قبل عام ونصف العام اقتبست صحيفة معاريف تقريرا للجنرال المتقاعد إسحق بريك عن تقديراته المتشائمة عن جاهزية الجيش الإسرائيلي لخوض حرب متعددة الجبهات، وهو رجل اختصاص مسؤول سابق للشكاوى في الجيش الإسرائيلي، وقبل ستة أشهر في سبتمبر الماضي عاد الجنرال ليكتب أن الجيش الإسرائيلي عاجز عن القتال وأن الكارثة مسألة وقت ليس أكثر.
بالأمس عاد إسحق بريك وعلى وقع الحديث عن حرب متعددة الجبهات ليكتب مرة ثالثة في «معاريف» عن عدم جاهزية الجيش الإسرائيلي، وهو ما يتقاطع مع القنبلة التي ألقاها المحاضر في جامعة بار إيلان مردخاي كيدار الذي وضع في مقال ما وصفه بحرب «يوم الدين» حسب المصطلح الإسرائيلي ليوم القيامة تصوراً لهجوم متعدد تشنه الأطراف المعادية لإسرائيل في المنطقة تحت إشراف إيران من أكثر من جبهة.
وكيدار معروف بيمينيته التي تطغى على تحليلاته التي تبدو ساذجة في كثير من الأحيان، ولا تعكس مستوى مهنيا أكاديميا، لأنها كانت بالعموم تخلص إلى نتيجة واحدة خلاصتها التحطيم المعنوي للفلسطينيين ولكل من يقف على الجانب الآخر من إسرائيل الدولة القوية القادرة على كل شيء.
كنت بحاجة إلى التأكد من اسم الكاتب القريب من الدوائر السياسية في اليمين لأصدق أن كيدار نفسه يكتب مقالاً يقول فيه إنه تردد كثيراً قبل كتابة مقال السيناريو المذكور كي لا يثير الذعر والإحباط لدى الجمهور الإسرائيلي، لكنه يكتب ارتباطاً بواقع يتراءى أمامه ارتباطاً بتغيرات وتحولات في المشهد العام للمنطقة والتحولات في التكتلات القائمة وانزياحات القوة التي تتم بينها والتي تجري أمام أعين الجميع، يصاحبها أيضا تحولات في إسرائيل وعلاقاتها الخارجية بعد حكومة نتنياهو، ليقول إنه في حال هجوم متعدد على إسرائيل لن يتدخل العالم وستكتفي الولايات المتحدة بالتنديد. وقد يكون الرجل محقاً، فالولايات المتحدة إذا كان لديها فائض للسلاح ستنفقه على أوكرانيا، وإذا كان لديها فائض طاقة ستنفقها في صراعها مع الصين.
مقال كيدار يتزامن مع تقرير شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي «أمان» بأن احتمالات الحرب قوية في العام القادم وهي حرب متعددة الجبهات، حيث تعتبر «أمان» هي الجهة المخولة بوضع تقديرات الحرب منذ أن أحيلت لها تلك المهمة بعد توصيات نتائج حرب أكتوبر والإخفاق الذي سجله جهاز الموساد في التنبؤ بها.
في صحيفة «اسرائيل اليوم» نشر مؤخرا أوري باركوفيتش مقالاً بعنوان: «حرب الجيل الخامس» معتبراً أن لخصوم إسرائيل ميزة في تلك الحرب التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وهذا يفقد إسرائيل تفوقها الذي اعتادته وحافظت عليه وخصوصاً أن خصم إسرائيل الرئيسي إيران يعقد تحالفات مدنية وعسكرية مع دول مثل الصين وروسيا. فقد أظهرت بكين قدراً كبيراً من التفوق التكنولوجي عندما فاجأت العالم أثناء جائحة كورونا ومستوى الذكاء الصناعي والروبوتات.
أما روسيا فقد تحدثت الصحف الإسرائيلية عن بيعها لطهران طائرات سوخوي 35، وقد كتب «يوناتان ليس» عن لقاء بوتين - خامنئي في يوليو الماضي والصفقة التي استكملت حينها، فقد أعلنت طهران في فبراير الماضي إقامة قاعدة جديدة باسم «نسر 44» تحت أرضية لسلاح الجو، وحسب مصادر أمريكية فإن نموذج سوخوي 35 تم وضعه في القاعدة.
التعاون الروسي الإيراني يشكل خطرا على إسرائيل وخصوصاً مع الضغط المتزايد على تل أبيب لتزويد أوكرانيا بالسلاح. وبات واضحاً أن الصراع الروسي الأوكراني يستنزف مخازن الأسلحة في العالم، ولن يكون هناك فائض لإمداد إسرائيل في حال اندلعت حرب كما حرب أكتوبر قبل نصف قرن، حين أقامت الولايات المتحدة جسراً جوياً. فالعالم مشغول بصراعات كبرى ومصالح أكبر من إسرائيل، وكما يقول باركوفيتش: حتى لو دمرنا 95% من قدراتهم فإن الـ5% كفيلة بإحداث ضرر هائل لإسرائيل.
حذر الأمن القومي من ترابط الجبهات، وهو المهمة التي اعتبرها عاموس يادلين رئيس معهد أبحاث الأمن القومي أولوية قصوى بعد ترميم العلاقات مع الولايات المتحدة، وأن على إسرائيل تفكيك تلك الجبهات، وعلى الجانب الآخر يتحدث المحور الذي تديره إيران عن جبهة واحدة، معززاً ذلك بحيوية أكبر بين مكوناته وتحركات وبيانات وتصريحات باتت ظاهرة للعيان.
منذ عملية مجدو دخلت إسرائيل في حالة غريبة من الجدل الأمني ونقاشات كانت تدور بسرية، لكن مناخاتها كانت تعكس قدراً من الجدية، وخصوصاً بعد العملية التي اعتبرتها الأوساط الأمنية نقطة تحول في الصراع استدعت تراجع نتنياهو عن إقالة وزير دفاعه «في ظرف حساس» كما قيل رغم المهانة التي تلقاها رئيس الوزراء بعدم اعتذار جالانت، ثم استدعاء رئيس المعارضة يائير لابيد لإحاطة أمنية، وهو ما لا يتم إلا في الظروف الاستثنائية، وقرار نتنياهو بمنع اقتحام الأقصى وهو قرار صعب أمام شركائه، كل ذلك ربما يعكس تقديرات الاستخبارات العسكرية وهو ما كتبه كيدار عن تصور الحرب.
هل فوتت إسرائيل فرصة السلام؟ يبدو أن هذه هي الحقيقة التي تجعل العالم لا يبالي بمستقبل إسرائيل وصراعاتها، هل ستكون إسرائيل ضحية فائض قوتها؟ في تاريخ الدول يكون فائض القوة عبئاً لا يقل عن نقصها في استدعاء الهزائم. فحين يترك الأمر للجيوش وتعمل السياسة تحت إمرة الجيش تختل الأمور وتحدث الكوارث، جيش إسرائيل الذي قاد السياسة في إسرائيل وحال دون تحقيق الاستقرار في المنطقة والذي كان عنوانه السلام مع الفلسطينيين، هو نفسه يقف أمام سيناريو يوم الدين وعنوانه أيضا الفلسطينيون .... التاريخ ماكر وذكي، لا يعمل لدى المصابين بعمى القوة بل يعمل ضدهم.
{ كاتب من فلسطين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك