العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

إلى أين يتجه الصراع في السودان؟

بقلم: د. نبيل العسومي

الجمعة ١٢ مايو ٢٠٢٣ - 02:00

من‭ ‬المؤسف‭ ‬حقا‭ ‬أن‭ ‬يؤول‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬الشقيق‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬آل‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬مفتوحة‭ ‬بين‭ ‬الأخوة‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬السوداني‭ ‬وقوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬الآمال‭ ‬معلقة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬القوى‭ ‬العسكرية‭ ‬دورا‭ ‬وطنيا‭ ‬كبيرا‭ ‬لإعادة‭ ‬بناء‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬وجمع‭ ‬الفرقاء‭ ‬لإخراج‭ ‬السودان‭ ‬من‭ ‬أزمته‭ ‬المستمرة‭ ‬ومحنته‭ ‬الاقتصادية‭.‬

والغريب‭ ‬أن‭ ‬اندلاع‭ ‬هذه‭ ‬المعارك‭ ‬المدمرة‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬الجميع‭ ‬ينتظرون‭ ‬التوقيع‭ ‬النهائي‭ ‬على‭ ‬اتفاقية‭ ‬وطنية‭ ‬للم‭ ‬الشمل‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬إعادة‭ ‬السلطة‭ ‬تدريجيا‭ ‬إلى‭ ‬القوى‭ ‬المدنية‭ ‬الوطنية‭ ‬بما‭ ‬يؤمن‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬ويحمي‭ ‬السودان‭ ‬من‭ ‬الانزلاق‭ ‬نحو‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭.‬

المأساة‭ ‬الكبرى‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أي‭ ‬أفق‭ ‬لها‭ ‬للحل‭ ‬في‭ ‬المدى‭ ‬القريب‭ ‬خلقت‭ ‬وضعا‭ ‬كارثيا‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬الشقيق‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ثلاثة‭ ‬مظاهر‭ ‬مؤسفة‭ ‬ومؤلمة‭:‬

الأول‭: ‬تهجير‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬السودانيين‭ ‬وخروجهم‭ ‬خارج‭ ‬السودان‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬سقف‭ ‬يأويهم‭ ‬من‭ ‬قنابل‭ ‬وصواريخ‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬المجنونة‭ ‬حيث‭ ‬تشير‭ ‬التقارير‭ ‬الدولية‭ ‬المنشورة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬400‭ ‬ألف‭ ‬شخص‭ ‬قد‭ ‬غادروا‭ ‬السودان‭ ‬خلال‭ ‬الأسابيع‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬بما‭ ‬يعني‭ ‬تحميل‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬عبء‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تشهد‭ ‬فيه‭ ‬أغلب‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬وضعا‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وماليا‭ ‬صعبا‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬كارثيا‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬ليزداد‭ ‬الوضع‭ ‬سوءا‭ ‬على‭ ‬سوء‭.‬

الثاني‭: ‬الدمار‭ ‬المتزايد‭ ‬والمتصاعد‭ ‬للبنية‭ ‬التحتية‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬السودانية‭ ‬وخاصة‭ ‬العاصمة‭ ‬الخرطوم‭ ‬هذا‭ ‬الدمار‭ ‬الذي‭ ‬مس‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬مس‭ ‬الخدمات‭ ‬الأساسية‭ ‬مثل‭ ‬المستشفيات‭ ‬التي‭ ‬خرج‭ ‬70%‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬الخدمة‭ ‬والمدارس‭ ‬التي‭ ‬توقفت‭ ‬تقريبا‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الخرطوم‭ ‬والمرافق‭ ‬والوظائف‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬في‭ ‬إجازة‭ ‬مفتوحة‭ ‬في‭ ‬الخرطوم‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬توقف‭ ‬الحياة‭ ‬تقريبا‭ ‬وإذا‭ ‬أضفنا‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬توقف‭ ‬كسب‭ ‬الرزق‭ ‬والتجارة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬ونقص‭ ‬المؤن‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الجوانب‭ ‬الأساسية‭ ‬لسير‭ ‬الحياة‭.‬

الثالث‭: ‬زيادة‭ ‬النعرات‭ ‬القبلية‭ ‬وحتى‭ ‬العرقية‭ ‬والطائفية‭ ‬بسبب‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يخيف‭ ‬الجميع‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬هذه‭ ‬المواجهة‭ ‬العسكرية‭ ‬من‭ ‬مواجهة‭ ‬بين‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬الوطنية‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬وبين‭ ‬قوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬المليشيات‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬لا‭ ‬قدر‭ ‬الله‭ ‬ونحن‭ ‬نعلم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دروس‭ ‬التاريخ‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬بلد‭ ‬يدخل‭ ‬مرحلة‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬تستمر‭ ‬سنوات‭ ‬وربما‭ ‬عقودا‭ ‬وقد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬سقوط‭ ‬الدولة‭ ‬وتفككها‭ ‬إلى‭ ‬تقسيمها‭ ‬وفقا‭ ‬لمناطق‭ ‬نفوذ‭ ‬كل‭ ‬قوة‭ ‬وهذا‭ ‬قد‭ ‬يدخل‭ ‬السودانيين‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬لا‭ ‬تحمد‭ ‬عقباها‭.‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬الوساطات‭ ‬التي‭ ‬تنشط‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬لإيجاد‭ ‬حل‭ ‬بين‭ ‬الفرقاء‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تزداد‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬خطورة‭ ‬واتساعا‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يعرف‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬سيسير‭ ‬السودان‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬أطراف‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬الجلوس‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬الحوار‭ ‬والاتفاق‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬مقتل‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬الطرفين‭.‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬نشاط‭ ‬الوساطات‭ ‬العربية‭ ‬والإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬والدور‭ ‬البارز‭ ‬الذي‭ ‬تضطلع‭ ‬به‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬وجمهورية‭ ‬مصر‭ ‬العربية‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬الجهات‭ ‬التي‭ ‬تريد‭ ‬وضع‭ ‬حد‭ ‬للقتال‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬طاولة‭ ‬الحوار‭ ‬الوطني‭ ‬فإن‭ ‬المؤشرات‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬لا‭ ‬تظهر‭ ‬أن‭ ‬الأزمة‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬الحل‭ ‬وهذا‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬يأس‭ ‬الوسائط‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أصر‭ ‬الطرفان‭ ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬القتال‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬المعركة‭.‬

في‭ ‬الخلاصة‭ ‬فإن‭ ‬أغلب‭ ‬المتابعين‭ ‬للأزمة‭ ‬السودانية‭ ‬من‭ ‬إعلاميين‭ ‬ومحللين‭ ‬سياسيين‭ ‬ووسطاء‭ ‬يتفقون‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬طرفي‭ ‬الصراع‭ ‬ليسوا‭ ‬مستعدين‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬للقبول‭ ‬بحوار‭ ‬ينهي‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬الطرفين‭ ‬يعتقدان‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬بإمكانية‭ ‬حسم‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬عسكريا‭ ‬والخوف‭ ‬كل‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬إلى‭ ‬صراع‭ ‬إقليمي‭ ‬وربما‭ ‬صراع‭ ‬دولي‭ ‬ليتحول‭ ‬السودان‭ ‬إلى‭ ‬بؤرة‭ ‬للحديد‭ ‬والنار‭ ‬لا‭ ‬قدر‭ ‬الله‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا