا إلى المساعي الحثيثة التي تقوم بها، والمتمثلة في إعادة بناء فجوة الثقة في مبادرات العمل المناخي العالمية، وفقًا لما ذكره داميان ماكيلروي، في صحيفة ذا ناشيونال، فإن إدراك الإمارات، ودول الخليج لمخاطر المناخ التي ستواجه الدول النامية، قد يكون له تأثير بالغ، في السياسات المناخية العالمية المستقبلية لتلك الدول.
ومع تحذير هارجيت سينغ، رئيس الاستراتيجية السياسية العالمية، في شبكة العمل المناخي الدولية، من أنه ما لم يتم التحلي بشيء من الإنصاف والعدالة في تصميم صفقة معنية بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري؛ فإن أي اتفاق نهائي في هذا الشأن لن يشهد أي تطور. وترى كايت، وتوبيانا، أن الإمارات في وضع فريد، لاستضافة قمة المناخ القادمة، وأن دورها للعمل على تيسير التعاون الدولي، بشأن التحديات المناخية المتبادلة للدول، لا يمكن الاستهانة به، فضلا عن أن العالم ينتظر ليرى، كيف تتعامل مع واجباتها والتزاماتها المتعلقة باستضافة قمة المناخ، وما إذا كان بإمكانها المساعدة في دفع العالم نحو اتفاق ما في هذا الصدد، مشيرتين إلى أن تلك القمة مع كونها تحيط بها الكثير من الآمال، فقد تكون نتائجها؛ إما إنجاز طموحات غير مسبوقة، أو تكون بلا رؤية.
وعلى الرغم من تأكيد الكاتبتين أن تقييمهما قد يكون مليئا بالتفاؤل بشكل مفرط؛ إلا أن ما يعزز ذلك تصريح الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، سيمون ستيل، أيضًا عن ثقته في أن القمة، ستكون نقطة تحول للعالم، بشأن مبادرات العمل المناخي الدولي.
على العموم، مع تحلي عديد من الأكاديميين والخبراء بالأمل إزاء المبادرات المناخية المقرر طرحها في قمة «كوب28»؛ فإن القيادة التي ستُظهرها الإمارات ودول الخليج الأخرى في نوفمبر 2023، يمكن أن تكون عنصرًا حاسمًا، في إدراك الحاجة إلى تبني عمل قوي، يتفق مع توصيات وكالة الطاقة الدولية في أبريل 2023، بضرورة تنفيذ تخفيضات فورية وسريعة للانبعاثات، ووجود مساهمات قوية من جميع البلدان، لاسيما الاقتصادات المتقدمة.
وفي حين أن التوقعات الحالية بشأن تغير المناخ العالمي قاتمة؛ فإن القمة القادمة، توفر فرصة لتحقيق طفرة غير مسبوقة في التعاون الدولي لمعالجة مستويات الانبعاثات العالمية، وتبني انتقال عالمي إلى مصادر الطاقة المتجددة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك