العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

التصورات الاستراتيجية الغربية حول الشرق الأوسط

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الخميس ٢٧ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

أشار‭ ‬‮«‬نيك‭ ‬روبرتسون‮»‬،‭ ‬من‭ ‬شبكة‭ ‬‮«‬سي‭ ‬إن‭ ‬إن‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الاتفاق‭ ‬المبرم‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2023،‭ ‬بين‭ ‬السعودية،‭ ‬وإيران،‭ ‬والذي‭ ‬توسطت‭ ‬فيها‭ ‬الصين،‭ ‬حطم‭ ‬افتراضات‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬بشأن‭ ‬هيمنتها‭ ‬السياسية‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬القائمة‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬فيما‭ ‬يعد‭ ‬ضربة‭ ‬قاضية‭ ‬لمصير‭ ‬التنافس‭ ‬بين‭ ‬واشنطن‭ ‬وبكين‭. ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬تم‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالديناميكيات،‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬إبرام‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق،‭ ‬لاسيما‭ ‬تضاؤل‭ ‬الدور‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬والمصالح‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬الصينية‭ ‬المتزايدة،‭ ‬والتحول‭ ‬السريع‭ ‬نحو‭ ‬نظام‭ ‬إقليمي‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب؛‭ ‬فإنه‭ ‬يُتوقع‭ -‬في‭ ‬إثره‭- ‬أن‭ ‬تعطي‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الأولوية‭ ‬لمصالحها‭ ‬الذاتية،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬رغبات‭ ‬القوى‭ ‬العظمى‭ ‬الخارجية،‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الاتفاق‭ ‬قد‭ ‬أعاد‭ ‬الجدل‭ ‬حول‭ ‬الديناميكيات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬المتغيرة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬فمن‭ ‬المهم‭ ‬تأكيد‭ ‬أن‭ ‬ملامح‭ ‬تصورات‭ ‬الغرب‭ ‬حول‭ ‬الأهمية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬للمنطقة‭ ‬قد‭ ‬عفا‭ ‬عليها‭ ‬الزمن‭. ‬وأعرب‭ ‬مارك‭ ‬لينش،‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬فورين‭ ‬بوليسي،‭ ‬عن‭ ‬أسفه‭ ‬حيال‭ ‬الاتفاق،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬التغييرات‭ ‬الديناميكية‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية،‭ ‬وشملت‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬توسعت‭ ‬بالفعل‭ ‬اقتصاديًا‭ ‬وسياسيًا‭ ‬وأمنيًا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬إفريقيا‭ ‬وآسيا‭ ‬وأوروبا‭. ‬

وفي‭ ‬واقع‭ ‬الأمر،‭ ‬ظلت‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬مرتبطة‭ ‬بخريطة‭ ‬ذهنية‭ ‬أضيق‭ ‬بكثير‭ ‬عن‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬ومنذ‭ ‬السنوات‭ ‬الأولى‭ ‬للحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬نظرت‭ ‬واشنطن،‭ ‬إلى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬استنادًا‭ ‬إلى‭ ‬الفهم‭ ‬المنطقي‭ ‬الأمريكي‭ ‬للمنطقة،‭ ‬وتاريخ‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬أقسام‭ ‬الجامعات‭ ‬الأمريكية‭ ‬ومراكز‭ ‬الفكر،‭ ‬وكذلك‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬الخاطئة‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬الأكاديمية‭ ‬والرسمية‭ ‬حيال‭ ‬المنطقة‭.‬

وبينما‭ ‬يُنظر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬النفوذ‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬آخذ‭ ‬في‭ ‬الانخفاض،‭ ‬كتب‭ ‬ستيفن‭ ‬رايت،‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬خليفة،‭ ‬أن‭ ‬تنامي‭ ‬القوة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والنفوذ‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬لبكين،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهله‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬لعبته‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬العلاقات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬بين‭ ‬الرياض‭ ‬وطهران،‭ ‬والذي‭ ‬هو‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هيمنة‭ ‬واشنطن،‭ ‬المفترضة‭ ‬على‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الإقليمية‭ ‬بالمنطقة‭ ‬قد‭ ‬انحسرت‭ ‬ببطء‭ ‬نوعًا‭ ‬ما‭.‬

وعبر‭ ‬وصفه‭ ‬للتقييمات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬السائدة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬حيال‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ -‬لا‭ ‬سيما‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭- ‬بأنه‭ ‬قد‭ ‬عفا‭ ‬عليه‭ ‬الزمن؛‭ ‬أضاف‭ ‬لينش‭ ‬أن‭ ‬المفهوم‭ ‬الأمريكي‭ ‬للشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬يستند‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالعالم‭ ‬العربي،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬يعتبر‭ ‬تكتلًا‭ ‬منفصلاً‭ ‬خاصًا‭ ‬به‭. ‬واعتبر‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬قيدًا،‭ ‬لخيارات‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬التي‭ ‬مارستها‭ ‬واشنطن،‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬خلال‭ ‬العشرين‭ ‬عامًا‭ ‬الماضية‭.‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬تُولي‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬الاهتمام‭ ‬بما‭ ‬سُمي‭ ‬بـ«محور‭ ‬آسيا‭ ‬والمنافسة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬مع‭ ‬الصين»؛‭ ‬أشار‭ ‬لينش،‭ ‬إلى‭ ‬الكيفية‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬بخلق‭ ‬نظام‭ ‬علاقات‭ ‬يتمحور‭ ‬حول‭ ‬منطقة‭ ‬المحيط‭ ‬الهندي،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬وتوسيع‭ ‬نطاق‭ ‬تعاملاتها‭ ‬التجارية‭ ‬وشراكاتها،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬العقدين‭ ‬الماضيين‭ ‬تمت‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬الأسواق‭ ‬المالية‭ ‬وفقا‭ ‬لتوجهات‭ ‬بعض‭ ‬أغنى‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬وأشار‭ ‬جوزيف‭ ‬ويبستر،‭ ‬وجوز‭ ‬بيلايو،‭ ‬من‭ ‬المجلس‭ ‬الأطلسي،‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬بالتزامن‭ ‬مع‭ ‬تراجع‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الأمريكية‭ ‬مع‭ ‬الخليج،‭ ‬فقد‭ ‬توسعت‭ ‬هذه‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ،‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬السعودية‭ ‬أكبر‭ ‬مزود‭ ‬لواردات‭ ‬النفط‭ ‬الخام‭ ‬لبكين،‭ ‬حيث‭ ‬ارتفعت‭ ‬من‭ ‬145‭ ‬مليون‭ ‬طن‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2006،‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬500‭ ‬مليون‭ ‬طن‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2022‭.‬

ووفقا‭ ‬لـ«لينش‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬الازدهار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬قد‭ ‬جعله‭ ‬الآن‭ ‬مركزًا‭ ‬عالميًا‭ ‬رائدًا،‭ ‬للاستثمار‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬والتكنولوجيا،‭ ‬وأنه‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أنشطتها‭ ‬مقصورة‭ ‬على‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الجغرافية،‭ ‬يجب‭ ‬اعتبارها‭ ‬مراكز‭ ‬رائدة‭ ‬عالميًا‭ ‬للرأسمالية،‭ ‬موضحًا‭ ‬أن‭ ‬المراكز‭ ‬الإقليمية‭ ‬مثل‭ ‬دبي،‭ ‬لديها‭ ‬الآن‭ ‬قواسم‭ ‬مشتركة‭ ‬مع‭ ‬سنغافورة،‭ ‬أو‭ ‬هونغ‭ ‬كونغ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬بيروت‭ ‬أو‭ ‬بغداد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭.‬

وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بدور‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدبلوماسية؛‭ ‬فقد‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬تدهور‭ ‬المكانة‭ ‬الدولية‭ ‬لها‭ ‬بشكل‭ ‬سريع‭. ‬وأوضح‭ ‬تريتا‭ ‬بارسي،‭ ‬من‭ ‬معهد‭ ‬كوينسي،‭ ‬أنه‭ ‬قديما‭ ‬كانت‭ ‬جميع‭ ‬الطرق‭ ‬المؤدية‭ ‬إلى‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬تمر‭ ‬عبر‭ ‬واشنطن؛‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬اتفاقيات‭ ‬كامب‭ ‬ديفيد‭ ‬عام‭ ‬1978،‭ ‬إلى‭ ‬اتفاقيات‭ ‬أوسلو‭ ‬عام‭ ‬1993،‭ ‬ولكن‭ ‬الآن‭ ‬أصبحت‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬لها‭ ‬أكثر‭ ‬عسكرة،‭ ‬مما‭ ‬سبق‭ ‬وتجاوزت‭ ‬واشنطن‭ ‬كل‭ ‬القواعد،‭ ‬وتخلت‭ ‬عن‭ ‬مساعيها‭ ‬لصنع‭ ‬سلام‭ ‬صادق‭ ‬وحقيقي‭ ‬على‭ ‬الأصعدة‭ ‬الدولية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬تداعيات‭ ‬كبرى‭ ‬على‭ ‬سمعتها‭ ‬العالمية‭.‬

وبالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬بارسي‮»‬،‭ ‬فإنه‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬قد‭ ‬فقدت‭ ‬الاهتمام‭ ‬بصنع‭ ‬السلام؛‭ ‬فإنها‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬تستعرض‭ ‬قوتها‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬متزايد‭ ‬لعدم‭ ‬كونها‭ ‬وسيطًا‭ ‬محايدًا،‭ ‬فيما‭ ‬أصبحت‭ ‬أيضًا‭ ‬ترفض‭ ‬جهود‭ ‬القوى‭ ‬الأخرى‭ ‬للوساطة‭. ‬

ومع‭ ‬إصرار‭ ‬إيمي‭ ‬هوثورن،‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬للديمقراطية،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬اتفاق‭ ‬بكين‭ ‬يمثل‭ ‬إنجازًا‭ ‬مرموقًا‭ ‬للصين،‭ ‬التي‭ ‬قادت‭ ‬دورًا‭ ‬دبلوماسياً‭ ‬جديدًا؛‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬يتفوق‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬تمكنت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬تحقيقه‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬تولى‭ ‬بايدن‭ ‬منصبه‭.‬

وتأكيدا‭ ‬لذلك،‭ ‬أوضح‭ ‬لينش،‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭ ‬يختلف‭ ‬تفكير‭ ‬القيادة‭ ‬في‭ ‬بكين،‭ ‬إزاء‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬عن‭ ‬واشنطن،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬أن‭ ‬سياستها‭ ‬المتصورة‭ ‬للمنطقة،‭ ‬تنبع‭ ‬من‭ ‬خدمة‭ ‬مصالحها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الخاصة‭. ‬وعلى‭ ‬وجه‭ ‬التحديد،‭ ‬أشار‭ ‬بارسي،‭ ‬إلى‭ ‬نجاح‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬شي‭ ‬جين‭ ‬بينغ،‭ ‬في‭ ‬التوسط‭ ‬لإنهاء‭ ‬التوترات‭ ‬بين‭ ‬الرياض،‭ ‬وطهران،‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬متحيزًا‭ ‬لأي‭ ‬طرف‭ ‬منهما،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬انضباط‭ ‬بكين‭ ‬وحرصها‭ ‬على‭ ‬تبني‭ ‬الموقف‭ ‬المحايد‭ ‬حيال‭ ‬الخلافات‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬نتائجه‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬بالخروج‭ ‬باتفاق‭ ‬دبلوماسي‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬مثّل‭ ‬انقلابًا‭ ‬ضد‭ ‬النفوذ‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

من‭ ‬جانبها،‭ ‬أوضحت‭ ‬كريستين‭ ‬فونتينروز،‭ ‬من‭ ‬المجلس‭ ‬الأطلسي،‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الصين،‭ ‬أصبحت‭ ‬الآن‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬وصف‭ ‬نفسها‭ ‬بأنها‭ ‬صانع‭ ‬سلام،‭ ‬فإنه‭ ‬على‭ ‬النقيض‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬أشار‭ ‬رايت،‭ ‬إلى‭ ‬مقاومة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لنمو‭ ‬العلاقات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬لبكين‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حث‭ ‬حلفائها‭ ‬على‭ ‬استبعاد‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬الشركات‭ ‬الصينية‭ ‬وشبكات‭ ‬الجيل‭ ‬الخامس‭ ‬الخاصة‭ ‬بها؛‭ ‬بسبب‭ ‬المخاوف‭ ‬الأمنية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬عكسية‭ ‬لأهداف‭ ‬واشنطن،‭ ‬حيث‭ ‬ترى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬قد‭ ‬يعرقل‭ ‬التنمية‭ ‬ويجبر‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬الاختيار‭ ‬الثنائي،‭ ‬سواء‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬الصين‭.‬

وفي‭ ‬ضوء‭ ‬ذلك،‭ ‬يرى‭ ‬رايت،‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬الناشئ‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب،‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬بمكان،‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬مواصلة‭ ‬مساعيها‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬علاقاتها‭ ‬بمهارة،‭ ‬وإدراك‭ ‬أن‭ ‬التحالفات‭ ‬التقليدية‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تخدم‭ ‬مصالح‭ ‬الدول‭ ‬الإقليمية،‭ ‬مضيفا‭ ‬أن‭ ‬القوتين‭ ‬العالميتين‭ ‬تقدمان‭ ‬مزايا‭ ‬ذات‭ ‬قيمة‭ ‬متساوية،‭ ‬وأن‭ ‬مصالحهما‭ ‬تبدو‭ ‬وكأنها‭ ‬تُخدم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬علاقات‭ ‬قوية‭ ‬مع‭ ‬كليهما‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الدول‭ ‬كافة،‭ ‬وعبر‭ ‬الاستفادة‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬رغبة‭ ‬واشنطن،‭ ‬وبكين،‭ ‬المتبادلة‭ ‬في‭ ‬الاستقرار‭ ‬الإقليمي‭ ‬وحماية‭ ‬الأمن‭ ‬البحري،‭ ‬وأن‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬بدورها‭ ‬تستطيع‭ ‬تعزيز‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬كلتا‭ ‬القوتين‭ ‬لخدمة‭ ‬الأهداف‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لها‭. ‬

وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بكيفية‭ ‬القيام‭ ‬بذلك،‭ ‬اقترح‭ ‬رايت،‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬دورًا‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬والصين‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬ذات‭ ‬الاهتمام‭ ‬المشترك؛‭ ‬وبالتالي‭ ‬المساعدة‭ ‬في‭ ‬تخفيف‭ ‬التوترات‭ ‬وخلق‭ ‬بيئة‭ ‬مواتية‭ ‬للتعاون‭ ‬المشترك‭ ‬بينهما‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إطلاق‭ ‬المبادرات‭ ‬التي‭ ‬تعزز‭ ‬التنمية‭ ‬الإقليمية‭ ‬والأمن‭ ‬والازدهار‭. ‬

وحول‭ ‬كيفية‭ ‬تعاطي‭ ‬واشنطن،‭ ‬والدول‭ ‬الغربية‭ ‬مع‭ ‬مفاهيمها‭ ‬القديمة‭ ‬للأهمية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬للشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬حث‭ ‬صانعو‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكيون‭ ‬على‭ ‬تجنب‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬لاتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬ثنائية،‭ ‬سواء‭ ‬بالتخلي‭ ‬عن‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬الصين،‭ ‬وتعزيزها‭ ‬مع‭ ‬واشنطن،‭ ‬والسعي‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬إقامة‭ ‬علاقات‭ ‬قوية‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬مزايا‭ ‬التعاون‭ ‬المتبادل‭. ‬

وبالمثل،‭ ‬أشار‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬ويبستر،‭ ‬وبيلايو،‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬يتحتم‭ ‬على‭ ‬صانعي‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكيين‭ ‬الاعتراف‭ ‬بخطورة‭ ‬الصين‭ ‬عبر‭ ‬توفير‭ ‬بدائل‭ ‬أمنية‭ ‬وتقنية‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تتيحها‭ ‬بكين،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬تعزيز‭ ‬تعاونهم‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الطاقة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭. ‬وفي‭ ‬ضوء‭ ‬الإجماع‭ ‬المتزايد‭ ‬بين‭ ‬الأكاديميين‭ ‬والخبراء‭ ‬الغربيين‭ ‬بشأن‭ ‬حقيقة‭ ‬وجود‭ ‬نظام‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬أكد‭ ‬بارسي،‭ ‬أن‭ ‬المسؤولية‭ ‬المشتركة‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬لتوفير‭ ‬الأمن‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ميزة‭ ‬إضافية،‭ ‬تخفف‭ ‬العبء‭ ‬عن‭ ‬كاهل‭ ‬واشنطن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬أدنى‭ ‬تهديدات‭ ‬لمصالحها،‭ ‬وعليه،‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬تتخلى‭ ‬الأخيرة‭ ‬عن‭ ‬الوهم‭ ‬بأن‭ ‬عليها‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬مجمل‭ ‬التطورات‭ ‬وحدها‭ ‬دون‭ ‬غيرها‭.‬

وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬مخاوف‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المعلقين‭ ‬الغربيين‭ ‬إزاء‭ ‬الدور‭ ‬المستقبلي‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬تلعبه‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬الجغرافيا‭ ‬السياسية‭ ‬للشرق‭ ‬الأوسط؛‭ ‬فإن‭ ‬تحذيرات‭ ‬لينش‭ ‬من‭ ‬عواقب‭ ‬حالة‭ ‬الاختلال‭ ‬الدراماتيكية‭ ‬للرؤية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والغرب‭ ‬حيال‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وكذلك‭ ‬مخاطر‭ ‬التمسك‭ ‬بالنموذج‭ ‬القديم‭ ‬لإدارة‭ ‬المنطقة،‭ ‬قد‭ ‬تجلت‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬خلال‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭. ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬النحو،‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬دعوات‭ ‬متجددة‭ ‬لواشنطن‭ ‬بالفعل‭ ‬إلى‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬اهتمامها‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬والاعتراف‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬بأهميتها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬القائمة‭. ‬

على‭ ‬العموم،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬جوناثان‭ ‬بانيكوف،‭ ‬من‭ ‬المجلس‭ ‬الأطلسي،‭ ‬قد‭ ‬رأى‭ ‬أن‭ ‬دبلوماسية‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬التوسط‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬والسعودية،‭ ‬تعد‭ ‬تحذيرا‭ ‬لصانعي‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكيين،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الذي‭ ‬تهيمن‭ ‬عليه‭ ‬بكين‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يقوض‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬مصالح‭ ‬التجارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والطاقة‭ ‬والأمن‭ ‬القومي‭ ‬؛‭ ‬فقد‭ ‬أشارت‭ ‬صحيفة‭ ‬التليجراف،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عدم‭ ‬منح‭ ‬الغرب‭ ‬الأولوية‭ ‬القصوى‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬المنطقة‭ ‬له‭ ‬أخطاره،‭ ‬لا‭ ‬سيما،‭ ‬أن‭ ‬اندلاع‭ ‬التوترات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬مؤخرًا،‭ ‬أكد‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يدع‭ ‬مجالاً‭ ‬للشك‭ ‬أن‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬يحتفظ‭ ‬بقدرته‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بارودًا‭ ‬جيوسياسيًا،‭ ‬يغير‭ ‬قواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬السياسية‭ ‬المتفق‭ ‬عليها‭ ‬لدى‭ ‬الأطراف‭ ‬الدولية‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا