شهدت مملكة البحرين في المدة 7-8/ مايو/2023 مؤتمرا علميا وماليا وشرعيا مهما، يتمثل بانعقاد مؤتمر هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (أيوفي) للهيئات الشرعية السنوي الحادي والعشرين برعاية مصرف البحرين المركزي، ويعد المؤتمر واحدا من المؤتمرات السنوية المؤثرة في قطاع الصناعة المالية الإسلامية على الصعد المحلية والإقليمية والعالمية، حيث يشارك فيه نخبة مختارة من علماء الشريعة المميزين في مجال المالية الإسلامية، فضلا عن صانعي السياسات في البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية على الصعيدين المحلي والدولي.
وللمؤتمر هذا العام أهميته الاستثنائية، التي انعكست في الكلمات الصريحة والجريئة التي أطلقها المتحدثان الرئيسيان في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، حيث تشهد الساحة المالية العالمية تحديات عديدة تتطلب من المنظمات المالية العالمية البحث العميق عن أفضل الآليات لمواجهة أسوء تداعياتها على الصناعة المالية، وبخصوص الصناعة المالية الإسلامية فإنها غير مستثناة من التأثر بهذه التحديات. ويعود ذلك إلى هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب عموما على القطاع المالي العالمي، ما جعل هذا القطاع رهين أزماته، وسياساته. كما أوضح ذلك معالي الشيخ إبراهيم بن خليفة آل خليفة رئيس مجلس أمناء هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في كلمته في افتتاح المؤتمر مفصلا أسباب انهيار عدد من البنوك الأمريكية بالقول: «إن سبب سقوط عدد من البنوك العالمية ناجم عن ارتفاع أسعار الفائدة وانهيار أسعار السندات حيث قام المودعون بسحب ودائعهم».
ولأجل أن ترصن البنوك الإسلامية تجربتها المصرفية وتتجاوز مشكلات البنوك التقليدية دعا بالعودة إلى أصول العمل المصرفي الإسلامي وميزاته الأساسية بالقول: «يجب على المصارف الإسلامية تنويع استثماراتها وتمويلاتها، والابتعاد عن تركزها المفرط في الودائع لدى المؤسسات المالية والحكومات وإدارة الموجودات، والتحول نحو قطاعات الاقتصاد الحقيقي مثل التصنيع والبنية التحتية والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والزراعة».
ولا يخفى على القارئ الكريم فضلا عن المتخصصين في التمويل الإسلامي إن أبرز سمات المصارف الإسلامية أنها بنوك استثمار في القطاع الحقيقي، وأن القطاع الحقيقي هو الطريق الرئيس الذي لا بديل عنه لتحقيق التنمية المستدامة وجميع طرق الاستثمار الأخرى سواء الرقمية أو المالية أو غيرها هي أدوات مساعدة تخدم القطاع الحقيقي ليس أكثر.
ولم يفت معالي الشيخ إبراهيم آل خليفة أن يطمئن المهتمين بالمصرفية الإسلامية من أنها قادرة بعون الله وتوفيقه أن تتجاوز آثار الأزمة الاقتصادية والمالية الراهنة بالقول: «منذ أن أبصرت المالية الإسلامية النور قبل نحو خمسين عاما، أثبتت قدرتها على الصمود في وجه التحديات، وفي الوقت نفسه تحقيق التوسع بمعدلات استثنائية من حيث الحجم والنمو والانتشار والأثر».
إن المستقبل سيشهد استمرار ذلك النمو والتوسع وبمعدلات أكبر من نمو وانتشار وتوسع الصيرفة التقليدية. وحيث إن المصارف الإسلامية قد واكبت التحولات الرقمية التي شهدها العالم خلال العقدين الأخيرين من القرن الحالي، فإنها لابد وأن تجني ثمار ذلك بالمزيد من التوسع والاهتمام والرضا والتفضيل من قبل العملاء.
وقد أكد معالي الشيخ أن «تعزيز الجانب الرقمي لا يؤدي فقط إلى تحسين كفاءة العمليات وسرعتها، وتقليل التكاليف، ورفع مستوى الربحية، وإنما يمكِّن المؤسسات من تقديم طيف واسع من المنتجات والخدمات التي ستجذب قاعدة متنوعة من العملاء والمستثمرين وتكسب ولاءهم في خضم أسواق اليوم التي ترتفع فيها حدة المنافسة وتتصاعد».
أما راعي المؤتمر سعادة الأستاذ رشيد المعراج محافظ مصرف البحرين المركزي فقد أوضح في كلمته بافتتاح المؤتمر عددا من اهتمامات مصرف البحرين المركزي بخصوص المصرفية الإسلامية في المرحلة الراهنة مثل تطبيق المعايير الشرعية الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، مفصحا عن أنها أصبحت جزءا من المتطلبات الرقابية الإلزامية على المؤسسات المرخص لها من قبل مصرف البحرين المركزي.
كما أكد أهمية تحقيق الإنصاف في معاملة أصحاب حسابات الاستثمار وتجنيبها الحيف والخلل الذي تعاني منه في أغلب المصارف الإسلامية والمتمثل في أن العائد عليها أقل من عائد المساهمين، وليس لها دور أو تحكم في توجيه وإدارة هذه الأموال.
ودعا محافظ مصرف البحرين المركزي إلى «اتخاذ خطوات عملية لحماية أصحاب حسابات الاستثمار ومعاملتهم بشكل مختلف عن المودعين، إذ إنهم يسهمون بالجزء الأكبر من الأموال في أي بنك إسلامي، وتتحمل هذه الحسابات نفس المخاطر التي يتحملها المساهمون».
وللموضوع بقية في مقال قادم إن شاء الله.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك