في ذكرى النكبة الفلسطينية التي تم خلالها طرد أكثر من 700 ألف فلسطيني من أرضهم للاستيلاء عليها وإعلان قيامة دولة إسرائيل، نتساءل عن مغزى قيام الغرب بعد أكثر من سبعة عقود عليها بالاستمرار في دعمه غير المشروط واللامحدود لدولة الاحتلال.
إذا قلنا إن الهولوكوست الذي تعرض له اليهود في ألمانيا قد خلق تعاطفا «غربيا» أدى إلى تأييد قيام دولة إسرائيل، فإن ذلك وحده لا يكفي لتبرير قيام الغرب بالتنكر لحقوق أكثر من ثلثي الشعب الفلسطيني في وطنه وعدم مساعدتهم على العودة إلى بلدهم.
وإذا قلنا إن الحرب الباردة التي اصطفت فيها إسرائيل إلى جانب الغرب، وتحالفها مع فرنسا وبريطانيا في حرب عام 1956 على مصر قد أظهر أن إسرائيل حليف حقيقي للغرب، وهي بذلك قد «استحقت» دعمه للحفاظ على مصالحه، فإن نهاية الحرب الباردة منذ أكثر من ثلاثة عقود لا تبرر استمرار الغرب في دعم دولة مارقة لا تحترم القانون الدولي.
وإذا قلنا إن إسرائيل هي دولة ديمقراطية وإنها بالتالي منسجمة مع الغرب «الديمقراطي» وتحصل على دعمه لما بين الطرفين من تشابه في النظام السياسي، فإن هذا أيضا لا يكفي لفهم قيام الغرب «بخيانة» المبادئ التي يدعي الدفاع عنها وأهمها احترام حقوق الإنسان، وعدم جواز الاستيلاء على أرض شعب آخر بالقوة، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية. باختصار، لا توجد «ديمقراطية» في الغرب تقوم بخيانة كل هذه القيم دفعة واحدة، ويتم الدفاع عنها مما تبقى من الدول الغربية.
جميع ما تم ذكره أعلاه لا يكفي لقيام الغرب بدعم دولة الاحتلال بهذه الطريقة الصريحة اللاأخلاقية والتي تظهر ازدواجية المعايير في الغرب وتفضح نفاقه السياسي.
كيف إذًا علينا أن نفهم الأسباب التي تدفع الغرب إلى الدفاع عن إسرائيل وحمايتها؟
هنالك بلا شك عدة نظريات يمكن استعراضها واستخدامها لفهم ما يقوم به الغرب.
النظرية الثقافية مثلا والتي تقول إن الغرب يرى نفسه منسجما مع إسرائيل لثلاثة أسباب:
أولهما ديني يقول إن الغرب يؤمن بأن فلسطين التاريخية هي لليهود وأن «الرب» منحهم هذه الأرض... في النهاية الغالبية في الغرب تعتقد بأن الله «منح» هذه الأرض لليهود وأن موافقة «اليهود» على «منح» الفلسطينيين بعضا من حقوقهم هو «مكرمة» منهم وليس «شرطاً» عليهم.
ثانيهما تاريخي-ثقافي أيضاً، وهو أنه لا فرق بين الدول الغربية مثل بريطانيا وإسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة وكندا ودولة إسرائيل. جميع هذه الدولة قامت وبلا شفقة أو وازع أخلاقي بتطهير عرقي لشعوب كاملة.
البريطانيون قاموا بإبادة ملايين البشر في أمريكا الشمالية ونيوزيلندا وأستراليا واستولوا على أراضي سكانها الأصليين. الإسبان فعلوا الشيء نفسه في أمريكا اللاتينية. والولايات المتحدة وكندا أكملوا المهمة التي بدأتها بريطانيا في أمريكا الشمالية بتصفية ما تبقى من سكان أصليين فيها. وفرنسا لم تدخر جهدا في تصفيتها لمئات الآلاف من الجزائريين وإحضار فرنسيين للعيش في الجزائر.
إحلال شعب مكان شعب آخر هو إذًا قاسم مشترك بين إسرائيل وعدد من الدول الغربية، وهذا يُمكنه أن يكون أحد الأسباب التي تُفسر الدعم الغربي لإسرائيل.
الثالث هو كراهية العرب والمسلمين عموما ولأسباب تاريخية أيضاً. علينا ألا ننسى مثلاً أن أجزاء شاسعة من العالم العربي والإسلامي أيضا اليوم كانت خاضعة قبل خمسة عشر قرنا للإمبراطوريتين البيزنطية والرومانية، وأن الكراهية ربما تكون موجودة وخصوصاً أن الحملات الصليبية في القرنين الحادي والثاني عشر قد فشلتا في استعادة هذه الأراضي أو أجزاء منها.
بالرغم من ذلك علينا أن نلاحظ التفسير الثقافي لا يأخذ بعين الاعتبار أن ثقافات البشر ورؤاهم لأنفسهم وللعالم تتغير.
أي لو قلنا إن كراهية العرب والمسلمين هي سبب مقنع وكاف لتفسير تأييد الغرب لإسرائيل، ألا يتعارض هذا التفسير مثلاً مع قبول ألمانيا لما يقارب المليون سوري على أرضها؟ أو لا يتعارض مع حقيقة أن جزءاً كبيراً مما نُسميه الشعوب الغربية هي حقيقةً شعوب غير متدينة؟
لذلك النظرية الثقافية ربما تخدمنا قليلاً في تفسير ظاهرة دعم إسرائيل للغرب.
هنالك نظرية مجموعات الضغط والتي تقول إن لإسرائيل جماعات ضغط كبيرة في أمريكا الشمالية وفي أوروبا، وأن جماعات الضغط هذه لها حضور كبير في المؤسسات الإعلامية والمالية والقانونية، وأن كل ذلك يستخدم للضغط أو لشراء «ذمم» السياسيين الغربيين من أجل دفعهم لتأييد إسرائيل.
من يؤيدهم يحصل على المال والإعلام والمساعدة القانونية (الجزرة)، ومن يعارضهم يتم حرمانه من المال خلال الحملات الانتخابية ويتم تشويه صورته في الإعلام واستحضار قضايا قانونية بحقه (العصا).
هذا تفسير معقول لكن لا يمكن تعميمه في جميع الدول الغربية لأن الجاليات اليهودية المؤيدة لإسرائيل ليست قوية في جميع دول أوروبا وأمريكا الشمالية. هي قوية في أمريكا وبريطانيا وكندا وألمانيا وفرنسا، لكنها ليست قوية في إيطاليا وإسبانيا وعدد آخر كبير من دول أوروبا.
هنالك أيضا النظرية الواقعية في العلاقات الدولية والتي تقول إن مصالح الدول لها أولويتها وهي تأتي فوق القيم التي تؤمن بها.
كان هذا على الأقل شديد الوضوح خلال الحرب الباردة عندما اصطفت إسرائيل مع الغرب، لكن أي شخص عاقل يمكنه اليوم أن يدرك أن إسرائيل عبء على الغرب وإن الاستمرار في دعمها يدفع الشعوب العربية إلى كراهية الغرب ومعاداته.
لا يمكن إذًا الاعتماد على نظرية واحدة، والأفضل القول ربما إن هذه النظريات مجتمعة يمكنها تقديم إجابة كافية للأسباب التي تبرر استمرار الدعم الغربي لدولة مارقة مثل إسرائيل طيلة سبعة عقود.
{ كاتب من فلسطين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك