من المؤسف حقا أن يؤول الأمر في السودان الشقيق إلى ما آل إليه من حرب مفتوحة بين الأخوة في الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بعد أن كانت الآمال معلقة على أن تلعب القوى العسكرية دورا وطنيا كبيرا لإعادة بناء الحياة السياسية في السودان وجمع الفرقاء لإخراج السودان من أزمته المستمرة ومحنته الاقتصادية.
والغريب أن اندلاع هذه المعارك المدمرة جاءت في الوقت الذي كان الجميع ينتظرون التوقيع النهائي على اتفاقية وطنية للم الشمل في طريق إعادة السلطة تدريجيا إلى القوى المدنية الوطنية بما يؤمن الوحدة الوطنية ويحمي السودان من الانزلاق نحو حرب أهلية.
المأساة الكبرى الناجمة عن هذه الحرب التي لا يبدو أي أفق لها للحل في المدى القريب خلقت وضعا كارثيا في السودان الشقيق من خلال ثلاثة مظاهر مؤسفة ومؤلمة:
الأول: تهجير الآلاف من السودانيين وخروجهم خارج السودان بحثا عن سقف يأويهم من قنابل وصواريخ هذه الحرب المجنونة حيث تشير التقارير الدولية المنشورة إلى أن أكثر من 400 ألف شخص قد غادروا السودان خلال الأسابيع القليلة الماضية بما يعني تحميل دول الجوار عبء هذه الحرب أيضا في الوقت الذي تشهد فيه أغلب هذه البلدان وضعا اقتصاديا وماليا صعبا إن لم يكن كارثيا في بعض هذه الدول ليزداد الوضع سوءا على سوء.
الثاني: الدمار المتزايد والمتصاعد للبنية التحتية في المدن السودانية وخاصة العاصمة الخرطوم هذا الدمار الذي مس أول ما مس الخدمات الأساسية مثل المستشفيات التي خرج 70% منها من الخدمة والمدارس التي توقفت تقريبا عن العمل في الخرطوم والمرافق والوظائف العامة التي دخلت في إجازة مفتوحة في الخرطوم ما يعني توقف الحياة تقريبا وإذا أضفنا إلى ذلك توقف كسب الرزق والتجارة والاقتصاد بشكل عام ونقص المؤن وغير ذلك من الجوانب الأساسية لسير الحياة.
الثالث: زيادة النعرات القبلية وحتى العرقية والطائفية بسبب هذه الحرب وهو ما يخيف الجميع من أن تتحول هذه المواجهة العسكرية من مواجهة بين المؤسسة العسكرية الوطنية ممثلة في الجيش وبين قوات الدعم السريع التي هي أقرب إلى المليشيات إلى حرب أهلية لا قدر الله ونحن نعلم من خلال دروس التاريخ أن أي بلد يدخل مرحلة الحرب الأهلية فإن هذه الحرب تستمر سنوات وربما عقودا وقد تؤدي إلى سقوط الدولة وتفككها إلى تقسيمها وفقا لمناطق نفوذ كل قوة وهذا قد يدخل السودانيين في مرحلة لا تحمد عقباها.
وبالرغم من الوساطات التي تنشط خلال هذه الأيام لإيجاد حل بين الفرقاء قبل أن تزداد هذه الحرب خطورة واتساعا فإنه لا أحد يعرف إلى أين سيسير السودان أو ما إذا كان أطراف هذه الحرب قادرين على الجلوس على طاولة الحوار والاتفاق خاصة بعد مقتل المئات من الطرفين.
وبالرغم من نشاط الوساطات العربية والإقليمية والدولية والدور البارز الذي تضطلع به المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية وغيرهما من الجهات التي تريد وضع حد للقتال للعودة إلى طاولة الحوار الوطني فإن المؤشرات إلى الآن لا تظهر أن الأزمة في طريقها إلى الحل وهذا قد يؤدي إلى يأس الوسائط خاصة إذا ما أصر الطرفان على مواصلة القتال إلى نهاية المعركة.
في الخلاصة فإن أغلب المتابعين للأزمة السودانية من إعلاميين ومحللين سياسيين ووسطاء يتفقون على أن طرفي الصراع ليسوا مستعدين إلى الآن للقبول بحوار ينهي هذا الصراع وخاصة أن الطرفين يعتقدان إلى الآن بإمكانية حسم هذا الصراع عسكريا والخوف كل الخوف من أن يتحول هذا الصراع بين الطرفين إلى صراع إقليمي وربما صراع دولي ليتحول السودان إلى بؤرة للحديد والنار لا قدر الله.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك