على الرغم من أن الوطن العربي شهد نشوء أول الجامعات في العالم، حيث أسس الخليفة العباسي المأمون جامعة (مدرسة المعرفة) ببغداد عام 825م، ثم تأسست جامعة القرويين بفاس في المغرب عام 859م، والتي أنشئت كمؤسسة تعليمية لجامع القرويين، وأسست جامعة الأزهر في مصر عام 988م، ثم الجامعة المستنصرية في بغداد التي أسسها الخليفة العباسي المستنصر بالله عام 1233م بمسمى المدرسة المستنصرية، إلا أن التعليم العالي العربي في عدد من الدول العربية يعاني من إشكالات وتباينات عديدة، منها تقليدية هياكل التعليم الجامعي ومؤسساته، وما يرتبط بها من نظم دراسية وبرامج وأساليب تدريس، وافتقاره إلى المرونة والديناميكية في مسايرة التطورات العلمية والتقنية المعاصرة، وضعف إدارات التعليم الجامعي الحكومي وخضوعها للاعتبارات الحكومية التقليدية السائدة في الدولة، وغياب الرؤية الاستراتيجية لدور التعليم العالي في التنمية المستدامة، وضعف قدرة مؤسسات التعليم الجامعي الحكومي في تأهيل مخرجاتها بما يواكب المتطلبات المتنامية لسوق العمل، ولم تتمكن من الإسهام الفعال في صناعته، ومحدودية التنوع في مواردها المالية، وضعف قدرتها في التحول إلى جامعات ريادية منتجة، وعدم تمكنها من استيعاب تنامي أعداد الطلاب خريجي الدراسة الثانوية، ما نجم عنه خلال السنوات العشرين الماضية توسع ملحوظ في أعداد الجامعات والكليات الأهلية التي تعرف بأنها مؤسسات التعليم العالي التـي يقوم القطاع الخاص بتأسيسها وتمويلها وإدارتها، ويلتحق بها الطلبة مقابـل رسوم دراسية تؤخذ مـن المستفيدين من خدماتها التعليمية سواء كانوا الطلاب أنفسهم أو الجهات المانحة، وتعمل وفقا للقوانين والنظم السارية في الدولة، ونشأت كاستجابة طبيعية لسد الفجوة بين الطلب المرتفع على التعليم العالي والطاقة الاستيعابية المحدودة نسبيا للجامعات الحكومية، فضلا عن مواكبة سياسات التخصيص والعولمة التي يشهدها العالم. وقد بلغ عدد الجامعات الأهلية في الوطن العربي عام 1950 أربع جامعات فقط، وارتفع عام 1973 إلى (8) جامعات، وبلغ عام 1996 نحو (26) جامعة، وارتفع عام 2003 إلى (77) جامعة، وبلغ نحو (180) جامعة عام 2013 وقفز عام 2022 إلى (379) جامعة.
وتشير المسوحات المتاحة للتعليم العالي الأهلي العربي إلى أن أغلب الجامعات والكليات الأهلية تركز تخصصاتها على دراسة العلوم الاجتماعية والإنسانية في مجالات الإدارة والاقتصاد والقانون واللغات وغيرها، ومنها من أسست كمعاهد تدريبية وتعليمية ثم تحولت إلى كليات، وأخرى أسست كفروع لجامعات أجنبية عريقة إلا أنها ليس بالضرورة تعكس علمية ومنهجية وكفاءة الجامعة الأم تماما وإنما تتأثر ببيئة ونظم التعليم في الدولة العربية، ويتميز التعليم الجامعي الأهلي عن التعليم الجامعي العام بطبيعة القاعدة المالية، حيث تتحمل مؤسسات التعليم الأهلي أعباء تمويلها، بالإضافة إلى اختلاف الحوكمة والإدارة الداخلية، واختلاف العلاقة بينها وبين الحكومة والهيئات العامة، والتمايز فيما يتعلق بالتخطيط المؤسسي، وسياسات استقطاب أعضاء الهيئة التدريسية والموظفين، حيث يعانون في قسم من الجامعات الأهلية من غياب الضمان والاستقرار الوظيفي، وارتفاع مؤشر دوران العمل، الأمر الذي ينعكس سلبا على أداء التعليم العالي الأهلي، وغياب التكامل، ومحدودية التعاون وتقسيم العمل بين التعليم الجامعي الأهلي والتعليم الجامعي الحكومي.
وقد كان هدف تحقيق أقصى الأرباح هو الدافع الرئيسي للمستثمرين في هذا القطاع، الأمر الذي يجعل قسما من الملاك يتدخلون في سياساتها المالية والتعليمية بما يحقق الأهداف الربحية حتى وإن تقاطعت مع رؤية الدولة التي تعد التعليم العالي الأهلي رافدا حيويا مساندا للتعليم العالي الحكومي في دعم البنى الاقتصادية والعلمية والإسهام في تحقيق التنمية.
وعلى الرغم من النمو الكبير في أعداد الجامعات والكليات الأهلية فإنها تعد صغيرة الحجم وطاقاتها الاستيعابية للطلبة محدودة جدا، وأغلب طلبتها هم من الحاصلين على تقديرات أكاديمية متدنية، ولم يحصلوا على فرص للقبول في الجامعات أو البعثات الحكومية، وآخرين ممن التحقوا بالجامعات الحكومية إلا أنهم لم يتمكنوا من مواصلة الدراسة فيها بسبب الرسوب أو الانسحاب أو غيره، أو أنهم موظفون على رأس العمل ولديهم رغبة في إكمال دراستهم الجامعية.
وتشهد الجامعات الأهلية تباينا واضحاً في مستواها العلمي والتزامها بمتطلبات الجودة والرصانة الأكاديمية، فمنها من شهد تقدما سريعاً مواكبا للتطورات العلمية والتربوية والتقنية وامتلك أدوات فاعلة في الارتقاء في مجالات التعليم والبحث العلمي والتأثير الإيجابي على سوق العمل وخدمة المجتمع وإكساب الطلاب المهارات التي تمكنهم من المنافسة بكفاءة على الوظائف، ومنها من لم يحقق ذلك.
وللموضوع بقية في مقال قادم إن شاء الله.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك