على الرغم من تعدد تعريفات (الإدارة الرشيقة) وتعدد تفريعاتها وتشعباتها، إلا إننا في المقال السابق تمكنا من استخلاص المرتكزات الأساسية التي ترتكز عليها هذه المنظومة الإدارية، والتي هي محوران رئيسان هما:
{ إزالة كل أشكال الهدر داخل المؤسسة.
{ التطوير الدائم والتحسين المستمر لكل الأنشطة.
وبالإضافة إلى ذلك فقد وجدنا أن هذه المنظومة الإدارية تتمتع بعديد من المبادئ، إذ إن بعض الدراسات تشير إلى أنها خمسة مبادئ قامت عليها منظومة الإدارة الرشيقة ومراجع أخرى تزيد عليها بعض المبادئ، ولكن من الملاحظ أنها مهما تعددت تلك المبادئ إلا أنها تبنى على المبادئ الخمسة الأساسية، لنحاول أن نتدارس تلك المبادئ.
مبادئ الإدارة الرشيقة
من خلال عدة مراجع ودراسات سنحاول أن نلخص المبادئ الخمسة للإدارة، وهي كالتالي:
1- التحديد الدقيق لقيمة أو سعر كل منتج أو خدمة معينة؛ يقول ووماك في كتابه (الفكر الصافي): «إن نقطة البداية الرئيسية للتفكير الخالص هي تحديد (القيمة أو السعر) للمنتج أو الخدمة، والمستهلك النهائي والعميل أو الزبون وحده هو الذي يستطيع تحديد تلك القيمة. فالقيمة لها معنى عنده هو فقط لذلك عندما يتم التعبير عنها في سياق منتج معين، فالمنتج يلبي احتياجات العميل بسعر معين وفي وقت معين».
وهذا يعني أن المنتج أو الخدمة، ونوعيتها وجودتها وطريقة صنعها أو إنجازها هو من يصنع ويحدد القيمة. وفي هذا المبدأ، ينبغي النظر في مسألتين: وهما:
{ من المؤكد أن المنتج أو الخدمة ينتظر بعض المستهلكين لشرائهما بسعر معين من أجل إحداث دوران في أعمال المؤسسة.
{ ومن ثم كيفية تحسين عمليات الإنتاج وجودة توصيل هذه المنتجات بحيث يتم تخفيض تكاليفها الرئيسية باستمرار.
ومن ثم يجب أن يبدأ التفكير الخالص بجهد واعٍ لتحديد (القيمة أو السعر) بدقة في سياق منتجات أو خدمات معينة تكون وحدات ذات قدرات معينة ويتم تقديمها بسعر معين وهو نتيجة التحدث إلى عملاء معينين.
بالإضافة إلى ذلك فإنه – في بعض الأحيان – ينبغي على المؤسسات أن تفكر في الأمور من منظور مختلف، وهي من خلال طرح عديد من الأسئلة، منها:
{ ما الذي تسعى كل مؤسسة إلى القيام به لتقديم منتج أو خدمة يكون العميل على استعداد لدفع ثمنها؟. للقيام بذلك، تحتاج المؤسسة إلى إضافة قيمة تحددها احتياجات عملائها.
تكمن القيمة في المشكلة التي تحاول حلها للعميل. وبشكل أكثر تحديدًا، في جزء الحل الذي يرغب عميلك في دفعه بنشاط، ويعتبر أي نشاط أو عملية أخرى لا تحقق قيمة للمنتج النهائي (نفايات) أو مادة مهدورة، لذلك يجب التخلص منها. لذلك فإنه ينبغي أولاً تحديد القيمة أو السعر الذي تريد تحديده من خلال رغبات واحتياجات العملاء وتقديمه لهم، ثم الانتقال إلى الخطوات التالية.
2- مخطط تدفق المنتج أو الخدمة؛ بمعنى تحديد سير عمل المؤسسة بوضوح، ويجب أن يشمل ذلك جميع الإجراءات والأشخاص المشاركين في تسليم المنتج أو الخدمة النهائية للعميل. ومن خلال القيام بذلك، ستتمكن المؤسسة من تحديد أجزاء العملية التي لا قيمة لها. عندئذ سيُظهر للقائمين على المنظومة تطبيق مبدأ الإدارة الرشيقة وتخطيط تدفق القيمة أو السعر، أين يتم إنشاء القيمة؟ وبأي نسبة تنتج أو لا تنتج أجزاء مختلفة من العملية؟
وعندما يتم تعيين تدفق القيمة الخاص بالمؤسسة، سيكون من الأسهل عليها معرفة العمليات التي تمتلكها الفرق، ومن المسؤول عن قياس تلك العمليات، وتقييمها وتحسينها. وستمكن هذه الصورة الكبيرة من اكتشاف الخطوات التي لا تحقق قيمة والقضاء عليها.
باختصار فإن تدفق القيمة أو السعر هو مجموعة من جميع الإجراءات الضرورية لمنتج أو خدمة معينة، ويشمل جميع عمليات إنتاج المنتجات والخدمات، ودخول المنتج والخدمات إلى السوق. التعرف على القيمة لكل منتج معين ولكل عائلة المنتج هو الخطوة التالية في التفكير العجاف. بهذه الطريقة، يتم الكشف عن وجود كمية كبيرة جدًا من الإتلاف (Muda) في المؤسسة.
3- إنشاء حركة سير غير منقطعة للمنتج أو الخدمة (Flow)؛ بعدما يتم تحديد قيمة أو سعر المنتج أو الخدمة بدقة في المؤسسة الخالية من الهدر، والتي قامت بتخطيط تدفق هذا المنتج المعين، تأتي الخطوة التالية من الإدارة الرشيقة الخالية من الهدر، وهي تحريك الخطوات بهدف التأكد من أن سير عمل كل فريق لا يزال سلسًا، لذلك فإنه على القائمين على الإدارة أن يضعوا في اعتبارهم أن الأمر قد يستغرق بعض الوقت.
وغالبًا ما يتضمن تطوير منتج أو خدمة عمل جماعي متعدد الوظائف، وقد تظهر الاختناقات والمقاطعات في أي وقت. ومع ذلك، من خلال تقسيم العمل إلى مجموعات أصغر وتصور سير العمل، يمكن بسهولة اكتشاف وإزالة العوائق العملية.
وإن كنا نتحدث عن منتج أو خدمة ما فإن سير التدفق بوضوح من غير أي اختناقات هو أداء المهام بشكل تدريجي أثناء تدفق المنتج أو الخدمة بحيث يصل المنتج إلى المشتري، ومن التصميم إلى السوق، ومن الأمر إلى التسليم، ومن المواد الخام إلى المشتري دون توقف، ومن دون إهدار ومن دون انحدار.
4- إنشاء نظام للإنتاج أو تقديم الخدمة في الوقت المرغوب؛ بمعني أنه يجب ألا تُنتج سلع أو تقدم خدمة ما لم يرغب فيها العميل النهائي، وربما أفضل طريقة لفهم المنطق هو الذهاب أولاً إلى العميل الحقيقي الذي يريد منتجًا حقيقيًا، ثم العودة وإلقاء نظرة على جميع الخطوات التي يجب اتخاذها لإيصال المنتج إلى العميل. وربما هذا يعني – بصورة أخرى – أنه لا ينتج منتج إلا بعد وجود طلب عليه، وهذا يضمن وجود سير عمل مستقر، وأن فريق العمل يمكنه تسليم المنتج أو مهام العمل بشكل أسرع بكثير وبجهد أقل.
لنأخذ مطعمًا، على سبيل المثال؛ تذهب هناك وتطلب بيتزا، يسحب الخباز طلبك ويبدأ في صنع البيتزا الخاصة بك، إنه لا يفترض نوعية البيتزا التي ترغب فيها قبل الطلب ولا يحضر الأطباق مقدمًا لأنه لا يوجد طلب فعلي، إذ إن قام بتحضير البيتزا قبل الطلب فإن تلك البيتزا وغيرها تتحول إلى مواد مهدورة لا تجد من يشتريها.
ومن أجل تأمين سير عمل مستقر، يجب على القائمين على الإدارة الرشيقة التأكد من إنشاء نظام سحب عندما يتعلق الأمر بمنهجية الإدارة الرشيقة. وبمعنى آخر إنه في مثل هذه المنظومة، لا يتم إنتاج العمل أو سحب العمل إلا إذا كان هناك طلب عليه، وهذا يتيح للمؤسسة تحسين قدرة الموارد وتقديم المنتجات أو الخدمات فقط إذا كانت هناك حاجة فعلية.
5- مطاردة الكمال أو التحسين المستمر؛ وبعد اجتياز جميع الخطوات السابقة، تكون المؤسسة قد قامت بالفعل ببناء نظام إدارة للإدارة الرشيقة الخاصة بها. ومع ذلك، فإنه يجب ألا تنسى المؤسسة الانتباه إلى هذه الخطوة الأخيرة، والتي ربما تكون أكثرها أهمية.
فعلى المؤسسة أن تتذكر أن هذه المنظومة ليست معزولة وثابتة، فقد تحدث بها مشاكل في أي من الخطوات السابقة، ولهذا السبب تحتاج إلى التأكد من أن الموظفين على كل مستوى يشاركون في تحسين العملية باستمرار. وهناك تقنيات مختلفة لتشجيع التحسين المستمر. على سبيل المثال، قد يكون لكل فريق اجتماع الوقوف يوميًا لمناقشة ما تم إنجازه وما يجب القيام به والعقبات المحتملة، طريقة سهلة لمعالجة التحسينات يوميًا. فهذا التفكير المرن والرشيق يسعى إلى تحقيق الكمال، والكمال هو القضاء التام على النفايات والمخلفات والهدر بحيث تكون جميع الأنشطة التي تتم أثناء تدفق القيمة ذات قيمة.
مزايا وعيوب الإدارة الرشيقة
على الرغم من كل ما قلناه خلال المقالين السابقين، إلا أنه يجب أن نعلم أنه لا يوجد نظام أو منظومة – أيًا ما كانت – إلا بها من العيوب ما يساوي أو يقل بعض الشيء عن المزايا، وإن كان هذا الأمر لا يقلل من شأن تلك المنظومة أيًا ما كانت.
ونحن نعلم اليوم أن فوائد هذه المنظومة تشمل الإنشاء السريع للحلول، والاستخدام الفعال للموارد، وزيادة المرونة والقدرة على التكيف مع الاحتياجات المتغيرة، واكتشاف المشكلات بشكل أسرع، ووضع الحلول بصورة أفضل، وكذلك من الفوائد الأخرى التعاون والتفاعل مع المستخدمين، ما يزيد من عدد المنتجات التي تلبي احتياجات المستخدمين أكثر وأفضل.
أما بالنسبة إلى العيوب المحتملة فهناك ميل بالسير في المشاريع بطريقة الفريق الخاصة، وهذا يعني أن هناك نقصا في الوثائق والنتائج وهذا يعني أنه لا توجد وثائق يمكن الرجوع إليها في حالة الرغبة في التنبؤ أو دراسة المستقبل.
ونظرًا إلى أن الإدارة الرشيقة تسهم في القدرة على اتخاذ القرارات السريعة، فإن هذا النهج غير مناسب للمؤسسات التي تميل إلى مناقشة القضايا على مدى فترة زمنية طويلة أو المؤسسات التي تميل إلى اتخاذ قرارات جماعية.
وبغض النظر عن العيوب والمزايا، فإن الإدارة الرشيقة نموذج ومنظومة يمكن تطبيقها في كثير من المؤسسات سواء الخاصة أو العامة، ولكنها –كالعادة– تحتاج إلى تفكير وإعادة ترتيب حتى تتلاءم مع المعطيات والمتطلبات.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك