يعود تأسيس التعليم الجامعي الأهلي في المملكة العربية السعودية إلى مبادرة قام بها جمع من الوجهاء في مدينة جدة عام 1965، وأقنعوا وزير المعارف آنذاك بالفكرة، وشكلوا لجنة تحضيرية للجامعة برئاسة الوزير، وقابلوا ولي العهد الأمير فيصل بن عبدالعزيز، الذي قدم لهم الدعم والتأييد للمشروع، وأصبح رئيسا للجنة التأسيسية للجامعة، والتي أعلنها رسميا في عام 1967 باسم جامعة الملك عبدالعزيز، وبدأت عامها الدراسي الأول عام 1968 ببرنامج الدراسة الإعدادية، ثم في عام 1969 أعلنت القبول في أول كلياتها وهي كلية الاقتصاد والإدارة. وفي عام 1970 تم إنشاء كلية الآداب والعلوم الإنسانية. إلا أن الملاحظ أن الهيئة التأسيسية للجامعة قدمت في عام 1971 طلبا إلى مجلس الوزراء لتحويلها إلى جامعة تابعة للحكومة. وبناء على ذلك الطلب أصدر مجلس الوزراء قرارا بتحويل جامعة الملك عبدالعزيز في جدة إلى جامعة حكومية. واقتصر التعليم الجامعي على التعليم الحكومي حتى عام 2000 حيث صدرت خطة التنمية الخمسية السادسة في المملكة للسنوات (1415-1420) هـ، التي تضمنت أهدافها توسيع قاعدة التعليم العالي بالسماح للقطاع الأهلي بإنشاء وافتتاح الجامعات والكليات الأهلية، وفعلا تم إعلان تأسيس أربع كليات أهلية عامي 2005، و2006. واستمر تزايد تأسيس الجامعات والكليات الأهلية حتى بلغت نحو (38) كلية وجامعة في الوقت الحاضر.
وقد تناولت العديد من الدراسات المنشورة والندوات التقويمية التي عقدتها وزارة التعليم في المملكة العربية السعودية والتي تناولت تقييم أداء مؤسسات التعليم الجامعي الأهلي في مرحلة ما قبل إطلاق رؤية المملكة 2030 إلى عديد من المعوقات التي اعترت أداء قسم من مؤسسات التعليم الجامعي الأهلي مثل غياب الاستراتيجية، وضعف تنفيذ خطط ومرئيات الجامعات والكليات الأهلية، وافتقارها إلى الهوية المميزة، وتشابه التخصصات والمناهج الدراسية، إن لم يكن تطابقها مع تخصصات ومناهج الجامعات الحكومية، وقصور الأهداف، وعدم وضوح سياسات القبول، وضعف التوازن بين الصلاحيات والمسؤوليات الإدارية، وضبابية تنفيذ الأنظمة واللوائح التعليمية والإدارية في عدد منها، وافتقارها إلى نظم ثابتة للتوظيف والأجور والرواتب والحوافز، وضعف مساهمتها في مجالي البحث العلمي، وخدمة المجتمع، وعدم قدرتها على ملاحقة متطلبات سوق العمل. وقد كانت محصلة هذه العقبات ضعف مخرجاتها كما ونوعا.
وبعد إطلاق رؤية المملكة 2030 في عام 2016، أكدت أهمية التعليم العالي وأولته اهتماما كبيرا، باعتباره قاعدة أساسية من قواعد تحقيق أهداف الرؤية، لذا لابد وأن يتناغم مع مختلف اهتمامات المجتمع ومنها تنمية الاقتصاد الوطني عبر تحويله من الاعتماد على مصدر واحد للدخل إلى اقتصاد متنوع يعتمد على العقول ذات المهارات العالية والطاقات البشرية المبدعة والمنتجة.
كما أكدت رؤية 2030 أهمية زيادة العناية بتطوير التعليم الجامعي منهجا وأستاذا وطالبا وجامعة، فهي تسعى إلى أن تواكب المناهج التطورات العلمية والحضارية؛ كي يكون الطالب على تواصل دائم مع أي تطورات علمية ومعرفية وأي مستجدات. وأُعطت عنايةٌ خاصة بالموارد البشرية في المؤسسات الجامعية. ولأجل تحقيق أهداف الرؤية في مجال التعليم العالي الأهلي فقد تم اعتماد نظام جديد للجامعات والكليات الأهلية.
كما يبرز اهتمام الرؤية بتطوير التعليم العالي من خلال برنامج تنمية القدرات البشرية (أحد برامج الرؤية) وهو استراتيجية وطنية تستهدف تعزيز تنافسية القدرات البشرية الوطنية محليًا وعالميًا، ليكون المواطن مستعداً لسوق العمل الحالي والمستقبلي، بقدرات وطموح يجعله منافسا قويا على الصعيد العالمي، وذلك من خلال: تعزيز القيم، وتطوير المهارات الأساسية، ومهارات المستقبل، وتنمية المعرفة. وبالارتكاز على ثلاث قواعد، أولها تطوير أساس تعليمي متين ومرن للجميع، والثاني الإعداد لسوق العمل المستقبلي المحلي والعالمي، والثالث إتاحة فرص التعلم مدى الحياة. كما أكدت الرؤية أهمية تحسين المستوى التعليمي لمؤسسات التعليم الجامعي الأهلي، وشددت على أهمية بناء منظومة تعليمية مرتبطة باحتياجات سوق العمل، وترسيخ القيم الإيجابية في شخصيات الطلاب السعوديين. وأشارت باهتمام كبير إلى ضرورة رفع مشاركة القطاع الأهلي في التعليم، وإيجاد بيئة جاذبة للمستثمرين المحليين والدوليين وتعزيز ثقتهم باقتصاد المملكة.
وعموما فقد شهدت السنوات التي أعقبت إطلاق وتنفيذ رؤية المملكة 2030 إحداث نقلة نوعية وكمية في قطاع التعليم، وتطويره بكل مكوناته، ونظمه، وأشكاله، وبرامجه، وفقاً لأحدث التوجهات العلمية السائدة في العالم. ومن خلال منظومة إصلاح متكاملة وممنهجة، فكراً وممارسة، طالت البنى التحتية والهيكلية، والكوادر البشرية والإدارية، والبرامج والمبادرات النوعية، والسياسات العامة، والخطط الاستراتيجية، آخذة بنظر الاعتبار جملة الدروس والعبر الناجمة عن المرحلة التي سبقت إطلاق الرؤية. وللموضوع بقية في مقال قادم إن شاء الله.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك