اتجهت كل دول مجلس التعاون الخليجي إلى فتح آفاق الاستثمار، في خطوة تعد ضرورية على طريق النمو المستدام، كما عدت كل منها استثماراتها في دول المجلس الأخرى أولوية على الوجهات الأخرى، ما يعزز التكامل الاقتصادي بينها، وصولاً إلى وحدتها.
وحتى أكتوبر الماضي بلغ الرصيد التراكمي للاستثمارات السعودية في مملكة البحرين 9.8 مليارات دولار، مشكلاً نسبة 29% من إجمالي حجم الاستثمارات المباشرة التراكمية في البحرين البالغ حينئذ 34 مليار دولار، وشمل توجه الاستثمارات السعودية: الخدمات المالية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والصناعة، والخدمات اللوجستية، وهي نفس القطاعات التي يركز مجلس التنمية الاقتصادية البحريني على جذب الاستثمارات إليها. ومع إطلاق خطة التعافي الاقتصادي، وزيادة وتيرة التعاون الاقتصادي بين المملكتين، وتبني البحرين تنفيذ مشاريع تنموية استراتيجية ضخمة تفوق قيمتها 30 مليار دولار، تشهد الاستثمارات السعودية في البحرين اتجاهًا تصاعديًا، فعقب اجتماع سمو ولي العهد رئيس الوزراء مع سمو ولي العهد السعودي في المنامة في ديسمبر 2021، أعلنت السعودية توجهها إلى استثمار خمسة مليارات دولار في مشاريع تنموية.
وقد حلت الاستثمارات الكويتية في البحرين في إجمالي رصيد الاستثمار التراكمي فيها بنهاية العام الماضي، المرتبة الأولى بين 71 دولة تستثمر في المملكة بنسبة 30%، تليها السعودية في المرتبة الثانية، وفي المرتبة الرابعة جاءت الاستثمارات الإماراتية بنسبة 8.5%، وسبقتها في ذلك الاستثمارات الليبية، فيما بلغ عدد السياح الكويتيين إلى مملكة البحرين نحو 300 ألف سائح، كما ارتفع رصيد الاستثمارات الكويتية المباشرة إلى نحو 10.9 مليارات دولار، وتركزت الاستثمارات الكويتية في القطاع المالي ثم القطاع العقاري ثم السياحة.
ورغم جائحة كورونا، جاءت البحرين في المرتبة الأولى في خلق الوظائف في قطاع السياحة على مستوى الشرق الأوسط وإفريقيا في 2020، والثانية في عدد مشاريع الاستثمارات المباشرة في القطاع السياحي، ولهذا فقد استقبلت في هذا العام 492 مليون دولار من الاستثمارات السياحية، معظمها من الإمارات. وفي العام الماضي توجهت الإمارات والبحرين إلى إنشاء صندوق استثماري مشترك للاستثمار في مملكة البحرين، وإنشاء مركز للمستثمر الإماراتي في البحرين لتسهيل وتسريع إجراءات الاستثمار، وربط السجلات التجارية في البلدين، للسماح للشركات المسجلة في الإمارات بممارسة أعمالها في البحرين.
ولتوفير مناخ محفز وجاذب للاستثمارات الخارجية، أعلنت سلطنة عُمان إطلاق بوابة شاملة ومتكاملة لخدمات المستثمر، وصالة «استثمر في عُمان» بوزارة التجارة والصناعة، فيما تمثل الكويت ثاني أهم الوجهات الاستثمارية في استثمارات سلطنة عُمان المباشرة في الخارج بنسبة 9.3% من إجمالي هذه الاستثمارات. واحتلت الإمارات الصدارة بنسبة 22.7%، والسعودية في المرتبة الثالثة بنسبة 4.9%، وفي عام 2021 بلغت نسبة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر 12.6% من الناتج المحلي الإجمالي البالغ 33.9 مليار ريـال عُماني، ومن إجمالي رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر البالغ 17.8 مليار ريـال عُماني، بلغ نصيب الإمارات منها951 مليون ريـال، والكويت 800.5 مليون ريـال، وقطر 457.5 مليون ريـال، والبحرين 371.2 مليون ريـال، والسعودية 80.5 مليون ريـال.
وفي ديسمبر الماضي، أعلنت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية السعودية التي تمتلك أحد أكبر صناديق التقاعد في العالم استثمار نحو 2.4 مليار دولار في ثلاثة من أصول «دي بي وورالد» الرئيسية في الإمارات، ما يمثل الشريحة الثانية من بيع حصة أقلية من أسهم المجموعة في ميناء جبل علي، والمنطقة الحرة بجبل علي، ومجمع الصناعات الوطنية، وكانت الشريحة الأولى في يونيو 2022، ومن المتوقع أن تبلغ القيمة الاستثمارية الإجمالية لهذه الأصول نحو 23 مليار دولار، ومثّل هذا الاستثمار الجديد حصة تبلغ 10.2 منها، فيما تمثل هذه الكائنات الثلاثة منظومة متكاملة بمستوى عالمي لسلاسل التوريد والخدمات اللوجستية لأكثر من 9 آلاف شركة من أنحاء العالم تخدم أكثر من 3.5 مليارات مستهلك.
فيما تجاوز حجم الاستثمارات السعودية في الإمارات 10 مليارات دولار بأكثر من 206 مشروعات، في قطاعات السياحة والتجارة والخدمات والمطاعم والصناعة، يقابل هذا استثمارات إماراتية في السعودية بأكثر من 10 مليارات دولار في أكثر من 140 مشروعا، وتنشط نحو 3200 شركة سعودية ووكالة تجارية سعودية في الإمارات، ويعتبر السياح السعوديون أكثر سياح دول مجلس التعاون الخليجي زيارة للإمارات خاصة دبي. ويدعم نمو الاستثمارات المتبادلة، مجلس التنسيق السعودي الإماراتي، فيما يربو حجم التبادل التجاري بينهما، وهو الأكبر على المستوى الثنائي في دول المجلس، على 113 مليار درهم إماراتي. وتعد السعودية ثاني أكبر شريك تجاري للإمارات عالميًا وأول شريك تجاري مستورد عالميًا وأول شريك تجاري عالميًا في إعادة التصدير، ويوجد نحو 4459 علامة تجارية سعودية مسجلة في دولة الإمارات، فيما تستحوذ الإمارات على 66% من تجارة السعودية خليجيًا.
وشهد شهر فبراير الماضي، انطلاق منتدى «استثمر في السعودية» في دولة الكويت في إطار زيارة وزير الاستثمار السعودي، ولتحقيق الانسجام بين رؤية السعودية 2030 ورؤية الكويت 2035 عبر بناء شراكات نوعية جديدة، ولتعزيز العلاقات الاستثمارية بين البلدين، فيما كان حجم التبادل التجاري بينهما قد بلغ نحو 2.9 مليار دولار في 2022. كما بلغ رصيد الاستثمارات الكويتية في السعودية نحو 9.3 مليارات دولار في قطاعات التجزئة والاتصالات والفنادق والمطاعم، ويخدم نمو التجارة والاستثمارات المتبادلة بين البلدين مجلس التنسيق السعودي الكويتي الذي عقد أول اجتماعاته في يونيو 2021، حيث صاحبه توقيع خمس مذكرات تفاهم من بينها مذكرة للتعاون في مجال تشجيع الاستثمارات المباشرة في البلدين، وتذليل عقبات هذا الاستثمار وتوفير الفرص للمستثمرين.
وفيما بلغ حجم التجارة في العقد الأخير بين الكويت والإمارات نحو 240 مليار درهم إماراتي، فإن هناك نحو 31 ألف مستثمر كويتي بأسواق المال الإماراتية، برؤوس أموال تبلغ قيمتها نحو 24 مليار درهم. ويأتي الاستثمار الأكبر للكويتيين في الإمارات في القطاع العقاري بإجمالي استثمارات يبلغ 181 مليار درهم حتى نهاية 2019 عبر 20.6 ألف كويتي متملك للعقار في الإمارات. فيما تجسد العلاقات الاقتصادية الإماراتية الكويتية أبلغ صور التكامل ويخدمها عدد من الاتفاقيات بلغ 33 اتفاقية منذ 1972، فضلاً عن مذكرات التفاهم والبرامج التنفيذية، فيما يزيد حجم التبادل التجاري الثنائي على 40 مليار درهم، وتوجد 1730 شركة ووكالة تجارية كويتية تنشط في قطاعات الاقتصاد الإماراتي. ويزور الإمارات سنويًا ما يربو على 400 ألف سائح كويتي، وبلغ حجم الاستثمارات الكويتية في الإمارات نحو 13 مليار درهم، ويستثمر في الكويت 16 شركة إماراتية، فيما تحتل الاستثمارات الإماراتية المرتبة الخامسة في الاستثمارات المباشرة بالكويت بقيمة نحو 2.2 مليار دولار.
وفي الاجتماع السادس لمجلس التنسيق السعودي القطري في ديسمبر 2021 برئاسة أمير قطر وولي العهد السعودي، كان تأكيد تعزيز التعاون في مختلف المجالات، وبالتزامن أسفر اجتماع مجلس الأعمال السعودي القطري عن توقيع ستة اتفاقات للتعاون بين القطاع الخاص في البلدين، وإن كان حجم التبادل التجاري في عام 2021 البالغ 674 مليون ريـال قطري مازال بعيدًا عن مستويات ما قبل 2017، فيما تستهدف وكالة ترويج الاستثمار في قطر الأسواق الخليجية.
وأبدى صندوق الاستثمارات العامة السعودي اهتمامًا بالاستثمار في مجموعة بي إن الإعلامية القطرية، كما يدرس الصندوق شراء «أبراج أوريدو» القطرية التي تبلغ 20 ألف برج اتصالات تتراوح قيمتها بين 3 – 5 مليارات دولار. ووفق بيانات صندوق النقد الدولي، فإن قطر تعد أكبر مستثمر أجنبي في الكويت بأكثر من 3.2 مليارات دولار من إجمالي استثمارات أجنبية في الكويت بلغ 14.6 مليار دولار بنهاية 2020، وكانت السعودية الثانية بـ 908 ملايين دولار، ثم الإمارات 848 مليون دولار، والبحرين 746 مليون دولار ثم سلطنة عُمان 440 مليون دولار.
وفيما بلغ حجم التجارة المتبادلة الإماراتية القطرية أكثر من 9 مليارات درهم في التسعة أشهر الأولى من عام 2021، فقد بلغ رصيد الاستثمار الإماراتي في قطر 29 مليار درهم، وبلغ رصيد الاستثمارات القطرية في الإمارات نحو 4.3 مليارات درهم، مع وجود نحو 1475 علامة تجارية قطرية مسجلة في الإمارات.
وفي قمة العلا في يناير 2021، جرى تأكيد استكمال مقومات الوحدة الاقتصادية، واستكمال متطلبات الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة وتحقيق المواطنة الاقتصادية الكاملة، وينظر في هذا إلى تنمية الاستثمارات الخليجية البينية كأحد ممكنات التنفيذ، خاصة مع تعدد الفرص المتاحة لهذا الاستثمار في كل دولة من دول المجلس، ويشار إلى ما أعلنه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن فرص استثمارية كبرى تصل قيمتها إلى نحو 6 تريليونات ريـال في الـ10 سنوات القادمة منها 3 تريليونات ريـال استثمار في مشروعات جديدة، تحظى فيها دول مجلس التعاون بنصيب الأسد.
وحين انعقدت قمة العلا، كان الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس مجتمعة قد بلغ 1.64 تريليون دولار محتلة المركز 13 عالميًا، تسهم السعودية فيه بـ 48%، فيما بلغت التجارة البينية 91.3 مليار دولار، تصدرتها الإمارات بـ 53% ثم السعودية 26%، وبلغ حجم الاحتياطي من النقد الأجنبي نحو 620.5 مليار دولار للسعودية 81% منه، وعدد السكان 57.4 مليون نسمة للسعودية 60% منه.
وجذبت دول مجلس التعاون استثمارات أجنبية مباشرة بلغ رصيدها 497.2 مليار دولار تمثل 1.4% من إجمالي رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر في العالم، وقد مثلت التجارة البينية غير النفطية في دول المجلس نحو 73 مليار دولار بنسبة 4.4% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يشير إلى توافر الفرص لزيادة حجم هذه التجارة والاستفادة من قرارات المجلس الأعلى.
ومع سعي دول مجلس التعاون إلى توطين العديد من الصناعات لتعزيز قدراتها الذاتية وإحلال الواردات، فإن ذلك يفتح الباب أمام نمو الاستثمارات الخليجية البينية خاصة مع مناخ استثمار أكثر أمانًا وعائد أفضل لهذه الاستثمارات. ويذكر في هذا أن السعودية، أكبر اقتصاد خليجي وعربي، قد أتمت توطين 176 صناعة باستثمارات تتخطى 34 مليار دولار. ومن بين الصناعات التي تسعى دول الخليج إلى توطينها الصناعات العسكرية التي تحتاج إلى استثمارات ضخمة، وقدم برنامج التوطين السعودي مجموعة كبيرة من الحوافز للأفراد والشركات.
وفي ظل الإمكانات المتوافرة في دول مجلس التعاون الخليجي، مازالت استثمارات دول الخليج البينية لا تمثل غير نسبة ضئيلة من إجمالي استثماراتها الخارجية، وهي دون الـ10% من هذه الاستثمارات، بما لا يعكس حجم العلاقات بين هذه الدول، وهو ما يتطلب مزيدا من الترويج لفرص الاستثمار وإعادة التعريف بها وتسهيل إجراءاتها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك